الإثنين 8 يوليو 2024

الرئيس والتعليم

فن23-10-2020 | 13:11

مرت الدولة المصرية بمراحل مختلفة خلال السنوات الست الماضية، أول هذه المراحل كان تثبيت أركان الدولة والحفاظ عليها لأن الدولة كانت وقتها معرضة للمخاطر في ظل فوضى ومؤسسات مترهلة وحرب من الإرهابيين على المصريين، فكانت الأولوية في تلك الفترة هي الحفاظ على الدولة المصرية وتثبيتها وإعلان الحرب على الإرهاب ورغم ذلك لم تهمل الدولة في العملية التعليمية بل جعلتها على رأس قائمة اهتماماتها فتم إطلاق بنك المعرفة الذي أطلقته الدولة وهو متاح لكل مواطن.

الرئيس عبد الفتاح السيسي يضع التجربة اليابانية في التعليم نصب عينيه ويتطلع الرئيس إلى اليوم الذي يجيء ويكون فيه التعليم المصري من أفضل أنواع التعليم في العالم بل ويأتي إلينا الدارسين لتلقي العلم من مختلف بلدان العالم لكن الآمال والتطلعات تصطدم بالواقع الذي يقول إن علاج منظومة التعليم فى مصر يبدأ بتطوير المدارس ونحتاج إلى 20 ألف مدرسة جديدة بتكلفة تصل لأكثر من 500 مليار جنيه ، لكن الرئيس لا يعرف المستحيلات وبدأ بالفعل أولى خطوات التطوير وطالب الرئيس المصريين بالتعاون مع الدولة من أجل إنجاح مسار إصلاح التعليم، لأن التعليم موضوع تفاعلي بين الدولة والمجتمع، فالنجاح في هذه القضية لن يكون منفصلا عن المجتمع المصري والشعب المصري الذي لابد على الأقل أن يكون مستعدا للمسار الذي ستشرع الدولة في التحرك تجاهه، ويوافق عليه، وكذلك يساعد الدولة في هذا الأمر.

الرئيس السيسي وخلال جلسة (اسال الرئيس) في ختام جلسات النسخة الثامنة من مؤتمر الشباب المنعقد بمركز المنارة بالقاهرة أشار إلى مجموعة من الأرقام قد تجعلنا نعرف حجم المشكلة، وهي أنه يوجد ما يقرب من 23 مليون طالب في التعليم و50 ألف مدرسة، إلى جانب نحو 1.8 مليون قائم على العملية التعليمية، من بينهم 1.3 مليون مدرس، وأن موازنة التعليم 130 مليار جنيه، منها 100 مليار جنيه مرتبات وأجور للعاملين وباقى المبلغ لأمور التشغيل الأخرى بعيدا عن المنظومة فهناك 23 مليون أسرة، قد يكون بينهم طفلان أو ثلاثة في أسرة واحدة..

لكن الرئيس السيسي لا يعرف المستحيل فالدولة بذلت جهدا كبيرا على المستويين المحلي والدولي من أجل مواصلة مسار إصلاح التعليم وفي الفترة الأخيرة ظهر من الدولة اهتماماً لافتاً بتطوير التعليم في مصر لتنفيذ وخدمة رؤيتها التنموية وجاء ذلك من خلال زيادة المخصصات المالية الموجهة إلى التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار لتصبح مصر الجديدة التي تولي أهمية قصوى لبناء الإنسان المصري صحياً وعلمياً وثقافياً، باعتباره أهم وأغلى ما نمتلكه من ثروات.

وأشار الرئيس بعد إعلانه عام 2019  "عاماً للتعليم" في مصر، باعتباره دليلاً على إيمان الدولة بأن العلم والتعليم هما أساس النهوض بالمجتمع والعمل على تنميته، فالرئيس يستهدف تنشئة العقل المفكر المستنير، المستعد لقبول العلم والمعرفة، الذي يتحلى بمهارات الفهم والتطبيق والتحليل ولهذا يعمل  السيسي على تطوير المنظومة التعليمية لضمان تعليم جيد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمتطلبات المجتمع وسوق العمل المحلي والدولي ويسهم في تخريج أجيال قادرة على الإبداع والمنافسة وأتذكر ما قاله في عيد العلم : "إن الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي والابتكار كان ولا يزال من أهم أولويات الدولة"، ومن هنا جاء الحرص على الالتقاء بالشباب المبتكرين الموهوبين للاستماع إلى أفكارهم ومشكلاتهم وأفضل السبل لدعمهم، وهي الأفكار التي تمت ترجمتها إلى إطلاق مبادرة نحو مجتمع يتعلم ويفكر ويبتكر، ثم إطلاق بنك المعرفة المصري، وإعادة تقليد الاحتفال بعيد العلم في إشارة واضحة إلى أن الدولة تولي العلم والعلماء أهمية قصوى، عن طريق زيادة المخصصات المالية الموجهة إلى التعليم العالي والبحث العلمي.

