السبت 4 مايو 2024

المستشار د. خالد محمد محمد القاضي رحلة عقل ورحلة وجدان مبدع على منصة القضاء

فن18-10-2020 | 20:29

القاضي له قلب أيضا، ولكننا نتعامل مع عقله دائما، ولكن الإبداع لا يفرق بين دارس القانون ودارس ومتذوق الأدب، فمن أبرز المزايا العقلية التي فضل بها الله سبحانه وتعالى الإنسان على غيره من المخلوقات الإبداع، وقد ساعدت تلك الميزة البشريّة على التطوّر منذ أقدم العصور عن طريق حل المشكلات، وإيجاد الطرق لسد الاحتياجات الأساسية وتوفير إمكانيات الرفاهية، ولأن الإبداع له رواده ومريدوه، كان المستشار المبدع خالد القاضي من أبرز المبدعين الذين يمتلكون مواهب متعددة في هذا العصر المليء بالأفكار المادية أكثر منها إبداعية، فهو قاض وباحث وكاتب وأديب ورحالة، وهو القاضي والرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، ولد عام ١٩٦٧ بمحافظة قنا، وتخرج في كلية الحقوق جامعة أسيوط، وحصل على الدكتوراه في القانون الدولي، وشهادة التميز العلمي من أكاديمية لاهاي للقانون الدولي عام ٢٠١٣، تدرج في الوظائف القضائية المختلفة، وتولى مهاما متعددة، وتم انتدابه مستشارا قانونيا لوزارة الثقافة المصرية.


يجوب بين مختلف فروع الثقافة في جميع مؤلفاته، ويعطي درسا في كيف يمكن للقاضي أن يجمع بين خبراته بجديتها وصرامتها، وبين اللطف في إبداعات أدبية، كما وصفه هيثم الحاج رئيس الهيئة العامة للكتاب. 


صدر له 30  كتابا، وحصد جائزة الدولة عن كتاب "طابا مصرية" كأفضل كتاب عام ٢٠٠٠، ومن أبرز ما صدر له من روائع الأدب القضائي .. 


القاضي طالبا متفوقا:


اِعتزا باسمه ونموذجه ودلالاته المستمدة من الخلود لكي يظل أثره طويلا ويكتب التاريخ سطورا عنه، وينال تقدير عالم، ويدخل في قصة أديب، ويضيف شيئا ينفع الناس ويمكث في الأرض، وقد كان، فمن الكتب التي أعتز بها من إبداع   المستشارالقاضي، كتاب "رحلة 30 سنة قانون رحلة علم ..ورحلة عقل"، والذي مزج فيه بين العلم والإبداع، ولم يكتفِ بعرض علمه وإبداعاته، بل جعله بمثابة مرجع لأي مريد للتفوق وتحقيق طموحاته المنتظرة.


 ولأن المستشار المبدع كتب عنه الكثيرون وتناولوا جوانب حياته العملية أثرتني بعض الفصول في كتابه (رحلة علم.. ورحلة عقل )، ومنها السطور التي تحكي عن تجربته في الثانوية العامة وكيف كان من أوائلها في عام 1985 بمدرسة فرشوط الثانوية بمحافظة قنا، وأنه لم يخطر بباله أبدا أن يحقق هذا المجد العالمي والذي كان بفضل والده وتشجيعه له وتحفيزه بنصيحته له، والتي تتلخص في جملتين جمعتا في طياتهما كل معاني الإبداع والطموح والتميز: (لا تعِش على مجد قديم، واصنع لنفسك أمجادا متتالية)، وهذا من وجهة نظري ما نحتاجه وما يقام على أرض الواقع بالفعل الآن للنهوض بعقول شبابنا مستقبل هذا البلد، والذي ضرب فيه القاضي المثل الأعلى لهم؛ ولم يكتفِ بعرض تجربته المميزة في التفوق، لكنه أعطى نصائح ذهبية لرواد النجاح والتفوق والإبداع  من الطلبة، وهذا في حد ذاته إبداع.

 

عاش في جلباب أبيه:


