الأربعاء 26 يونيو 2024

جمر الرماد

فن20-10-2020 | 12:52

أيقظ غفوتى وعبرتُ إليه، عندما هممت بالكلام قال : لا أطلب ردًا ،  أنصتى إلىَّ ، أنصتى إننى أُوشك على الرحيل ، أحملك روحى وذاكرتى كى لا يوجعنى الفراق .. أطلعك سرى ، أنت أقرب إلى نفسى من نفسى ، صوت أنفاسك ينظم ضربات قلبى الموجوع ، وتخبطى يستعيد توازنه ، تدركين أننا جسدين وروحًا واحدة ..

لن أسالك بل أجيب عن ما لم تسألِه يوما من أعوام مضت ..

أنت نسمة قيظ ، الآن آمنك على وجودى حين فناء جسدى .

موجات جنونى نفد رصيدها ولن يجدى شحنها ..

قطعت مسافات ومسافات بلا هدف ، يرى البعض أننى حققت ما لم أكن أعلنه ولا أتوقعه.. تدركين جيدًا ما صرحت به أيام قوتى وغطرسة اندفاعى ..  أعتدى وأسلب حقوقًا ليس لى حق فيها ، غالطت وبالغتُ فى الغلط وتزوير الحقائق ..

أعترف أنا مجرم فى بعض الأشياء التى تشيرين إليها ولم تصرحى ..

كنت أحس باندفاع أمام فيوض أكبر من كل توصيف ، فما بالك بإنسان عانى دهورا من ضياع وحده ، حلمه  الوصول إلى أمه التى لا يعرفها ولا يعلم عنها شيئًا ..

عبرت جسوراً بلا اكتمال، وحين اكتمل عبورى إليها محملاً بجوع الحرمان ، وجدت مرسى لم أحلم ببهائه ، ظلت رائحتها تلازمنى، أبوح بما أحسه وتكمل هى ما لا أعلنه ، كأنها معى فى خطو فكرى،  أشبعتنى ببساطة وبلا تكلف ، يفيق انتعاشى حين تنظر لى ، أفرح حين تتكلم، قدرتها على الفعل تُذهل .. بددت ظلام وحدتى ونقلتنى إلى عالم  يمتلك آلاف الشموس ، و أقماره لا تُحصى ..

ذكاء تلقائى يعبر أفقًا وأفقًا نحو عمق الرؤية . واقتحم خلائى وجود مدهش ..

حين تنهى صلاتها أرى وجهها مسكونًا بتجليات المتصوفة، سلاح الأنوثة تملكه ولا تشهره ، ويظهر عند تخلى قيوده.. فكرها يتجاوز حدود عقلى ، جعلتنى دومًا حائرًا أفكر فى الطبيعة وما وراءها . تتركنى أهيم وأبعد ، وعند بداية غرقى تنتشلنى، وتحكى عن جدى وأن لغة الأجداد لا تفنى.

وألهث دومًا لفك غموض ينتاب جُمل أجهلها ، لم أدرك عمقها حتى الآن وأنا أهاتفك .. حماقاتى تمجدنى ، وأكابر بجهل عن نفسى ، تمحو غرورى بإشارة أو عبارة أو تعليق على شيء آخر وتبعد منشغلة ، تراقب ذهولى وتطمئن على بداية تصحيح ما أجهله ..

ودائمًا تتركنى ولا تكمل ..  إنكارها توكيد، قراءة ما لم تعلنه كان  متعة وعذابًا.

وأدخلنى دون أن تدرى مجال الخلق وتداعياته حتى امتهنت الفكرة .

ربطتنى برباط السحرة والعارفين بالله ، والمكشوف عنهم حجاب الغيب ..

لا أملك غير الطاعة والتمجيد الذى لا أعلنه .. ودوماً أدعى عكسه ..

تواصلت تبعيتى لصغيرتها التى لا تعرف نطق الكلام أو الأحرف ، أراقب ولا أدرك أن السنين عبرت ،  أرنو اليك باعتزاز وتزيد مكانتك حين تقدمين بلا مقابل ، تقابلين الخيانة بالبعد عن مجالها، وهجر المشين شغفك ،  حين هجوم الظنون تختفين ، حتى تخلصى روحك منها .

أنت والصدق متلازمان، عالمك تخلقيه بخصوبة بريئة نقية ، مكابدات على مدار حياة تحملتِها برضا ، حضور  يجذب الآخر، وردود تحمل معانى النبل ..

أخجل الآن من تصرفات لا أملك شجاعة الإفصاح عنها .. لا أملك غيرك لتغفرى وتسامحى وحمايتى، لا أخاف الكوابيس ولا المقابر وأنا أحدثك .

