الجمعة 29 نوفمبر 2024

فن

الشاعر الجميل

  • 19-10-2020 | 20:09

طباعة

 آه يا زمان العبر

سوق الحلاوة جبر

إحنا اللي كانوا الحبايب

بيسافروا بينا القمر

بقينا أنتيكا

لم أستطع أن أمنع نفسي من الإعجاب والوقوع في حب شخصية الشاعر الغنائي مرسي جميل عزيز، وعندما بدأت أٌقرأ عنه وأسمع أعماله، وجدتني أنجذب إلى الشخصية وكلما اقتربت أغوص أكثر.

لم يحدث ذلك كثيرًا خلال فترة عملي في الصحافة، فالصحافة أكسبتني حرفية وفصل المشاعر عن القلم، وفصل ما أحب عن الحيادية.

شخصية بهذا الثراء وبهذا الكم من النجاح والتمكن لابد وأن تأسرك وتغوص فيها دون فكاك.

فهذا الرجل موهوب في أكثر من مجال جميعها تصب في نهر الفن وكل موهبة خدمت الأخرى وكان المستفيد من ذلك هو الجمهور الذي ظل مرسي جميل عزيز يستأثر بذائقته سنوات عديدة ولا أبالغ إذ أقول إنه إلى الآن مازال هناك مريدون ومعجبون بأشعار هذا الفنان الرائع.

مرسي جميل عزيز شاعر غنائي ومصور فوتوغرافي على نفس الدرجة من البراعة، وكاتب سيناريو متميز أيضًا.

وكان مخلص لموهبته ومقدّر لقيمتها حيث درس التصوير الفوتوغرافي ودرس السيناريو وسط أساتذة وفطاحل المهنة.

أقام المعارض لصوره الفوتوغرافية في لندن، وخصص معمل تحميض خاص في بيته.

وكان  مثقف وقارئ جيد، "كنا نسافر إلى أوروبا ونشتري أحدث الكتب من هناك وعندما نعود نذهب إليه فنجد تلك الكتب موجودة في مكتبته ويقرأها" حكى عنه محمد الموجي وعبد الرحمن الشرقاوي، فكانت موهبته متغلغلة في الأرض ووافرة وعامرة بالخيرات.

يصفه الصحفي محمود سعد أنه جميل الروح معتد بذاته، وعزيز النفس مقدر لقيمتها ويعرف مقدارها.

فمنذ عمر الثامنة عشر ومع أول أغنية تظهر إلى النور "يا مزوق ياورد في عود" التي غناها المطرب عبد العزيز محمود، والتي كانت من اللون الشعبي الراقي، نجحت الأغنية نجاحا كبيرا، ووُلد كاتب أغنية نجم لا يعرف إلا النجاح طريقاً والتميز مكانة، وعمل مع أجمل الأصوات وساعد على ظهور العديد منها، فكان متحمسا للفنانين الصغار الذين يكبرون على يديه، مثل الفنانة حورية حسن صاحبة الصوت الملائكي فعندما تغني تصبح حورية من الجنة غنت له أجمل أغنياتها  الشعبية مثل "يا بو الطاقية الشبيكة"، و "من حبي فيك يا جاري" والتي قال فيها:

من حبي فيك يا جاري

يا جاري من زمان

بخبي الشوق وأداري

لا يعرفوا الجيران

لما تصادف ع السلم

وتصبح ولا تسلم

قلبي بيرقص م الفرحة

ما اضعرف إن كنت أنا رايحة

ما اعرف إن كنت انا جاية

وأخبي الشوق وأداري

لا يعرفوا الجيران

وكتب لفنانين صاعدين مثل الفنان محرم فؤاد الذي ألف له أعذب أغانيه مثل "الحلوة داير شباكها" والتي قال فيها :

الحلوة داير شباكها شجرة فاكهة ولا في البساتين

الحلوة م الشباك طالة يحرسها الله ست الحلوين

الحلوة حلوة وسنيورة زي الصورة مرسومة تمام

الشفة وردة في عنقودها أما خدودها تفاح الشام

يا بحور عسلهم رباني عطشان يا اني يا بحور العين

ونظرة واحدة ترويني وتخليني أشبع سنتين

يا مين يوصلني لابوها ولا لاخوها وادفع مهرين

وألف له أغنية "رمش عينه"، الصورة والحكاية في أغنياته واضحة حيث كان يحكي حكايات داخل الأغنية ففي هذه الأغنية نجده يحكي ويقول:

ليلة من ذات الليالي

كنت خالي وقلبي خالي

السهر معرفش عيني

والغرام مجاش في بالي

فات عليا الحلو الأسمر

رمشه قالي حب واسهر

مين يا ناس يحكم مابين قلبي وبينه

رمش عينه اللي جارحني رمش عينه.