تعلم من أبيه القيم والمبادئ والانتماء للوطن والتضحية من أجله بكل غال وثمين، والجندي المدافع ليس على أرض المعركة فقط، ولكن هناك ساحة قتال أخرى لا تقل أهمية عن ساحة القتال في الميدان، وهي تسليح العقل والفكر، وأن تبدأ بنفسك حتى تكون قدوة للآخرين، ولأن الطموح كنز لا يحصل عليه سوى ذو عزم وإرادة، ولديه الثقة بنفسه وذاته وإمكانياته الذهنية والعقلية، ويكون قادراً على تحديد أولوياته وتنظيم وقته، ليسعه القيام بكل ما يرغب دون تشتيت أو ضياع للوقت في التفكير غير المثمر، قرر بطلنا المبدع أن يعيش في جلباب أبيه القاضي محمد محمد القاضي،  فعلي الرغم من  تفوقه وكونه الأول علي الثانوية العامة، والذي يتاح له جميع الكليات في أي مكان وزمان، أن يحدد هدفه ويلتحق بكلية الحقوق التي كانت تأخذ في هذا الوقت أقل المجاميع، ولكنه لم يأبه بذلك، وقام بدراسة ما يحب، ولكن هناك فرقا أن تدخل ما تحب وأنت لديك اختيارات متعددة وأنت تقرر، وبين أن يفرض عليك ما لا تحب نتيجة إخفاقك في دراستك، لذلك لم يكتفِ مستشارنا المبدع بهذا القدر من التفوق، بل واصل التفوق في كلية من أصعب الكليات دراسة، وكان من الأوائل أيضا، وحصل منذ عامه الدراسي الأول على تقدير امتياز.


ولأن الإنسان المؤمن دائماً ما يكون طَموحاً ويسعى دائماً لما هو أفضل لنفسه ولحياته والمحيطين به، ويعتمد في طموحه على ثقته بقدرة الله تعالى، وثقته  بإمكانياته وقدراته، ولا يسمح الشخص الطموح لأحد أبداً أن يثبط من عزيمته أو يثنيه عن تحقيق أهدافه، لذلك لا يصل لأهدافه سوى الشخص الواثق الطموح، لهذا حرص الطالب خالد القاضي على التفوق في جميع النواحي، فلم يكتفِ بالتفوق الدراسي فقط، بل حرص خلال فترة دراسته على الاشتراك في العديد من الأنشطة في الجامعة، وفاز بالمركز الأول في العديد من المسابقات البحثية، وحصل على شهادة الطالب المثالي في أسبوع شباب الجامعات في الإسماعيلية عام 1987، والطالب المثالي على مستوى الجامعات المصرية، وسافر من خلال برامج الشباب بين مصر وألمانيا وفرنسا واليابان، ولأن العقل السليم في الجسم السليم، كانت الرياضة أيضا  لها نصيب كبير في رحلة تفوقه، حيث كان من الأوائل في الرياضة، وحصل على الحزام الأسود في رياضة الكاراتيه، وهذه أعلى الأحزمة في هذه الرياضة.


محطات في حياته العلمية وخطوات نحو النجاح:


مر بطلنا المبدع  بعشر محطات رئيسية في حياته، ذكرها في كتابه (رحلة علم. ورحلة عقل)، فبعد أن اجتاز الطالب المتفوق مرحلة الكلية بتفوق منقطع النظير، سار في درب الحياة العملية بكل ما بها من انتصارات وانكسارات، كما ذكر في كتابه، فكانت المحطة الثانية بعد المحطة الأولى، دخوله كلية الحقوق وتحديد هدفه ورسم الإطار لملامح حياته العملية كانت محطة النيابة العامة، والتي هي شعبة أصيلة من شعب السلطة القضائية، والتي لا تقبل سوى المتفوقين، ثم تأتي المحطة الثالثة، وهي أكاديمية لاهاي للقانون الدولي، والتي بدأ فيها طالبا يستقي علم القضاء منها إلى أن انتهى منها بحصوله على شهادة الجدارة، وهي شهادة دولية تمنح بعد إثبات الجدارة في الحصول على الدكتوراة في القانون الدولي، وهذه الأكاديمية لم تمنح هذه الشهادة إلا لعدد قليل جدا منذ إنشائها عام 1990؛ ثم نأتي للمحطة الرابعة والتي شهدت ولعه واهتمامه بموضوعات التحكيم الدولي منذ تخرجه في الكلية عام 1989 ، فكانت رسالته في  الماجستير في القانون الدولي،  ثم حصل على الدكتوراه عام 2002 في القانون  الدولي تخصص تحكيم دولي، كما شارك وساهم في مراكز وهيئات التحكيم الدولي، لذلك نجد هذه المحطة من أهم محطاته العملية، وتأتي المحطة الخامسة التي هي بمثابة تتويج لاهتماماته البحثية والتي جمعت بين القضايا الجنائية والدراسات الاجتماعية عندما انتدب خمس سنوات بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية  فهو هيئة علمية يوازي الجامعة العلمية في كوادره وأعماله والذي عمل فيه من 1996 حتى 2001.

 ساهم خلال هذه الفترة بأبحاث ومؤتمرات وندوات علمية كثيرة أثرت المركز ومحتوياته.


