الخميس 20 يونيو 2024

جواهرجي الكلمات

أخبار19-10-2020 | 21:27

   رائعة "سيرة الحب"، التي اشتهرت بمقطع "ياللي ظلمتوا الحب وقلتوا وعيدتوا عليه .. قولتوا عليه مش عارف إيه"، و"فات الميعاد"، التي اشتهرت بمقطع "وعايزنا نرجع زي زمان .. قول للزمان اِرجع يا زمان"، و"ألف ليلة وليلة"، التي أصبحت مقدمتها الموسيقية من أشهر مقدمات الأغاني على الإطلاق، من أجمل ما شدت به أم كلثوم، وكذلك من أجمل ما شدا به عبدالحليم مثل: "في يوم في شهر في سنة"، و"جواب" في فيلم "البنات والصيف"، و"بأمر الحب" في فيلم "يوم من عمري"، ذلك بجانب أغنية "أعز الناس".

وأشهر أغنيات فايزة أحمد "يامه القمر عالباب" والتي غنتها في فيلم "تمر حنة"، ورائعة الكروان محمد فوزي "الشوق" من فيلم "ليلى بنت الشاطئ"، و"على عش الحب"، و"وحياة عينيك" لصاحبة الصوت العذب شادية، بفيلم "الزوجة 13"، وأغنية "أنا وانت وبس" من غناء وتلحين فريد الأطرش في فيلم "الخروج من الجنة"، وأشهر أغاني صباح "يانا يانا" والتي قدمتها في فيلم "كانت أيام"، و"أما براوة" لنجاة وتم تقديمها في فيلم "ابنتي العزيزة"، وأشهر أغاني وردة "أكدب عليك"، وصاحب الصوت النادر محرم فؤاد في رائعته "رمش عينه" في فيلم "حسن ونعيمة". 

كل تلك الروائع وغيرها جادت بها قريحة العبقري الفذ، مرسي جميل عزيز، موسيقار الحروف، شاعر الألف أغنية، فكانت قلائد فريدة يتزين بها الغناء العربي على الإطلاق، برع في هندسة الكلمات، فجاءت خفيفة على اللسان، سريعة إلى أذن المتلقي، وصار عصيّا على الذائقة نسيانها، فهو بحق شاعر امتطى جواد الشعر، فأحكم قياده، ولم ينفر منه بل تعانقا في سلاسة ومحبة، ما كان له أكبر الأثر في إمتاعنا بما جادا به علينا. 

وُلد شاعرنا فى 9 يونيو 1921 بمحافظة الشرقية مدينة الزقازيق، والده الحاج جميل مرسى، من كبار تجار الفاكهة، ومكّنه من أن يشبع ميوله واهتماماته الأدبية والفنية، ظهرت ميوله لكتابة الشعر فى سن الثانية عشرة، وكان قد حفظ الكثير من آيات القرآن الكريم، كما حفظ المعلقات السبع كاملة، وقرأ لكثير من الشعراء يتقدمهم بيرم التونسى، كذلك تأثر بنداءات الباعة على الفاكهة وبالأغانى الشعبية واستوعبها.

كتب أول قصيدة شعرية وكان عمره اثني عشر عاماً، وكانت فى رثاء أستاذ له، وقد حصل شاعرنا على شهادة البكالوريا عام 1940 والتحق بكلية الحقوق.

ويذكر اللواء مجدى مرسى جميل عزيز عنه في مرحلة التكوين: "لم يعتمد مرسى جميل عزيز فى كتاباته على موهبته الثرية أو ملكاته فقط، ولكنه درس اللغة العربية والشعر والأدب والتراثين العربى الحديث والقديم، وكذا الأدب العالمى وأصوله ونظرياته وقواعده النقدية".

وعندما أنشئ معهد السينما فى عام 1963 التحق مرسي جميل عزيز، بالمعهد وحصل على دبلوم فى كتابة السيناريو، كما درس المسرح وأصول الدراما وحرفية السينما، وكان عزيز شغوفاً بالقراءة والدراسة والمعرفة، وكان ذلك جليّا بوضوح لمحدثه من خلال الحديث إليه.

قدمت الإذاعة أول أغنية لمرسى جميل عزيز بعنوان «الفراشة» فى عام 1939، ولحنها الموسيقار رياض السنباطى، ولكن الجماهير تعرفت إليه بعد ما قدمت الإذاعة أغنية «يا مزوق يا ورد فى عود» التى تغنى بها المطرب عبدالعزيز محمود.

