على الممر الطيني ..، الضيق ؟!! بين الماء الداكن والحياة الصاخبة التي
تموج فوق النهر سار وحيداً.؟
تساءل بملل متى ينتهى هذا الممر الخانق ، ويسقط كحجر ثقيل في الأعماق المظلمة..السطور
الأخيرة من قصة أو نص " أيام باقية" من مجموعته الثالثة "أغار
" الصادرة عن دار العين والتي يتناول فيها الكاتب الدقيق الحذر " شوقي
عقل "، ماهيات العيش في أطر ومسارات زخمة تولج في العاطفي الرومانسي وما آل إليه
_ "الطريق" ، فيما وراء السرد والسارد المعجون بالرهافة والجسارة ،
هاتكاً أستار وحواجز ومحظورات ..الثالوث المقدس ، الدين والجنس والسياسة :
لتطويعهم واللعب بهم بل وانصهارهم في خدمة متون القصة وجمالية الكتابة وحتى ماهية
فن القصة القصيرة وكيف تكتب ، بلا تقعير ولا تصدير مقولات ونظريات ، متونات سردية
تخترق حواس المتلقي في جزع وشغف للتقابل والاشتباك مع الراوي ، أو حتى الكاتب لهذه
النصوص الأربعة عشر والتي تضمها المجموعة المتتالية ، أو المتوالية بمعان : الارتكان
على أفكار وجودية وحياتية ترمي المتلقي في حالات من الفزع والوجد والعطف حتى على
الراوي نفسه والمرتحل موزعا هواجسه تلك الأنثى في مهدها وفي عشقها والبحث عن حباً
يبغي الخلود ولكن هيهات..ماهية الطريق والسير في سيرتك مع الافتراض أن تلك الأدوات
الرمزية التي يطرحها المبدع في نصوصه وهي الأشبه بأفخاخ أعدت لطيور جريحة ، خلقت
لتحلق وتطير ، ولكن هيهات كيف والبطل الموزع أو السارد على روح حسية وترميزات
النصوص الملغزة فيما يراد أن تنطق بها ، هي تدين القدر أم الظرف ، أم شكل العيش
وعبثية الحياة ..فعن تعرجات السارد عبر نصوصه ، كنص نص ، بعينه ودلالاته : ( لم
يفهم كثيرا من الكتاب ، ولكن رغم ذلك ، كانت قراءاته له مانعاً بالصدفة من أن يسقط
تحت تأثير شيخ في الزاوية القريبة من بيته ، قصة أو نص "الراقصة والتوتة"
، من هنا وعند كل مفتتح لنص جديد في تلك المجموعة الفاتنة ، يوغل الكاتب بضمائر
متعددة تخفف من وطأة الخوف على المتلقي.، في طواحين الحياة ثابرا أغوارها بديمومة
لا تنفك تكنس وترفع وتتجلي بالهم العام قبل الذاتي وبالوجودي البحت ، قبل المعيشي
، بل أيضاً في السياسي بلا خوف ودون اكتراث . حتى عن السارد الرئيسي ،"
the main inrrator"
في متتالية أغار للكاتب والمفكر شوقي عقل وهوالمتوجس والخائف والقابض على جوهر
الحكايا بلا ترف السرد ولا الاستهلال المجاني المعمم ، الصوت الواحد ، وتعدده ، بل وتوزيعه
على حراك السارد / الراوي / الكاتب ، صوت واحد ، يتلبس الراوي في الاربعة عشر نصاً
.يحلم ويعشق ويتألم ويهاجر فلا يذهب ولا يعود ؟!! في رحلة تشبه السفر ما بين
الزمان والمكان وخارطة تتوزع قماشاتها أو خيوطها في غزل شفيف ، بليغ ، موح ، عذب ،
لبطل معذب : ففي نص الكابينة ، هو المعذب الهاجج للبحث عن الذات بلا قبلة محددة
ولا هوية في مغامرة تشبه نزق مراهق يعلم وعورة الطريق فوق المركب السائر بعاشقين
من بلد أوروبي ، هو لايطمع في الجنس بقدر ما يريد الولوج إلى أسرار تلك الفتاة
