سأتوبُ عن كوني نصلاً يواري
نفسهُ بين الكلمات.
مَن ألقاني في أتون هذا
العشق غيرَ ليلة القدرِ تلك التي استباحتني
استباحةَ البحر لمدينةٍ
مهجورة، مكتظلةٍ بالخيباتِ والأسئلة.
ما عاد لي مقبض. ذابَ في
أيدهنّ.
ما عاد لي نصل، سافرَ في
أسرارهنّ وغاب.
ما عدتُ جثّةَ ناسكٍ ملقاةً
على خلجانهنّ.
قالتها سكيّن، تكتبُ قصيدةً
على جسدِ البحر
عن قرصانٍ تعشقهُ الأسماكُ
والعواصف
وتبحثُ عنه كنوزُ النساء.
***
على مقربةٍ من العيد،
والعيدُ صليلُ الحكايات ونبيذها
فراشاتُ العشقِ تقفزُ من
دمكِ نحو دمي
نحو حريق النهايات.
يا كوثلاً من ضياء الفجر
مغروساً في كبدي
ابحري بيّ أكثر، في عُباب
التهوّر، ولا تكترثي بويحِ البدايات.
فبعض الأغلال أجنحةٌ،
فخاخٌ، مفاتيحٌ وظلالُ السِّدرات.
وكلُّ أنتِ وأنا بعشقٍ،
وأنتِ كنهُ السماوات.
كلُّ أنتِ، وأنا غريقٌ،
باقٍ على ميثاقِ الشعرِ
وسردِ انصافِ النهايات.
يا ويلي، وسوءَ محنتي،
إنْ اختطفتني لحظةٌ من
النظرِ في عينيكِ
كقاربٍ يغرقهُ شوقهُ
وأسئلتهُ.
وظلّي التائه، وصوتي
المبحوح، وصورتي المتصدّعة على الجدارِ المتصدّع
ما أنا بعاشقٍ، بل رمادهُ
المنثورُ الذي يقتفي أثر عطركِ.
يطوني تفّاحكِ قهراً على
كمدٍ
وجعاً على أبدٍ
جمراً على كبدٍ؛ هو قصيدتي
التي ستبقى تنهشني
وأبقى على مقربةِ من العيد،
منتظراً بزوغكِ
فانهمري، كتساقط الأوطان من
حقائب الأقدار، انهمري.
كتتابع الغيمِ الذاهب للرقص
والحتف، انهمري
واسمحي لي بهذه الرقصة يا
محبرةَ قلبي وقناطرهُ والفراديس.
***
يا طفلةً من شراسة البوحِ
ورقّةِ الورد والحمائم
اتّقي الغيمَ في بثّ
الفتنةِ بين الأبواب والنوافذ، الشوارع والأرصفة
الأنهار والغابات، الحجارةِ
والنسائم.
يستعيذُ الوقتُ بكِ من
آثامهِ، ويستنجدُ بعينيكِ،
يا سيلاً من التفّاح والقرنفل.
تينكِ سكّينكِ، تحزّين به
قلوبَ عشّاقكِ،
والعابرونَ ضحايا يستعجلون
الحتف.
الضحايا، مساكينٌ ليس في
وسعهم سوى أن يكونوا ضحايا
فاتّقي الغيم فيهم، ولا
تكرري على أسماعهم أطقُمَ الكلامِ
الذي تلبسينه لكلّ الرّجال.
ظلُّكِ جدلُ المقاهي،
"يا ربّةَ الوجهِ الصبوحِ"
وأنا الكرديُّ الأندلسيُّ
الدمشقيُّ المصريُّ الفلسطينيُّ العراقيُّ العابرُ،
نويتُ أن أصلّي لعينيكِ
قصيدتين من نبيذٍ وقمح، وسأرحل.
فاتقي اللهَ في حُلمي وصبري
ولا تمتحني صمتي أكثر، لئلا
أغدو أثراً بعد عشق.
***
يتوسّلُ إليكِ الليلُ
واتباعهُ
بأن تخفيهم بين خصلاتِ
شعركِ
لكنَّ دخّانَ غربتكِ،
آلامكِ يرفض ذلك.
الحزن قائدُكِ على دروبِ
معبّدةٍ بالخيبات والهزائم
وابتسامتكِ قناديلٌ ونوارسٌ
في وضح العشقِ
تقودُ البحّارةَ والسفنَ
إلى موانئ مهجورة.
كلما تنتهين من فنجانِ
قهوتكِ
يتحوّلُ الفجنانُ إلى
حمامةٍ تطيرُ صوبَ أرض الأجداد.
كلما أطلقتِ سراح شعركِ
يتحوّلُ إلى خيامٍ تأوي
النازحين وضحايا الحروب.
عيناكِ وطنٌ مهجرٌ ينظرانِ
إليَّ من بعيد
وكيف أغيبُ في دخّان
سجارتكِ
كمراهقٍ هاربٍ من حبل
المشنقة.
ابقِ القصيدةَ في لهيبِ
توقها
وابقِ، حيثُ يشاءُ لكِ
العشقُ البقاءَ
على مقربة من رماد الرجال
العابرين بكِ
ولا تغربي في الأغاني
كثيراً
لئلا تفترسكِ الألحان.
***
كفرسٍ شموسٍ، لجامها الأفق
وقلقُ الفجر
تصولُ في فناجين قهوتي،
أوشاماً وطلاسماً وآلاماً وخناجر.
تصهلين في كؤوسِ النبيذ
والجداريّاتِ المعلّقةِ في الحانات والمتاحف
وتطوين البراري بين
النهدين.
يقينكِ الشكُّ الذي يستنهضُ
في الحجرِ فحولةَ المجاز.
قدّكِ قدُّ الرّيحُ
الراقصةُ كأفعى في حضرةِ آلامي،
والهواءُ المعشّق بدخّان
سجارتكِ يعمي قلبي عن مدنٍ ونساءٍ وقصائد ألاحقها وتلاحقني.
ستركعُ لك الجهاتُ، ما أنْ
تخلعي عن بريقكِ الحُجُبَ وقلقَ الصحاري.
صولي بعكس اتجاهِ الأقدار،
على مهلِ القصائد،
وألقي أرسانَ الخوفِ على
غاربِ المعابد.
أبيحي لكرومِ التوقِ
التوضّؤ ما بين النهدين والسرّة
ودعي البابَ موارباً للصوص،
فأنا عائدٌ، ولستُ بعائد.
***
يا ليتني لم أكن هكذا!
يا ليتَ الليلُ انشقَّ وابتلعني
قبل ان تبتلعني رائحة تفّاح السلّة التي تنزّلت عليَّ من سماوات الصدفة والوجد!
يا ليتني لم أكن هكذا
تعاتبني الدروبُ وتغتابني
المدنُ
ويحسدني الصّخبُ المتحجّرُ
على مجالسة الغزلان.
حزيناً، يحضنني التفّاحُ
مُودّعاً، الوحدة تلو الأخرى!
وتستدعيني الغربةُ لمعاقرة
الحنين إلى شيءٍ، يا ليتني لم أكنهُ.
سأتوبُ عن كوني نصلاً
تواريه الكلمات
واكتفي بالبقاءِ رمادَ شاعرٍ تُعيدُ تشكيلهُ فوائحُ صدور النساء وأعناقهن.