أنت خاطرى وقادرة على محو تشظى لهبى ومحاصرة وجع اقتراب رحيلى ..

غفرانك يفوق ما بحوزتى  من آثام .

 أنت أبهى ممالك الأرض وأنقى المعادن.

اغفرى وإمحي خطاياى ، إنك وطن ..

                                                  ***

 

                                    

 تشغلنى لهفتى على ألا تقع خصومة بيننا ..  

نفورى من تصرفات تحمل لى العذاب ، تجعلنى أهيم فى غربتى ، وأغمض عينيّ عن كل ما أراه ، أثناء غفوتى يمتلأ الفم مرارة ويتشقق بجفاف استعصى إرواؤه  ..

أخاف النوم الذى يجرح حلقى فى غياب الوعى ..

أهرب بالصحو ويغلبنى النوم وأغفو ، أصحو ، وتتواصل الأيام .

أهرب منى ومن وساوس شيطانى الماكر..

أبحث عن حوائط حمايتى ولا أجد غيرك أنت بعيدة ،ويأتينى قربك ؟

                                         ***

 

رايات غضب اعتراضى على سخريتهم من خوفى أسقطها رغماً عنى، تعانى أعضائى انهيار وظائفها ، يبتسمون وأنا غريق، تعلن ذاكرتى ضمورها وعطبها وتختلط الأحداث، أجد شفقة ويعاملوننى كطفل أبله ميئوس من شفائه ، يدللونه أحيانًا ، وأحيانًا يهزون الرأس دون اعتراض أو موافقة ، وأسقط بين براثن جرح ووهن كبريائى.

تتصدع نفسى ويغمرها شوق ، تهرب الأشياء وتتباعد ، يُخجلنى لسانى حين ينطق مظلوم ، أشكو من نفسى لنفسى ولا أصل إلى عذاب معذبى ومن خاننى وسامحته ..

قديما لم أكن أسامح أو  أغفر ويتم الحساب بيد عفية قاسية لا تعرف السماح .

تبدلت !! يجرفنى الحنين إلى أيام جُرفت وأصابها عطب سنين الإنكار .

زمنى تصحر، تحيطنى جدران تحجب وتنفى، عيونى أضناها ألم البحث عن ضوء ينفذ .. تتملص ذاكرتى من حجرات قلبى تبحث عمن يحكى ويبوح .. قبل ان يسدل القلب أجفانه..

خلخل توازنى رياح عواصف اقتحمتنى من خارج شباكى ..

 غيوم تتكاثف تحولت لدخان أسود ، أزرق ، ولا أميز ، وامتلأت إحساس بخطر قادم .

                                             

                                                       ***

التصقى أكثر بالسماعة حتى لا يسمعنى أحدٌ ..  قبل أن أكلمك كان مستنقع سكونى آسنًا لزجًا، صوت أنفاسك شمس خجولة تبدد برودتى، وقلبى يُنتشل من غرقه عند سماع صوتك.. تمتكلين دخول جسدى ورؤية اغترابى وتراخى خطوي . هم دائمًا ينظرون ولا يدخلون..

أتراجع عن غضبى أمام التلويح بالتخلى وأبتلع خوف وحدتى، وصوتى يتلون بالمزيد من الطاعة والحب .

                                                     ***

أعترف أنه كان أنسب مخلوق لك .. مبدع وقادر، أدرك قيمتك  ، تمكنت من دخول أعمق أعمق أعماقه ، وعرفت أكثر مما عرف عن نفسه ، بهدوء ودأب تمكنت من محو  العقبات حتى تلاقيتما فى بؤرة قمة التواصل .. كنت أرى ارتعاشة جفنه اللاهث وراءك، أسمع صوته الآن ينتشلنى ربما أحس بداخلى شيئا طيبا.

أدعو  من الله الواحد أن يحمى هذه العبدة الصالحة ..

أحس بصوت أنفاسك القلقة والتى لا أعطى لها فرصة الكلام ..

 الآن أسمع صوت أمى وأرى ملامحها أمامى أم ملامحك ، ابتسامتها ، خجلها ، جسارتها ،حدتها ، عصبيتها ، هدوءها ، صمتها ، خفة روحها ، مشاعرها ، دفئها ، تمردها ، لينها ، كبرياءها ، كرمها ، تطهرها ، براءتها ، نظرات تحير وتحير ،ومخزون شجن يربك .

قولى لى والله معك  من فيكما  أكلمه  الآن !؟ واختفى الصوت ولم أعد أسمعه ..