حظي مرسي جميل عزيز باهتمام الكتاب والنقاد على اختلاف مشاربهم، واتفق الجميع على تفرده وبراعته، فيذكر الأديب الكبير يحيى حقي في كتابه "خطوات فى النقد" تحت عنوان "الأغنية جديرة بالدراسة الأدبية": "من الظلم ألا يُدرّس مرسى جميل عزيز، كشاعر مرهف الحس، بارع الإشارات، حُلو العبارة ويعنى أشد العناية بوحدة الأغنية وضرورة احتوائها على معنى جديد، إنه يعبر عن الحب أدق تعبير، وعن الجنس بأجمل الكتابات".

ولا عجب عندما نرى عملاق الأدب عباس محمود العقاد يقف بجانبه إثر الأزمة التي صاحبت إذاعة أغنية "يامه القمر ع الباب" -فالكبير لا يعرف قدره إلا كبير مثله -  فيقول: "عندما أذيعت أغنية مرسى جميل عزيز الشهيرة "يامه القمر ع الباب" حققت نجاحاً وانتشاراً كبيرين، ولكنها تعرضت للهجوم من البعض بدعوى أن فيها جرأة، ولكن الحقيقة أن فيها من البلاغة أضعاف المئات من قصائد الشعر العربى، وإذا لم تفتح الأبواب لهذا الصوت الجديد فايزة أحمد، بتلك الكلمات فبأى كلمات ستفتح؟!"

وكأديب بارع اهتم عزيز بالأغنية، ونظر إليها كقضية مهمة يتبناها ويدافع عنها، فيعترف هو نفسه: "الأغنية أهم وأخطر الفنون جميعاً، فهى التى تشكل الوجدان والأحاسيس وترتقى بالمشاعر وتربى الانتماء وتؤكد الهُوية".

وعشق بطبعه الفلكلور المصرى وأخذ يبحث عن الهُوية الأصلية للأغنية، ويشير لهذا الأمر الكاتب خيرى شلبى بكتابه "موسيقار الكلمات" عن مرسى جميل عزيز قائلاً: "هو كفلاح من محافظة الشرقية وابن أحد كبار تجار الفاكهة فى الزقازيق، كان لا شك على وعي تام بتراث الغناء الشعبى فى جميع مناسباته، لاسيما أن مجتمع الفاكهة غنائى عريق فى غنائياته، ولكل نوع من أنواع الفاكهة أغنياته العذبة المليئة بالصور الشعرية البديعة التى تتحدث عنه ككائن إنسانى".

ومن روائعه الغنائية التي تشير لهذا الملمح أغنية "الحلوة داير شباكها" وغناها محرم فؤاد ولحنها الموجى، تقول:

الحلوة داير شباكها.. شجرة فاكهة

ولا فى البساتين.. الحلوة م الشباك طلة

يحرسها الله.. ست الحلوين

الحلوة حلوة وسنيورة

زى الصورة.. مرسومة تمام

الشفة وردة فى عنقودها

أما خدودها تفاح الشام

وتميز إنتاج شاعرنا مرسى جميل عزيز بالتنوع، فقد كتب القصيدة والموشحات والمواويل والأوبريت الغنائى والأغنية بجميع ألوانها، فكتب الأغنية العاطفية والشعبية والوطنية والدينية والوصفية والتأملية وأغانى تعبر عن البيت والأسرة، والمئات من الأغانى السينمائية الدرامية والاستعراضية، إلى جانب القصة القصيرة والمعالجات السينمائية والسيناريوهات والبرامج الإذاعية.

 وعن سماته وحياته الشخصية، فمن المعروف أنه قد تزوج فى عام 1946، وأنجب ابنا واحداً وثلاث بنات، ويذكر نجله مجدى مرسى جميل عزيز: "بيت مرسى جميل عزيز وزوجته وأولاده يتقدمون على أى اهتمامات، فقد كان أبًا حنونا للغاية ، بيته على أعلى مستوى من الرفاهية، لو أحد منا مرض يظل بجانبه، حتى إنه كان يذاكر لنا، باختصار لا فرق بين لغته الشعرية.. ولغته اليومية".