 وتأتي المحطة السادسة ثمرة المحطة الخامسة، حيث رئيس المجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ليرأس أيضا صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، واللجنة الاستشارية العليا لمكافحة الإدمان تحت رئاسة مجلس الوزراء، وكانت الدكتورة سهير لطفي رئيسته آنذاك، فكلفته بالعمل معها في هذين الكيانين الكبيرين معا تلك الفترة، وانتدب أيضا بقطاع التشريع بوزارة العدل لمدة تقارب الثلاث سنوات، وصال وجال بخطوات إبداعية متقدمة في هذا المجال.


أما المحطة الثامنة، فكانت في أروقة  مجلس الشعب، وانتدب كمستشار تشريعي لمجلس الشعب لمدة أربع سنوات (2007-2011)، وشارك في وضع قوانين برلمانية فارقة، وبعد قيام ثورة 25 يناير، جاءت المحطة التاسعة، والتي رئِس فيها  لجنة الأمانة الفنية التشريعية والاتفاقيات الدولية، وتلتها المحطة العاشرة، والتي أرسى عليها قواعده الآن، بجانب مهامه المتعددة، حيث ترسخت لديه عقيدة وقناعة ويقين ثابت بأن لكل نعمة يهبها الله لعبده صدقة، لذلك آمن بنشر الثقافة القانونية بالشعب ككل، فعمل على فكرة الوعي القانوني التي بلورها من خلال العمل الأهلي، فكان صاحب فكرة الوعي القانوني في مصر.


لم يتوقف عند حلمه بالتفوق الدراسي وتنفيذه على أرض الواقع، بل مضى في طريق النجاح والتفوق وقال لنفسه:


 (لا تكن أسيرا لأحلامك، بل أطلق العنان لخيالك فثمة حلم جميل آخر ينتظرك)، وأدرك أن الكتابة والإبداع هي الأثر الأسمى في صفحة الحياة، وكما أن الأمم تخط عمرانها وعماراتها في الفضاء الكوني الرحب وهي تصنع الحضارة بالعلم والعمل، يلتمس المثقف حضورا عمرانيا معبرا عن هُويته ووجوده، ليظل مساره طريقا في لوحة التطور البشري الممتد في فضاء الارتقاء، وهذه كانت رؤية المستشار المبدع في تجربته مع الإبداع، حيث كتب عن قضايا قانونية برشاقة الأديب التي تجعل القارئ لا يشعر بجفاء القوانين المعهود، فمن يقرأ كتاباته يجد فيها سهولة وثلاثة تجعل أي إنسان مهما كانت ثقافته يتشبع بهذه الكتابات التي لا تخلو إطلاقا من المفردات اللُغوية الراقية والرقيقة في ذات الوقت، مع الثقافة القانونية، حتى أغلفة كتبه تجده يختارها بعناية، ودائما ما يمزج معشوقته الأولى المحكمة بأي موضوع، فنجد في كتابه الأخير وليس الآخر "القضاء الدستوري في خمسين عاما لحماية حقوق الإنسان وضمانات التقاضي" 1969-2019 ، يصور المحكمة الدستورية وهي تحتضن الدستور، وبهذا الكتاب يكمل موسوعة الثقافة القانونية التي بدأها منذ زمن بعيد، بل هو المشرف عليها في الهيئة العامة للكتاب.


وستجد له في كل مناسبة عملا إبداعيا بروح القانون، فبعد انتخابات 2018، قدم كتاب "وثائق الانتخابات الرئاسية  في مصر"، وكانت تتحدث عن الوعي الانتخابي وتحاكي المواطن بأسلوب سهل وبسيط ورشيق، ولم يكتفِ بتوعية الشعب بالوعي القانوني في مصر فقط، بل قام بعمل مجلد كبير للوعي بالقانون للشعوب العربية، وغيرها من المؤلفات والإبداعات التي جعلت من الكتابات القانونية الجافة قصصًا وروايات إبداعية تأخذك إلى عالم الأحلام الإبداعية، وهذا ما تفرّد به مستشارنا الجليل في كتاباته الكثيرة التي تحتاج إلى مقالات وحوارات كثيرة لتأخذ حقها في السرد والعرض.


ولكن رغم هذه الرحلة العلمية وخبرته الحياتية وغوصه في واقع المجتمع وإدراكه لمشكلاته وظروفه، نجده يتجه إلى البحث عن الثوابت العليا في حياة المجتمعات كما ذكر في كتابه، فهو يعتز بكتابه "مولد أمة"، والذي يسرد فيه حياة الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم - يعتبره هو المعلم الأعظم والأوحد لكل البشرية، والذي يعتبره هو معلمه وقدوته وملاذه، "وقل اعملو فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"،  هذا هو نهجه في الحياة.


    Dr.Randa
    Dr.Radwa