تقول الحكاية أن المخرج حسن كمال وزع أغاني الفيلم الكوميدي الغنائي الاستعراضي "مولد يا دنيا" بين مرسى جميل عزيز وسيد مرسى والمواضع لكل منها التي يكتب فيها. وعلى عهدة كتاب عصر الفن الذهبي: حكايات لا تعرفها للكاتب مصطفى نصر الصادر عن سلسلة كتاب الهلال؛ "... وكان من نصيب سيد مرسى الأغنيه التي سيغنيها عبد المنعم مدبولى، بعد أن انصرفت الدنيا عنه، وراحت عليه هو عربته الحنطور وحصانه مع رواج السيارات الفاخرة، ... اختار المخرج ذلك تحديدا لأن يعرف أن سيد مرسى خبر الدنيا وله تجارب في هذا الشأن أكثر من مرسى جميل عزيز التاجر الغنى المرفه"
وقتها لم يقل مرسى جميل عزيز شيئا ولكنه ذهب وعاد للمخرج بكلمات أغنية "يا صبر طيب" وقدمها للمخرج الذى عرضها على مدير شركة الإنتاج مجدى العمروسى وعليه قررا أنها أغنية الفيلم واتخذا قرارا بإرسالها للملحن كمال الطويل ليلحنها، لهذا فهي اللحن الوحيد له بالفيلم.
ولكن قبل ذلك ذهبا للشاعر سيد مرسى يعرضا عليه الأمر الذى قال: "أنا كتبت كلمات أغنية في هذا الموقف، ولكن ليس في جمال ولا قوة كلمات مرسى جميل عزيز، وأنا موافق أن تأخذا أغنيته، لكن بشرط أن آخذ أغنية من عنده" فوافقا أن يكتب أغنية "يلا دنيا" التي كان مقررا أن يكتبها مرسى جميل عزيز. والغريب أن الأمر انتهى بنصيب سيد مرسى من أغانى الفيلم بآخر أغنية من الفيلم فقط.
من المعروف أنه ولد بمدينة الزقازيق لأب يعمل تاجرًا للفاكهة، فبدأ مرسي حياته المهنية مثل والده، حتى أنه تأثر بنداءات الباعة على الفاكهة وبالأغاني الشعبية واستوعبها، ونستطيع أن نلمس براعة الأجواء الشعبية في كتابته كلمات أول أغنية بالفيلم وهى أغنية تتر البداية "المولد" تلحين على إسماعيل، استعرضت تلك الأغنية شخصيات المولد التي ستكون الفرقة المسرحية الاستعراضية بعد ذلك، بداية من البلطجي توفيق الدقن إلى النشالة وصاحبة الظهور الأول على شاشات السينما عفاف راضى ومرورا بلبلبة وسعيد صالح وآخرين، مما يذكرنا بأجواء المولد بأوبريت الليلة الكبيرة للشاعر صلاح جاهين الذى عرضه مسرح العرائس أوائل الستينيات.
عرضت السينمات الفيلم الاستعراضي أوائل عام 1976 عن قصة الكاتب يوسف السباعى الذى كان يتولى إدارة تحرير الهلال منذ 71 وفى نفس عام صدور الفيلم تولى إدارة تحرير الأهرام، أي في ذلك الوقت هو عز شهرته ومجده، أكاد أجزم – رغم انى لست ناقدا فنيا- أن الفيلم حقق نجاحا باهرا واستمر عرضه أكثر من30 أسبوعا، بالأساس بسبب أغانيه، ليس بسبب القصة أو الاستعراضات التي أتقنها مخرج الروائع حسن كمال أو حتى ببطولة الممثل المشهور وقتها محمود ياسين.
كتب مرسى جميل عزيز خمس أغنيات من أغانى الفيلم التسع وهم على الترتيب؛ "المولد" (تتر البداية) و"شبيك لبيك" تلحين "منير مراد" و"يهديك يرضيك" تلحين "محمد الموجى" و"زمان وكان يا زمان" المعروفة بـ "يا صبر طيب" و"يا قوى" تلحين "محمد الموجى". بينما كتب "عبد الرحيم منصور" أغنيتين وكتب الأخرى الشاعر "مجدى نجيب" ولحن الأغاني الثلاثة المبدع بليغ حمدى. أما لماذا ظن المخرج أن مرسى لن يقدر على هذه الأغنية؟ ولماذا كانت أغنية يا صبر طيب هي مرثية جميل؟ فهذا ما نتعرف عليه حالا.
