السبت 23 نوفمبر 2024

فن

في عالم السوشيال ميديا..التربية الإعلامية هى الحل

  • 22-10-2020 | 12:03

طباعة

يعتبر الإنترنت الآن حقا من حقوق الإنسان؛ يتعامل معه الناس فى بعض المجتمعات على نفس القدر الذى يتعاملون به مع المأكل والمشرب ويتأثرون مزاجياً بالسلب حال حدوث أي خلل فى كابل الإنترنت أو شبكة الواى فاى، صار لكل منا صولات وجولات مع موظفي خدمة العملاء فى شركات الإنترنت للشكاوى وإصلاح الأعطال؛ فرغبتنا الإنسانية أن نظل متصلين بالعالم بشكل مستمر أصبحت ملحة ومسيطرة علينا.

فأصبح من المألوف أن تجد من يجلس فى الترام ويتحدث عن فضيحة "كامبريدج أناليتيكا" أو عملة فيسبوك الجديدة "ليبرا"؛ كما أصبح معتاداً أن يقول لك أحدهم معلومة مؤكداً أنه قرأها بنفسه على تويتر،ولو نحينا عوامل مثل السن والمستوى التعليمى للمستخدمين – على الرغم من أهميتهما – فسنتأكد أن وسائل الإعلام الجديدة الآن تعمل كمسرع لفكرة العولمة التفاعلية الافتراضية أكثر منها وسيلة اتصال كما بدأت.

غيرت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أساليب التفاعل الإنسانى فصارت متشابكة ومعقدة للغاية؛ كما ساعدت أيضاً على التحول السريع للمجتمع البشري وبنيته وهُويته الثقافية بشكل تجاوز حدود الزمان والمكان بمعناهما التقليدى.

الثقافة بمفهومها الواسع تأثرت كثيراً وتطورت تعريفاتها ومفاهيمها فالتكنولوجيا ألغت المسافات وزمنية الأحداث بالإضافة لإزالة عنصر المكان الذى هو أساس التجمع؛ فنصف سكان الأرض الآن متصلون ليلاً ونهاراً بشبكة الإنترنت وأدت إلى تغير جذري فى الوعى الجمعى نتيجة للضغط الناتج عن كم المعلومات الهائل المتداول.

فمثلاً تطورت لغة "الأرابيزى" أو اللغة العربية المكتوبة بحروف إنجليزية – إن جاز لنا تسميتها بلغة أساساً -  وتحتوى على حروف وأرقام ورموز وعلامات وهى منتشرة بين المراهقين بشكل كبير، والمعروف أن اللغة أحد أهم مفردات الثقافة، وانتشار "الأرابيزى" أدى إلى عزل بعض الفئات العمرية ممن لا يدركون تلك اللغة واستناداً إلى ما قاله رونالد لازوايل عن أن اللغة ناقلة للثقافة فسنجد أننا نواجه انكساراً واضحاً فى تلك العملية.

ومع شيوع عبارة "اسأل جوجل في الموضوع ده" تحولت الأجيال الجديدة إلى "جوجل" للبحث عن إجابة أى سؤال أو البحث حول قضية بعينها دون اللجوء إلى مصادر أخرى كالمكتبات العامة أو التخصصية  بما يرسل لنا بإشارات خطيرة حول المستقبل وكيف يشكله محرك البحث العملاق.

كذلك مع ظهور خدمات مثل ظهور "نتفليكس واتش بى"، وغيرهما ،حفّز مختلف فئات المجتمع على الاشتراك فى تلك الخدمات وما تقدمه من مسلسلات وأفلام ووثائقيات ما أدى إلى تراجع أهمية القنوات التليفزيونية والمنوط بها الحفاظ على الهُوية والثقافة.

**

الخوارزميات

شاع استخدام كلمة خوارزميات وهى ليست لغة برمجة, إنما مجموعة من الخطوات والمعادلات الرياضية المنطقية التى تستخدم لحل مشكلة ما باستخدام الكمبيوتر. كم من مرة لاحظت أن صفحتك على فيسبوك تظهر لك عدة أخبار عن نفس الموضوع والتى تتبنى اتجاها محددا أو وجهة نظر معينة؟ كم من مرة وجدت نفسك تشعر بالاكتئاب أو السعادة بعد أن تجولت بـ الماوس فى صفحتك الشخصية؟

الفكرة أن فيسبوك يستطيع فعلا أن يجعل يومك سعيداً أو كئيباً باستخدام خوارزميات معينة من خلال ظهور موضوعات معينة بشكل متتالٍ وهى مبنية على الصفحات التى تعجب بها والمنشورات التى تشاركها والموضوعات التى تقرؤها والفعاليات التى تحضرها من خلال فيسبوك وما تكتبه على صفحات المجموعات وتعليقاتك عند أصدقائك أيضاً.