 

ولعل أصدق أعماله الغنائية التي تجسد حياته الشخصية وعشقه لبيته وأسرته أغنية فايزة أحمد "بيت العز" وأغنية المطربة أحلام "يا بيت أبويا".. فقد غنت أحلام من كلمات مرسى جميل عزيز :

 

يا بيت أبويا.. معزتك فى عينينا

 

ما شفت منك غير .. ليالى هنية

 

يا بيت أبويا والله .. كتر خيرك

تربى وتكبر .. وتدي لغيرك

 

وأيامك الحلوة.. عزيزة عليا

 

أما فايزة أحمد فغنت من كلماته:

 

بيت العز يا بيتنا.. على بابك عنبتنا

 

لها خُضرة وضليلة.. بترفرف عالعيلة

 

وتضلل يا حليلة.. من أول عتبتنا

 

يا بيت العز.. يا بيت السعد

 

يا بيت الفرح يا بيتنا

ومرسي جميل عزيز هو الشاعر الوحيد الذى تغنى بكلماته كل مطربي الزمن الجميل، بدءاً من محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وفيروز وعبدالحليم، مرورًا بشادية وصباح ونجاة، وصولا إلى هانى شاكر ومحمد ثروت، كما ذكرنا في المقدمة.

وتجاوز دوره مجرد الكتابة لهم، بل تعدى ذلك الدور مع البعض، فقد كان له دور بارز وكبير فى ظهور عبدالحليم حافظ فى السينما لأول مرة، فيذكر نجله مجدي أنه: "قد استغل صداقته الشخصية والفنية مع المخرج والمنتج الراحل حلمى حليم، واصطحب معه عبد الحليم حافظ لكى يدخل بلاتوه السينما لأول مرة فى حياته".

وقام مرسى جميل عزيز بإقناع حلمى حليم بتحويل القصة الميلودرامية لفيلم "أيامنا الحلوة" إلى فيلم غنائى جماعى البطولة، أصبح لعبد الحليم دور فيه، كما قام مرسى جميل عزيز بكتابة جميع أغانى الفيلم.

ولست في هذا المقال بصدد الكتابة عن علاقاته مع مطربي عصره، وما يكتنف تلك العلاقات من أسرار ومواقف، ولكن بعضا من تلك المحطات يجتذبنا رغما عنا للوقوف عندها، ومن تلك المواقف أغنيته الفريدة والتي درجنا عليها منذ صغرنا، وهي رائعته الفريدة "ألف ليلة و ليلة"، وشدت بها أم كلثوم، وقيل إنها الأغنية رقم 1001، وسماها لهذا السبب "ألف ليلة وليلة".

 منحته الدولة في العام 1965 وسام الجمهورية للآداب والفنون تكريما لجهوده كرائد للأغنية الشعبية والعاطفية المصرية، لما قدمه للإذاعة وللفن المصري من إبداعاته المتعددة، وحظي بتكريمات عدة طيلة حياته وبعد مماته، فقد توفي مرسي جميل عزيز في التاسع من فبراير عام 1980، عن عمر يناهز 59 عامًا.

والآن وبعد مرور سنوات طويلة على رحيل هذا الشاعر الفذ مرسى جميل عزيز مازلنا، وسنظل، نسمع كلماته وأغانيه ونتعايش معها، بل ونتهاداها مع "أعز الناس":

على طول الحياة

نقابل ناس

ونعرف ناس

ونرتاح ويّا ناس عن ناس

وبيدور الزمن بينا

يغيّر لون ليالينا

وبنتوه بين الزحام والناس

ولا ننسى حبايبنا أعز الناس حبايبنا

سنين وسنين تفوت ما نحس بوجودها ولا وجودنا

ولحظة حب عشناها نعيش العمر تسعدنا

ومين ينسى ومين يقدر في يوم ينسى

شعاع أول شرارة حب

ونظرة من بعيد تقول حبيت

ورمش يقول غلبني الحب غلبني

ومين ينسى ومين يقدر في يوم ينسى

ليالي الشوق ولا نارها وحلاوتها

ولا أول سلام بالإيد ولهفتها

ولا ننسى أعز الناس حبايبنا

حبيب قلبي وروح قلبي حياة قلبي

يا أغلى الناس يا أحلى الناس يا كل الناس

لسة مشوار الحياة

شايل لنا وقفات

معالم في طريق الحب

أحلى كتير من اللي فات