فالصورة موجودة في الأغنية حتى أنه يجبرك أن تُعمل خيالك مع الصورة الدرامية التي يحكيها ويجعل منك صديقه الذي يأتمنك على سره، بل ويطلب منك مساعدته في حل أزمته.

وربما كان هذا أحد أسرار مرسي جميل عزيز أنه يتخذك صديقه الودود طوال مدة الأغنية ويأخذ منك عقد ضمان علاقة تستمر مدى الحياة بأغنياته.

وهو من تحمس لفايزة أحمد عندما سمعها في الإذاعة وعندما سئل هل تكتب لها؟ فقال: "هاتوها مصر وأنا اكتبلها"، وبالفعل جائت وكتب لها " يا امه القمر ع الباب"

تلك الأغنية التي تسببت في أزمات عديدة منها أنه اتُهم بالسرقة من التراث، حيث كانت هناك مغنية قديمة تسمى سميرة عبده غنت أغنية بها جملة يا أبويا القمر ع الباب فاتهمه الكاتب جليل البنداري والكاتب مأمون الشناوي بأنه يسرق نصوص من التراث، فما كان إلا أنه بعث إلى أخبار اليوم يطلب أن تُعقد لجنة من كبار النقاد في وقتها مثل (د. علي الراعي والشاعر صلاح عبد الصبور ود. محمد مندور)، وأرسل مبلغ خمسمائة جنية تكاليف عقد اللجنة من أجل كشف الحقيقة، وبالفعل انعقدت اللجنة وتمت تبرئته من تهمة سرقة التراث بالدليل والبرهان.

وقتها كان يستطيع أن يُقاضي من اتهموه بهذه التهمة ولكنه عفى عنهم وتركهم.

وكتب ثانية لفايزة أحمد "أنا قلبي إليك ميال"  وغيرها من الأغنيات التي تعتبر علامة في تاريخها وكان مؤمن بها وبصوتها.

وكتب لصباح أغنية من أحلى أغانيها " مال الهوا يا مه مال" والتي قالت عنها صباح نفسها أنه لولا هذه الأغنية لظلت مغنية درجة ثالثة.

وكتب لشادية العديد من الأغنيات مثل "شباكنا ستايره حرير" تلك الأغنية البديعة التي تحمل حلم كل فتاة بفارس الأحلام .

وعلاقته بالمطرب عبد الحليم حافظ كانت من نوع خاص فهو صاحب أول أغانيه وهي أغنية "مالك ومالي" والتي بدأ بها حليم مشواره، وهو من رشحه لأول فيلم سينمائي في فيلم "أيامنا الحلوة" والذي طوّع القصة ووضع فيها دور مطرب وكان الفيلم يميل إلى الدراما السوداء فالفيلم يحكي حكاية المرض والفقر وكان مليء بالمشاعر الثقيلة ولكن مرسي جلس مع المخرج حلمي حليم وأعادا صياغة الفيلم من جديد ليخفف مأساوية الفيلم ووضع دور المطرب ليضع أغاني خفيفة وابتسامة لطيفة.

ويشبّه مرسي جميل عزيز صوت عبد الحليم بصوت الشيخ محمد رفعت حيث أن كلاهما من وجهة نظره صوته ناعم وخالي من العنف، وكلاهما يأخذك إلى منطقة هادئة، وقال إن صوت حليم مثل القطة السيامي التي تجدها تقفز وتجلس على قدميك بمنتهى النعومة.

وكانت بينهما علاقة صداقة استمرت حتى وفاة عبدالحليم حافظ.

 يضحك الأستاذ مرسي جميل عزيز ويحكي عن فيلم حكاية حب الذي كتب كلمات أغانيه الأربعة أنه الفيلم صاحب الأربع أغاني الذي نجحت فيه خمسة، حيث أنه كتب للفيلم خمسة أغنيات وهي بتلوموني ليه، وأغنية حبك نار، في يوم في شهر في سنة، بحلم بيك، وأغنية اسبقني ياقلبي التي لم يتسع لها وقت الفيلم فتم حذفها ولكنها كانت موجودة على تتر الفيلم.