بدأت الحكومة في إعادة صياغة بنية تشريعية طموحة ومتكاملة ومحفزة للبحث العلمي والابتكار إلى جانب إنشاء الجامعات الجديدة الإقليمية والدولية والخاصة والتكنولوجية لإتاحة فرص تعليمية تليق بأبناءنا، كما دعمت الدولة إنشاء مراكز للتميز العلمي ومكاتب نقل وتوطين التكنولوجيا.

واعتبر السيسي أنه لا خيار سوى الأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا للنهوض بالأمة والانطلاق إلى آفاق المستقبل، وأن الدولة حالياً تنتهج سياسة تأكيد تميز الجامعات الجديدة في برامجها التعليمية ومناهجها الدراسية بما يلائم احتياجات العصرعن طريق تطوير منظومة التعليم العالي وفقاً لمتطلبات التكنولوجيا البازغة ودمج تخصصات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات بمناهج التعليم بالجامعات المصرية، واتساقاً مع أحدث النظم العالمية من حيث المناهج وطرق التدريس وتوفير المعامل والتجهيزات اللازمة ومواكبة التطورات العلمية الحديثة في مجالات التكنولوجيا الناشئة.

الرئيس يرى أن هناك ضرورة في أن يتحول الاقتصاد المصري إلى اقتصاد يقوم على العلم والمعرفة، وأن تنعم مصر بمقدراتها بفضل جهود وإبداعات شبابها وعلمائها وأن السباق الحضاري هو إحدى سمات العالم المعاصر الذي يعتمد على ما تنتجه الشعوب من ثقافة وعلوم تكنولوجيا، وما يرتبط بها وما يقوم عليها من نمو اقتصادي عملاق وأن تحديات العصر الآن هي في الواقع تحديات علمية وتكنولوجية، وهو عصر لا تنافس فيه ولا مشاركة عالمية ولا نفاذ إلى الأسواق الخارجية إلا من خلال العلوم والتكنولوجيا والابتكار.

 مصر تسير وبخطى ثابته وإن كانت بطيئة نحو التنمية والتطوير، وأن ما تم تحقيقه من إنجازات على مختلف الأصعدة والمستويات يدفع للمزيد من البذل والعطاء في سبيل الرقي والتقدم والازدهار بالمجتمع المصري الذي يستحق أن يكون في مكان أفضل ولابد أن نكون على استعداد كامل من أجل التعاون ومساعدة الحكومة لإنجاح تجربة إصلاح منظومة التعليم التي تمت دراستها بشكل جيد وتعمل الدولة على ظهور نتائجها بشكل يرضي المصريين جميعا.

دائما ما يوجه الرئيس السيسي الحكومة أن يتم التركيز على العامل البشري بشكل أساسي، لأنه هو الأساس في أي منظومة، ويستعرض مع الدكتور طارق شوقي وزير التعليم الخطوات التنفيذية الرئيسية لتطبيق النظام المصري الجديد للتعليم بدءًا من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني الإبتدائي، بالإضافة إلى عرض نتائج تجربة نظام التقييم الجديد في كل مرحلة يتم التطبيق بها، إن ما تقوم به مصر حالياً في مجال تطوير التعليم يسير بخطى ثابتة ويحظى بإشادة من المؤسسات الدولية المتخصصة في هذا المجال والمطلوب منا دعم التجربة ومساندتها وبصراحة أن أي نظام يتم تطبيقه سيكون أفضل بكثير من النظام القائم.

ولم يختلف الأمر من المقاومة لكل جديد ومحاربته فهذا حدث مع عميد الأدب العربي "طه حسين" الذي تولى منصبه كوزير "للمعارف" في عام 1950، حتى 27 يناير 1952 وخلال تلك الفترة عمل على بناء منظومة تعليمية صحية وقوية تنافس منظومات التعليم الأوروبية، بل يمكننا القول بأن ملايين المصريين يدينون لطه حسين بمحو الأمية، ومع ذلك تعرض للانتقاد والهجوم عليه بعد تقلده للمنصب فاتهموه بأنه مدح الملك "فاروق"، بل ووصل الأمر إلى حد القول بقيامه بتقبيل يد الملك، بعد أن وافق بصعوبة على تعيينه وزيرًا للمعارف، فيرد على تلك الأقاويل بمقال نشرته مجلة "روزاليوسف" بتاريخ 29 مارس سنة 1954: "أي من المصريين يجهل أني كنت وزيرًا للمعارف في يوم من الأيام، خطبت أمام "فاروق" في مواقف كان لابد أن أخطب فيها، حين وضع حجر الأساس لجامعة الإسكندرية، ومعهد الصحراء، والناس جميعًا يعلمون أن الوزراء ما كانوا ليخطبوا أمام "فاروق" فيعيبوه أو يذموه، ويدلوا على ما كان يتورط فيه من طغيان، وما كان يغترف من آثام".