وتفاصيلها الباردة وبراجماتيتها ما بين الوصل والقطع والفصل وفي نص "أغار"
وهو النص المعنون به المتتالية ،يبحث الراوي عن ما كان هنا / وهناك ، في بيت كان
له فيه حبيبة وشبق وخيال جامح في وصال لن يكون منتهاه اللقاء ولا الرغبة المحمومة
في ممارسة الحب ، بقدر ما هو بحث عن وصال ومداد لزمن تائه ومنقطع مع لحمة فؤاد
كسيح ، غربته البلاد فراح يبحث عن تلك المرأة التي كانت تعشعش في سكنته تروق له
حسيا كونه قد عرفه بالحواس نجد المنتمي
اللا منتمي ، المحب العاشق المجرد الذي
يراود بلغة جنسية تقترب من حافة الحلم ، بل رجراجة ما بين الحلمي والحسي والمتخيل
، يقع الراوي في ورطة الاشتباك في نهايات وخواتيم ، مدببة ، ما بين الوعي واللا
وعي ، العقل والجنون ، الإفراط في الخيال وتقطير الحنين الجارف المترع بما كان
وذهب للأبد ، كذلك في نص "فتحية التناية" والصخرة ،حيث أنسنة الجماد :
الماكينة وكذلك مكنون العشق للآلة والمكان والبشر البسطاء الذي يصل حد التماهي ،
خارجاً ببلاغة بنائية تطرح لغات مكثفة من الإيقاع الرمزي والبصري والدلالي القابل
للتأويل بإفراط
" الصخرة " النص الملهم والذي ينطبق عليه وصفا مجازيا بالنص
العالمي في غالبية نصوص المجموعة / المتتالية القصصية ، أو النصوص ، وبلغة رجراجة
وليست منفلتة .، تفضح الأحوال بلا إدانة لنظام أو أنظمة أو حقبة بعينها ، وهكذا
تتوالى وتترى النصوص وحكايا البشر في مناطق حميمية كميدان "السكر والليمون"
القابل لتعدد الدلالات ، عن العصف والنسف وتدمير ذاكرة المكان قبل الحنين إليه ،مصر
التي كانت وولت وبقت الرائحة والذكرى تحمل جرم العصف بالبني والبشر ودفن الآمال
والأحلام والطموحات في بئرة سحقية لا تعيها مفاهيم المدنية ولا المدينة في بلادنا.
في تلك المراوحات وتنقلات الكاتب /الراوي /السارد_ ما بين رحايا الزمن والشخوص
والعلاقات وتبدل مسارات البشر تحت وطأة القسوة ، يغوص "شوقي عقل" في
متونه التي أصروحتى النفس الأخير _ بطلاقة وفرادة ، ألا يخترق ولا يشتبك إلا معها
وبها وإياها ، مع توزيع الآهات الدفينة لأبطال قصصه ،على كل الزوايا حتى في تلك
الأمكنة والشوارع والحواري ، وعيادات المرضى ، وعالم ودواخل الأطباء والسكرتيرات والبارات
وحتى المساجد ، بوعي ، وحذاقة ، وفتوة كاتب فرط كثيرا في أدواته وموهبته عبر
نضالات متعرجة ، نادرة ، وثابتة على الدوام ، يمدن فيها على الدوام - كمنهج - يديه
لكل مغبون قهرته ظروف العيش ..في الأربعة عشر نصاً ، وحتى تلك المصدر بقصيدة
للشاعر الإيراني هوشنج ابتهاج ، يواصل الكاتب : خطف العام لأرضية الخاص والوجودي :
فيقول في تصدير قصة "بدونك " بدونك أكون قمر السهل الوحيد وشمس الغروب
البارد ، بدونك أكون بلا اسم بلا ذكريات ، بدونك أكون رمادا ..، بدونك أيتها
الحبيبة ، هكذا دواليك ، كر وفر . مع الحبيبة وتلك العلاقات العاطفية الحارقة
والبليدة التي تلد دلالات على التأرجح ما بين الخوف والأمان وتطير الأحلام وماهي