وبالطبع لا نستطيع أن ننسى ثلاثيته مع كوكب الشرق أم كلثوم سيرة الحب، ألف ليلة وليلة، وفات الميعاد

ذلك المشروع الغنائي والقصة الدرامية مكتملة الأركان التي تصف مراحل الحب وتطوره إلى الوصول للنهاية والفراق.

ويحكي هو عن هذه التجربة أنه كان يتهرب ويرفض العمل مع السيدة أم كلثوم نظرًا لأنها كانت تُغير من كلمات الأغنية وتتحرك داخل القصيدة كما يحلو لها، وكان هو شديد الاعتزاز بنفسه وعاشق لكلماته ولا يريد أن يتجرأ أحد عليها فمن يأخذ كلماته لابد وأن يرحب بها ويتعامل معها بمنتهى الاعتزاز، ثانيًا أنه كان لا يريد أن يُنسب نجاحه إلى تعامله مع أم كلثوم، وهو مكتفي بالكبار الذي صنعهم أو شارك في صنعهم وكبروا معه ومن خلاله، ولكن أم كلثوم عندما سمعت منه هذ الكلام أخبرته أنه بالفعل كبير وأن وجود اسمها لجوار اسمه لن يضيف  له لأنه بالفعل متحقق وأنه من أفضل كُتاب الأغنية في مصر واستطاعت إقناعه وتحقق المشروع وكتب لها قصة حب متكاملة تبدأ بـ "سيرة الحب" وبداية العلاقة ثم ذروة العلاقة في أغنية "ألف ليلة وليلة" وتنتهي بالفراق في أغنية "فات الميعاد" ونجح المشروع و عاشت الأغنيات.

وكتب لفيروز قصيدة "سوف أحيا" التي سُجلت في استديوهات الإذاعة المصرية وتعتبر هي الأغنية الوحيدة التي غنتها فيروز لشاعر مصري.

وكتب للفنانة عُليا التونسية أغنية جميلة "وانا بسقي الحمام".

تنوعت الموضوعات التي تطرق إليها الشاعر مرسي جميل عزيز فغنى الأغنية الشعبية الجميلة والأغنية العاطفية والدينية والأغنية الفلسفية مثل أغنية "من غير ليه"، و"زمان ياما كان " التي غناها الفنان عبد المنعم مدبولي، والأغنية العائلية مثل "قلبي عليك يا خي"، و"يا بيت أبويا معزتك في عنيا".

يمتلك مرسي جميل عزيز قاموسين يستخدمهما في الكتابة فعندما يكتب أغنية بلسان فتاة الريف فإنه كان يجعلها تتحدث عن الحب بالمواربة وعدم التصريح مثل أغنية فايزة أحمد "يا امه القمر ع الباب"، فإنها طوال الأغنية تستأذن وتحاول أن تقنع أمها بأن هناك حبيب على الباب دون إفصاح

يا امه القمر عطشان

وحد م الجيران وصفله قلتنا

أسقيه ينوبنا ثواب

ولا أرد الباب

بينما عندما كتب لفتاة المدينة وجدنا القوة والإفصاح مثل جملة ام كلثوم في أغنية "سيرة الحب "

ياللي ظلمتوا الحب

 وقلتوا وعيدتوا عليه

قلتوا عليه مش عارف إيه

العيب فيكم

يا ف حبايبكم

أما الحب يا روحي عليه

وكان هناك قوة في الكلمات حيث سنجده يستخدم فعل الأمر "قول" في أكثر من أغنية مثل أغنية "اكدب عليك" للفنانة وردة وجملة -قول يا حبيبي قول- وأغنية "سيرة الحب" لأم كلثوم -قول الحب نعمة مش خطية- .

ومن أجمل ماكتب دعاءه الجميل في أغنية ألف ليلة وليلة، ذلك الدعاء الذي يدعوه الأحباء، أي ما كان شكل الحب والمودة والقرب:

قول

الحب نعمة مش خطية

الله محبة

النور محبة

الخير محبة

يارب

تفضل حلاوة سلام أول لقى في إيدينا

وفرح أول ميعاد منقاد شموع حوالينا

وفوت علينا الزمان

يفرد أمانه علينا

يارب

لا عمر كاس الفراق المر يسقينا

ولا يعرف الحزن مطرحنا ولا يجينا

يارب

    الاكثر قراءة