الخميس 2 مايو 2024

مصر بتكبر رغم الصعب

أخرى25-10-2020 | 18:04

تعد التجربة البرلمانية المصرية من أثرى التجارب وأقدمها مقارنة بدول العالم فتاريخها يمتد إلى ما يقرب من 200 عام وهو زمن لم يكن فيه أكثر نصف دول العالم موجودا ،من هنا لم يكن مستغربا نزول المصريين وحرصهم على حقهم الانتخابي وسط أجواء من التحديات بدءا من جائحة كورونا وانتهاء بسعي أهل الشر لتشويه المشهد وإفساد أي خطوة يخطوها الشعب المصري نحو مستقبله.

تتجلي عظمة المشهد في خفوت الأصوات النشاز وقطاع الطرق السياسي الذين لم يكن لديهم يوما هم المشاركة وإثبات الوجود بطرق شرعية بذات القدر الذي كانوا فيه حريصين على الطعن في شرعية أي إجراء تتخذه الدولة ليشعر المواطن أن تغيير وضعه للأفضل لن يتأتي أبدا إلا مع وجود تلك التيارات الضالة المضلة ضمن معادلة رسم مساره.

لقد تهاوت الأعذار ولم يعد هناك مجال لكلمة تزوير أو "طبخة" فقد تم سد كل الثغرات التي يتسلل منها سارقو الأحلام وقطاع الطرق المسيسون وباتت عبارة "صوتي مش هيفرق ما هي بتتزور" ضربا من الخيال أو الافتئات بغير الحق فالصناديق شفافة مؤمنة بقفل إلكتروني يحمل رقما يمسح تلقائيا حال العبث به بالإضافة إلى وجود قاض على كل لجنة لذا بات محاولة التزوير في المقرات الانتخابية أسطورة من أساطير الماضي كما باتت قائمة الناخبين متاحة للجميع ولم تعد سرا يخفى على أحد وباتت تنقيتها مسألة آلية لا تخضع لهوى بشري .. لذلك كله بات الصوت الطاعن في شرعية أي إجراء انتخابي في مصر ضعيفا مخزيا .

لقد قدمت الدولة كل إجراء ما من شأنه إعادة الثقة للناخبين بدءا من التأمين خارج اللجان بذلك الجهد العظيم لرجال القوات المسلحة والشرطة الباسلة فلا يجرؤ أحد اليوم أن يمنع ناخبا - تحت لافتة عنصرية أو فئوية أو دينية - عن التعبير عن إرادته ،كما قدمت الدولة أيضا من الضمانات حول سير التصويت داخل اللجان ما يجعل محاولة التزوير والتلاعب بإرادة الناخبين مستحيلة لذا غادرت قنوات الفتنة وأبواق الإرهاب هذه المنطقة وانتقلت إلى نقيصة يعود وجودها إلى سلوك بعضنا مثل محاولة استمالة الناخب خارج اللجان بعدد من المغريات سواء قبلية أو عصبية أو مادية وهو ما يتطلب منا كمواطنين تعديل سلوكنا بالترفع عنه تحت قناعة أننا سنجني ما نحصده إن شغلتنا العصبية أو ألهتنا المجاملة وساعتها فقط تكتمل الصورة وتخرس الألسنة المغرضة ونحصل على مجالس نيابية لا تعرف إلا الأكفاء الواعين لدورهم كنواب للشعب الممتلكين لأدواتهم لرسم خريطة مصر التشريعية لتكون المحصلة في النهاية بالإيجاب على الجميع دولة وشعبا.

من هنا  أدعو وزارة التربية والتعليم أن تضمن مناهجها في المرحلة الإعدادية رسائل تبني داخل كل طالب وطالبة وهم عدة المستقبل أهمية تلك الاستحقاقات وضرورة إبعادها عن الهوي والمجاملة في الاختيار ليدرك كل مصري ومصرية منذ نعومة أظفارهم أن للبرلمان دورين أساسين ينعكسان لا محالة على حياتهم الخاصة وحياة أسرهم وهما إنتاج القوانين التي تجلب له المنفعة وحجب الأخرى التي قد تضره وحفظ إرادته في إقرار الاتفاقات الدولية أو رفضها والتأكيد أيضا على أن البرلمان هو أداته الناجعة في مراقبة الحكومة والتصدي لأي انحراف في مسار دواوينها وإن تحقق ذلك سنتمتع ونفخر بلا شك مستقبلا باستحقاقات أكثر إشراقا ونواب أعمق أثرا ونحن على الطريق لبلوغ ذلك وتحقيقه.

يجب أن يتربي الجميع على أن النائب ليس بلورة سحرية لتحقيق أهداف خاصة وأن صوتي الانتخابي لم يكن ثمنا مدفوعا لخدمة مؤجلة بل هو أداة بناء أشمل وأعم تحقق مصلحة عامة لاشك سيكون تحت لوائها مصلحتي الخاصة دون طلب.

حقيق بكل مصري ومصرية أن يفخر بما تحقق - رغم بعض السلبيات السلوكية لأفراد -على صعيد بناء البرلمان بحجرتيه الشيوخ والنواب.. ومن الآن فإن انتخابات المحليات المقبلة هي ختام يجب أن يؤكد إصرار المصريين على استمرار البحث عن التغيير إلى الأفضل وليدرك الجميع أن الوحدة المحلية في كل قرية أو مدينة هي البرلمان المصغر الأقرب لك ونظارتك لمراقبة أداء الجهاز الإداري للدولة فحسن اختيارنا للممثلينا فيها ليس رفاهية بل هو خطوة مكملة وفارقة في نجاح مسار تأسيس ديمقراطي متكامل الأركان طالما حلم به ودعا إليه الكثيرون.

 وهنا أتذكر كلمات الرئيس السيسي الذي أثبتت الأيام أنه عازم على إحداث نقلة نوعية في جهاز الدولة الإداري الذي أكلته البيروقراطية وأعياه الفساد حيث قال الرئيس معلقا على نقل 60 ألف موظف إلى العاصمة الإدارية "احنا مش بنعزل" والمعنى واضح أننا راغبون في تغيير حقيقي في الأداء ومحو الصورة الذهنية المتراجعة عن الجهاز الإداري وأدائه.. لقد قطعنا الشوط الأطول في طريق بناء دولة مدنية حديثة رغم كل الصعاب والتراكمات وبقى أن نستكمل المتبقي بنفوس مستبشرة تبصر عن قرب خطواتها نحو المستقبل
    Dr.Randa
    Dr.Radwa