غنت له السيدة أم كلثوم الثلاثية الشهيرة التي لحنّها بليغ حمدي وهي: سيرة الحب، فات الميعاد، ألف ليلة وليلة، التي توفت بعد معاناة مع المرض في 3 فبراير 1975 وهى الوفاة التي هزت الوطن العربي كله، أي وقت كتابة تلك الأغنية، فهل تلك الأغنية مرثية لزمن أم كلثوم أم مرثية له هو نفسه؟ وكان مولد يا دنيا آخر فيلم يقوم بكتابة أغانيه. فقد توفى فى التاسع من شهر فبراير من عام 1980م بعد صراع مع المرض أيضا!
على ما اعتقد إن المخرج حسن كمال كان في بداية تحضيرات الفيلم وكان يريد له الخفة والكوميديا والاستعراض، وكان يدرك الحالة التي وقع فيها الشعراء بعد رحيل أم كلثوم ورحيل زمانها. لكنه فوجئ بقوه الكلمات، فتضافر تلحين كمال الطويل مع غناء وأداء عبد المنعم مدبولى لتخرج لنا الأغنية الأيقونة المرثية.
يحكى لنا العربجى ريشة (عبد المنعم مدبولى في الفيلم) حكاية قديمة حدثت زمان ومثل كل الحكايات من زمان يجب أن تبدأ بكان يا مكان، في هذه الحكاية القديمة كان الزمان إنسان يتحدث وتحاوره وتنادمه. لكن دلوقت حدث أمر غير مفهوم جعلت العربجى يجلس وحيدا يعاتب هذا الإنسان الصديق فيوجه حديثة للصديق الغائب، لماذا لم تعد الصاحب والرفيق مثلما كنت فيما مضى، ليه مبقتش زى زمان؟ كنت صديقى وحبيبى أما الآن فهجرتنى وتخليت عنى.
هنا يبدأ العربجى الوعيد له، طيب يا صبر طيب، اصبر عليا هوريك مقامك! فاكر زمان وليالى زمان، لما الناس متهنية ومبسوطة وفرحانة والدنيا بسيطة، فالحب يتم التعبير عنه بوردة وشمعة ولم نكن بحاجه إلى أي شيء آخر، فلم نكن اخترعنا أحزان. هذا الوقت كان وقتى، أحمل فيه ذكريات زفات ومواكب العرايس والأفراح، حين أسمع نداء: "كرباج وراء يا سطى" أضرب الكرباج لأعلى فيطير طرفه ليلسوع العوازل الذين هم خلف مظلة الحنطور بين العجلات ويركبون بدون دفع أجرة، و ليس لهم علاقة بالعرسان أو الأحبة، ويهللون في الزفة فقط. ألا تذكر سطوتى وقيادتى للموكب. أنا الذى يقول "شى" ليسير الموكب وأنا الذى يقول "هس" فيقف الجميع لأمرى ويقف الموكب والزفة.
تقف الحدوتة وينظر العربجى ريشة الى عربة الحنطور المهجورة العاطلة تحت ظلال قنديل متراقص في عربخانة مهجورة قذرة مليئة ببالات التبن والتراب وخيوط العنكبوت على المصابيح الصفراء الكابية، ويتذكر الواقع الأليم أن مجرد مرشيدس تثير غبار ولهوجة تجبر الناس على التخلي عن جمال المناظر والحياة مثلما يفعلون عندما يركبون عربة الحنطور معى. وما بين الغضب بضربات وطرقعات الكرباج ونشوة الرقص به يبدع عبد المنعم مدبولى ليعود ويستعطف الزمان، ألم تكن صديقى، ونديمى، صدقنى يا صحبى، كنت البريمو، طول عمري كان ولا شيء يلحقني، أما الآن لم تعد صاحبى، بل أصبحت شخص آخر، شخص كل ما يهمه إعطاء دروس في الحياة للمساكين أمثالى، بعدما راحت عليهم، دعنى أقول لك العبرة من تلك الحكاية القديمة؛ سوق الحلاوة جبر واتدلعوا الوحشين، اختفت كل أسواق الحلاوة، واتنصب بدلاً منها شوادر «يتدلع فيها الوحشين» تسود فيها العملة الرديئة على الفن والخيال. أين زمن الحبايب الذين كانوا يملئون أسواق الحلاوة، كنت أطير وأحلق بهم في الفضا وهم في غاية الروقان والانبساط حتى أننى كنت أسافر بهم للقمر. وينهى الحدوتة بدقى يا مزيكا.
يقال إن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب طلب من مرسى جميل عزيز صياغة أغنية تحمل نفس مضمون "طيب يا صبر طيب" فكانت أغنية "من غير ليه".