بأحلام بل : شرعية أن تصل وتتصل وتتواصل في علاقات عاطفية تعينك على مجابهة الفقد
لمواجهة البؤس وغمام المطروح والمؤبد في ظروف الزمن والعيش . ما بين المتحكم والمحكوم ، والمسير والمخير،
صعود وخفوت ، ترقي وتدني، بقرف الظرف الذي يحيل الكاتب بضميره اليقظ إلى رائى
وشاهد ومتعاطف ، ومؤمن بالخروج من الضيق للبراح في لحظة ما ، أو يوما ما ، أو حتى
ظرف مغاير ، فلا تعرف هل هو مسالم متعاطف ، أم كافر بكل الأحوال التي تعوق الأحلام
والتنفس والعيش السوي بلا تدليس ، عن تلك الألغاز المستترة خلف خطابات مزيفة هي
التي تصنع الخطاب والتحدث والتحاور أو التواصل بين البشر في بيئات متباينة اجتماعيا
وسياسيا وتحديدا مادياً معيشي ، يرفرف الكاتب / السارد بأكثر من جناح ، فهو ليس
بجعة ، ولا صقرا ، ولا كبش ، ولا شاعر وعاشق رومانسي حالم ، ولا مصلح اجتماعي
أيضاُ ، رغم أن الأنفاس أو الأنفس الكاتبة بضمائر مختلفة وثابتة بعض الشيء في كثرة
النصوص وهي المتكلم مع فواصل حوارية بالعامية الحية والفارقة والتي تزيد وتكثف من
معان دراما القص والذروة ومن قبلها حنانيه ورهافة وتسلسل الكتابة بخفة تضمر وجع
المكتوب عنهم والمحتفى بهم في بقاع الأرض ، صرخات تدين الكل وتحديدا من تورط في
قمع البشر وتحولهم لمسوخ حتى في أدنى وأقل التفاصيل والاحتياجات الحياتية البسيطة
، وعن المكان / الأمكنة ، الذي اختير بمهارة فائقة رغم إنه ليس مفتعل ولا مقصود من
قبل المبدع الذي لم يضع في حسبانه أنه يكتب سيناريو سينمائي ، بل مشروع روائي متعدد الدلالات دون أن يدري ،
وكأنك تستشعر وتحس لون السماء وجدران البيوت ورائحة أجساد البشر ، وركام اللذة مع
الألم بتأرجح اليقين المخاتل ، قصص أغار للكاتب شوقي عقل ، تدين بهمس يعادل بل
يتخطى الصراخ في البرية الجاثم فوقها البلادة ونسف الضمير في دوامات لرحايا العصف
التي تهشم بني البشر ، مع طرح عشرات بل مئات الرموز القابلة للتاويل ، بل والتفكيك
والهدم على أكثر من مستوى للبناء عليه بوضوح فيما يخص ماهية وجدوى الفن والرحمة والرب
ومسميات الشيخ ، وما يدور في الكابينة ، وما ألزمنا بالسير في الطريق والإصرار
بضراوة وغشم واستبداد على استكمال المسير حتى النهاية وآخر قطرة نفس طالما أن هناك
روح وعقل ينبضان ويخفقان داخل أجساد بشر تموت وتحيا وتحلم وتحب وتعشق وتذوب حتى
التلاش ، "أغار" ، لشوقي عقل تحتفي بالحب انطلاقا من خصوبة عشق الأنثى
في كل أحوالها ومخاتلتها وحنونها وتمردها ووجعها وحتى تناقضها مع ذاتها والرجل
والآخرين بل حتى والآخريات بداخلها.ليبقى في نهاية علاقة الكاتب بلغته السيالة
العنيفة ، حتى في استخداماته لمفرداته العامية ، كانت هناك ثمة بكارة في نحت
الكلمة " تناية قردة " فتحية التناية / نص يحمل نفس العنوان ص 103،
" أنا كل ما أخرج ألاقيك ورايا ، ؟أنت عاوز مني إيه ؟"أغار" ص
73..المجموعة هي الثالثة في رحلة الكاتب من القصة أو المتتالية القصصية وقد صدرت
عن دار نشر "العين"