الأحد 6 اكتوبر 2024

دار الأوبرا تستعيد تألقها

فن25-10-2020 | 12:17

لابد من أن نتوجه بالشكر العميق، والثناء المستطاب، إلى دار الأوبرا المصرية ورئيستها الفنانة المبدعة الدكتورة إيناس عبدالدايم، لنجاحها الباهر فى استعادة دار الأوبرا دورها التنويرى - الثقافى والفنى - من خلال النشاط الحافل المتتابع، الذى ترتج به جنباتها، ويستقطب الألوف من المصريين والعرب والأجانب المقيمين، الذين تمثل الأوبرا وعروضها المتنوعة بالنسبة لهم زاداً روحياً رفيعاً، ومتعة فنية بالغة، وتحليقاً لأبعد من هموم واقعهم وأعبائهم الجسيمة وشواغلهم الضاغطة.

ولقد كانت دار الأوبرا فى طليعة القطاعات الثقافية والفنية التى أصابتها الهجمة الظلامية من وزير لا علاقة له بالثقافة والمثقفين، الذين لفظوه من أول يوم وأبوا أن يعترفوا به وزيراً لهم، وأجبروه على ألا يتاح له دخول مكتبه ليمارس مهامه ولو ليوم واحد.. كان هذا الوزير يحمل مخططاً لتدمير كل مراكز الإشعاع والتنوير فى مصر، وفى مقدمتها دار الأوبرا وهيئة الكتاب وهيئة دار الكتب والوثائق القومية، وكأن ما سوف يشيعه هو وزبانيته - والنظام الذى ينتمى إليه - من ظلام، سيعمى عيون المصريين، ويصرف عقولهم وانتباههم عن الجريمة الكبرى التى يتم تدبيرها فى حق هذا الوطن، الذى ظل يفاخر دائماً بقوته الناعمة المتمثلة فى الفكر والثقافة والفن.

ولقد أتيح لى أن أشهد عن قرب ثورة العاملين فى دار الأوبرا المصرية، والفنانين الكبار الذين سيقدمون عروضهم على المسرح الكبير، والجمهور الحاشد الذى تجمع فى تلك الليلة التى لا تنسى عندما بلغهم جميعاً نبأ إعفاء الدكتورة إيناس عبدالدايم من موقعها فى رئاسة الأوبرا - كنت فى تلك الليلة مدعواً لإقامة أمسية شعرية فى المسرح الصغير الذى احتشد به كثيرون من جمهور الشعر ومن الأصدقاء الشعراء والنقاد والمتابعين من الإعلاميين، وعندما ضجت دار الأوبرا بهتاف واحد يشجب ما حدث، وجدت نفسى أعتذر - لمن تكبدوا مشقة الحضور - عن عدم إقامة الأمسية، مشاركة منا جميعاً فى هذا الموقف الوطني والحضاري، ورفضا لهذه السياسة الطائشة التى استهدفت إطفاء هذا المركز التنويرى الضخم.

وشاء القدر ألا يطول عصر هذا النظام الذى اكتشف المصريون أسوأ ما فيه، وكانت مزايا كشفه وتعريته تفوق بكثير سلبياته وحماقاته وطيشه وبطشه، وعندما عادت الدكتورة إيناس عبدالدايم إلى موقعها فى الأوبرا أخذت أتابع نشاطها وهمتها الفائقة وحماسها القتالى لعودة المكان إلى سالف مجده وأبهته وتألقه.. وتوالت العروض المصرية والعالمية، وصدحت أجمل أصوات العالم وأقواها فى فن الغناء الأوبرالى، وتوالت أجمل العروض فى فن الباليه، وليالى الاحتفال بالموسيقيين المصريين الكبار والمطربين الذين سكنت أعمالهم قلوبنا وأسماعنا.. واتسع نشاط الأوبرا للأجيال الجديدة من الشباب الموهوب، تشجيعاً لهم، وللأصوات الواعدة، إمداداً للوطن بذخيرة لا تنفد من العناصر الشابة والمواهب البازغة والكنوز التى تتكشف يوماً بعد يوم.

وعندما التفتت الدكتورة إيناس عبدالدايم - رئيسة الهيئة العامة للمركز الثقافى القومىدار الأوبرا المصرية، وهذا هو اسم وظيفتها -، إلى الاحتفال بالذكرى الأولى للفنان الراحل عبدالمنعم كامل فارس الباليه المصرى ورئيس دار الأوبرا المصرية السابقبين عامى 2012 - 2004”، بوصفه نموذجاً للفنان المبدع، المفعم بالنشاط، الحالم والشغوف بعمله، وقدمت من آثاره باليهسبارتكوسلآرام خاتشاتوريان - عندما التفتت إلى هذه الذكرى وهذا التكريم كانت تقدم مثالاً للنبل والوفاء والتقدير لمن رحلوا، ولاشك أن حرصها على المشاركة فيما تقدمه دار الأوبرا من عروض - كلما اتسع المجال لهذه المشاركة - دليل على أنالفنانةفيها تسبق فى الأهمية، منصبالرئيسة أو المديرة، وهى بهذا تعلى من قيمة الفن، الباقية والدائمة، فى مواجهة مناصب مهما تبلغ فهى عابرة وزائلة، وهى الآن فى موقعها الفنى الذى يسعدها فتسعدنا، أكثر إدراكاً لعظمة الدور الذى تقوم به فى إثراء وجدان جمهور الأوبرا العريض، ومساعدته على الارتواء من العطش الذى يعيشه ويواجهه، كلما تلفت حوله فوجد نفسه - وهو بعيد عن الأوبرا - محوطاً بالكثير من سلبيات حياتنا الفنية، فى مجالى الموسيقى والغناء، ومتابعة الوصف الذى نطلقه اليوم على هذه الحياة بالتدنى والتراجع، فى مقابل ثراء هذه الحياة وزخمها، يوم كانت مصر تمتلك عافيتها الفنية الكاملة فى السينما والمسرح والموسيقى والغناء، وكانت سماؤها تمتلئ بكواكب وأقمار من المستحيل اجتماعها فى عصر واحد، ونتطلع اليوم فيما حولنا فلا نجد واحداً يماثلهم فى اقتدارهم وتألقهم وتحية لدار الأوبرا المصرية ورئيستها الفنانة المتألقة فى مناسبة الموسم الخامس والخمسين لأوركسترا القاهرة السيمفونى وكل مواسمها القادمة.