تخيل معى بعد أن توحدنا كأشخاص مع هواتفنا المحمولة وصفحاتنا على مختلف وسائل التواصل الاجتماعى فيما سماه العلماء ( العقل الممتد) كيف يمكن التأثير على ذائقتك الأدبية والفنية واهتماماتك الفكرية والثقافية، وكيف يمكن التشكيك فى فكرة معينة رغم كونها صحيحة استناداً إلى مبدأ " الزن على الودان"؛ تخيل أيضاً إمكانية التلاعب بالأفكار والعادات والتقاليد والتوجهات الثقافية العامة، وكذلك الرأى العام تجاه قضية بعينها؟

**

الألعاب وكامبريدج أناليتكا

لا يخفى على أحد أن الألعاب أحد مكونات الثقافة سواء كانت "السيجا" أو "السبع طوبات" أو "البلاى ستيشن" لكن هل تعلم عزيزى القارئ أن لعبة كانت هى كلمة السر لحل لغز نتائج الانتخابات فى عدة دول حول العالم وعلى رأسها الانتخابات الأمريكية؟ لا تندهش فهذا ما كشفته فضيحة " كامبريدج أناليتكا" فى عام 2018 والتى أظهرت تورط " فيسبوك" فى تسريب معلومات الملايين من المستخدمين من خلال لعبة إلكترونية تطبيق لعبة "COW"  والتى ساهم صاحبها فى الكشف عن التسريب، على المنصة الشهيرة وما تلا ذلك من استدعاء لمؤسس فيسبوك أمام الكونجرس الأمريكى والبرلمانين الأوروبى والبريطانى، وتغريم الموقع مبالغ مالية طائلة.

 فتم استغلال المعلومات والبيانات المسربة فى حملات تضليل موجهة ومقصودة وتغيير فى السلوك التصويتى فى عدة انتخابات من أبرزها الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.

كثافة استخدام لعبة "COW" حولتها إلى وسيلة لجمع البيانات والمعلومات وهو ما يذكرنا بألعاب أخرى مثل لعبة فارم فيل والتى أطلق عليها المصريون "فلاحين الفيسبوك" نظراً لأن اللعبة تعتمد على زرع الأرض وتسمين العجول. إدمان ألعاب الموبايل أصبح يُستغل بعدة أشكال ولمصلحة أطراف متعددة، فمثلاً لعبة "الحوت الأزرق" كان لها دور كبير فى لفت الانتباه إلى ضرورة التركيز فيما يفعله المراهقون ولمن يستمعون بعدما أدت إلى حالات انتحار فى مختلف أنحاء العالم ومن قارات العالم الست، مؤخراً أيضاً لعبة "بابجى" والإفراط فى الألعاب التى تعتمد على القتل ساهمت فى انتشار العنف والتغير فى السلوك العام لدى الشباب.

التأثير فى عالم الكتاب:

ربما يكون التأثير الثقافى الأبرز هو ظاهرة كتاب السوشيال ميديا والتى تظهر كلما اقترب معرض القاهرة الدولى للكتاب فتنتشر كتابات أكثرها دون المستوى حيث تعتمد بعض دور النشر على المؤثرين على فيسبوك أو ما يعرف بـ "الإنفلوانسرز" وتتم عملية تحويل البوستات إلى كتب تشترى بكميات كبيرة وبخاصة من فئة المراهقين وهو ما ينم عن تحول خطير فى سلوكيات ذلك الجيل وأسلوب تعاطيه مع الكتب وكيف يحصل على المعلومة.

يموج العالم الآن بتغيرات ثقافية واجتماعية نتيجة للتطورات التقنية المتسارعة؛ كذلك فإن ثورة المعلومات والاتصالات تحتاج إلى أن نتكيف معها على جميع الأصعدة،كذلك نحتاج إلى تطوير نظريات الغرس الثقافى والتعددية الثقافية بالإضافة لنظريات علوم الاتصال بحيث يكون هناك ظهير علمى وفلسفى للتعاطى مع تلك التغيرات.

علينا كذلك التعامل مع إيجابيات ثورة المعلومات وعدم إهمالها والدخول بقوة إلى معترك دعم المحتوى العربى على شبكة الإنترنت بعد أن أهملناه لفترة.

نعم؛ تأثرت الحياة الثقافية بشدة بالتغيرات التقنية وتحولت الصورة إلى سيلفى والتأليف إلى بوست والكتب المطبوعة إلى "بى دى إف"؛ ولا أحد يعرف على وجه اليقين الآثار طويلة المدى لتلك التحولات وهو ما يتجلى فى التساؤل الفلسفى "هل أصبح وجودنا الإنساني مجرد وجود رقمي؟"

التربية الإعلامية هى الحل.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة