الأربعاء 27 نوفمبر 2024

فن

الانسحاب في هدوء

  • 23-10-2020 | 10:26

طباعة

ذلك الرَّجل الذي جاء وهو على مشارف السِّتين؛ ليستزيدَ من التَّعليم، أيَّة دراساتٍ عُليا يسعى للحصول عليها؟، لابدَّ أن الشَّهادة الجامعيَّة التي يحملها لم تكن على مستوى طموحه، أم تراه أتى ليقتلَ الفراغ؟، ويلي لو صرت مثله، إنَّه أيضًا يفعل أشياءَ صِبيانيَّة، يختطُّ بقلم أحمر عريض على حائطٍ أو يُمسكُ بسكويت أو جيلاتي بيده، ويخطو به وسط البنات الصَّغيرات والعوانس والمُطلَّقات شاخصًا إليهن، ولا يزال الولد الصّرصار، نعم الصّرصار، يتحرَّك جيئةً وذهابًا مع الفتاة الدَّميمة، نعم إنَّها دميمةٌ، شكلهما لا يدعو إلى غير ذلك، نعم أنا أعشق الجمال، وحقيقة الأمر أنَّهما لا ينتميان إلى أيَّة فصيلةٍ منه، لا، لا، ليست حالتي النَّفسيَّة التي تُحفِّزني لإطلاق هذا الحُكم؛ فأنا في مثل هذه الأمور حِياديٌّ إلى أقصى درجةٍ، ولا أردِّد أيضًا من قَبِيل المجاملة كلامًا مجَّانيًا، هما كذلك، أتراه وهو يشيح بيديه أو حينما تصيخ سمعك لحديثه، وهو يجهر بصوته كأنَّما يملك الحقيقة المطلقة؟. ويلي من هذا الجراد الذي ينتشر حولي، وتلك الكيمياء التي تجمعهما.

تذكرُها الآن ليست لقصة حب نشأت بينكما وانتهت؛ إنَّما لأنَّها فاجأتك ذات يوم باتِّصالها بك، مُعلِّلة ذلك بتعلُّقها بكل ما تراه جميلاً، تذكرُ ممدوح، لم تُفكِّر يومًا في أَلاَّ تراه ثانيةً ، تبكي كلَّما مررت بمكان جمعكما، ويزداد شعورُك بالضَّعف. لم تعُد تقف عند حافَّة النَّهر متصوِّرًا أنَّك تملك العَالَم، لا لا ، لقد صِرتَ بالفعل إنسانًا آخر.

ها هو ذا الرَّجل الذي يجلس على مُقربةٍ منك يُشبه إلى حدٍّ بعيد ممدوح، أكرهتَ نفسَك على التَّبسُّم له كلَّما طلَّ عليك أو راح وجهك إليه، وعبثًا ما تفعل؛ ليس من اليسير مُخادعة نفسك، وأنت قبل شهرٍ أو شهرين، لا قبلَ عام أو عامينِ، وربَّما أكثر من ذلك، ابتسمتَ ساخرًا، حين طالعتَ في الصُّحف أنَّ خارطةَ الطَّريقِ ستُحقِّق إقامة الدَّولة الفسطينيَّة، وستُعيد اللاجئينَ إلى ديارهم. شىءٌ ما يُوغل في صدرِكَ، لا تستطيعُ أن تُخفي آلامك بتعاطي التّرامادول أو البانجو، من قبل هرعتَ إلى البار، وتناولت بضعة أقداح من خمرٍ، جلبتْ إليك فقط اليقظةَ الشَّديدة؛ لتعِيَ كلَّ تفاصيل حياتك بأسنَّة أظفارك، وهيَ تُسطِّر تاريخك على جلدك. ومرَّة أُخرى رسمتَ الانبساط على وجهِكَ، حين لُذتَ بهاشم، وتعاطيتَ معه سيجارةً محشوَّةً؛ لكي لا تُفقدَه نشوتَه بحالته العالية، وتُفسد عليه طقسَه الليليَّ. لا تستطيعُ أن تهرُبَ أبدًا، فقطْ ربُّما يكون بمُستطاعِكَ أن تستأذنَ أو تعتذرَ أو تنسحبَ في هدوءٍ. 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة