الجمعة 17 مايو 2024

مصر وميلاد المسيح

فن25-10-2020 | 21:39

احتضنت مصر العائلة المقدسة منذ اللحظة الأولى ، وتباركت بالسيد المسيح والعذراء مريم، عندما جاءا إلى مصر هاربين من الموت، فعندما اخبر المجوس الملك هيرودس بميلاد ملك عظيم، بعد أن رأوا نجمه في المشرق، ذهبوا باحثين عن الملك، إلى أن وصلوا إلى هيرودس، وسألوه أين المولود ملك اليهود فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له (متى٢: ٢) إذ اضطرب هيرودس الملك وكل أورشليم معه، وإذ أوصى المجوس أن يبحثوا بالتدقيق عن الصبي ومتى وجدوه يخبرونه لكي يذهب ويسجد له أيضًا، ولكن أوحى للمجوس في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس فانصرفوا إلى طريق أخرى لكورتهم... وحينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جدًا فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس.


وإذا ملاك ظهر ليوسف في حلم قائلا" قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه" لكى تتحقق النبوات فى العهد القديم والجديد( فمن نبوة أشعياءالنبى بالعهد القديم) هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر، وبالفعل عندما ذهبت العذراء مريم والسيد المسيح ويوسف النجار إلى صعيد مصر ، تحديدا مدينة القوصية بمحافظة أسيوط ، استمروا لمدة ستة أشهر وعشرة أيام، وبعدها تأسس مذبح كنيسة العذراء الأثرية بالدير المحرق، وفي إنجيل متى من الكتاب المقدس آية أخرى ( من مصر دعوت ابنى) و تؤكد بعض المصادر الكنسية أن العائلة المقدسة أقامت فى مصر إلى أن تلقت الأمر الإلهى بالعودة، واستغرقت أكثر من ثلاث سنوات ونصف, أو ثلاث سنوات وسبعة أشهر، فلا بد أن رحلتها استغرقت بضعة شهور أخرى منذ مغادرة جبل قسقام بصعيد مصر حتى وصلت مسقط رأسهم فى الناصرة, وذلك فى الطريق العكسى الذى سلكته من فلسطين إلى قسقام وراجعة إلى بابليون مصر ومنها إلى الناصرة المدة التى أقامتها العائلة المقدسة فى جبل قسقام ( الدير المحرق الآن ( لذا فكل تلك الرحلة الشاقة والطويلة تؤكد الأهمية البالغة لمصرنا في أحداث قصة ميلاد السيد المسيح، فهناك المئات من النبؤات التي ذكرت مصر تحديدا، وتصل عدد آيات الكتاب المقدس التي تذكر اسم مصر إلى 697 آية، ومنهم 670 آية في العهد القديم و الأسفار القانونية الثانية، و27 آية في العهد الجديد. أنبياء العهد القديم في مصر وكما كان لمصر دور رئيسي في قصة الميلاد العجيب، كان لها دور أيضا وأحداث كثيرة مع أنبياء العهد القديم وعلى سبيل المثال يوسف الصديق المُضطهد من إخوته صار الرجل الثاني بعد فرعون يقدم من مخازنها لكل البلاد المحيطة بها، وذلك بعد أن باعوه إخوته، وإلى مصر جاء أبونا يعقوب وبنوه حيث بدأت نواة شعب الله القديم والأسباط الاثني عشر في داخلها، كما ظهر أول قائد لهم هو موسى العظيم في الأنبياء يسنده أول رئيس كهنة. ومن بين الأنبياء الذين جاءوا إلى مصر إرميا النبي الذي حث الشعب ألا يهربوا إلى مصر فأرغموه على مرافقتهم في رحلتهم إليها (إر 41: 1؛ 43: 7) وقد نطق بنبؤاته الأخيرة في تحفنيس في مصر (إر 43: 8-44). أما مجيء السيد المسيح السماوي إلى أرضنا فقد أقام كنيسته فيها تصطبغ بروح البركة الربانية، حيث جاءت عباداتها وطقوسها وألحانها تحمل نغم الحياة السماوية، ومصر بالفعل بلد الأنبياء، وملجأ ومأوى وحصن ورعاية للجميع ، وهي جغرافيا قلب الشرق الأوسط رغم أنها امتلأت بالعبادة الوثنية حيث أقامت عجل أبيس والقطط والتماسيح والضفادع... آلهة، واستقبلت مصر رب المجد فيها فأقام من قلوب المصريين مقدسًا له، تحولت مصر من كونها أكبر معقل للوثنية إلى أعظم مركز للفكر المسيحي والعبادة الروحية والحياة الإنجيلية في فترة وجيزة، وتلألأ نجم كنيسة مصر بمدرسة الإسكندرية معلمة اللاهوت وتفسير الكتاب المقدس للعالم المسيحي الأول، وقائدة حركة الدفاع عن الإيمان المستقيم على مستوى مسكوني، فعلى كرسي مارمرقس الرسول بدأ التبشير بالمسيحية من الإسكندرية ، وتعتبر إسكندرية هي أول كنيسة وبطريركية، منذ عهد مارمرقس الرسول إلى البابا تواضروس الثالث الجالس على كرسي مارمرقس ، فهو رئيس المدينة العظمى الإسكندرية، ومن مصر انطلقت حركة الرهبنة المسيحية بكل صورها لتسحب قلب الكنيسة إلى البرية.


لماذا الهروب في ميلاد المسيح؟


هناك تساؤل ملح في قصة ميلاد المسيح وهي هروبه من هيرودس الملك ، فكيف يهرب الملك الأعظم من أمام ملك مؤقت، هذا يعد من أهم الدروس الروحية للميلاد، وهي الهروب من الشر فالهروب هنا بمثابة درس للحكمة بل نصف النصرة، والسيد المسيح أراد أن يرينا طريق السلام "ومع مبغضي السلام كنت صاحب سلام" بمعنى أن الإنسان يُفضل السلام عن الحرب التي بلا منفعة، والدليل على هذا السيد المسيح واجه الشيطان في عبادة الأوثان وبدد الأصنام في مصر، ويوسف الصديق هرب من أمام امرأة سيده وانتصر وواجه الشيطان في السجن والآلام التي احتملها، فالهروب ليس عجز بل قوة عظيمة. والسيد المسيح جاء برسالة سلام ومصالحة بين الناس والله وبين الناس وبعضهم البعض وبين الناس وأنفسهم من الداخل، فعندما ظهر الملاك للرعاة، كانوا يرنمون قائلين "المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة" فميلاد المسيح جاء رسالة سلام وحب وخلاص للعالم.


 رسائل الميلاد كان ميلاد السيد المسيح بكل أحداثه يضم الكثير من الرسائل للعالم وللبشرية، فميلاده هو بدايه الخلاص من خطيئة ابونا آدم وأمنا حواء، فرنم الملائكة أنشودة السلام والفرح للبشر بميلاد المخلص، وجاء المسيح فقيرا مولودا في مزود بقر، رغم أنه يملك كل شيء حتى نتعلم التواضع ، كما أعلن عن ميلاده لفئات المجتمع المختلفة، ورأوا الطفل المولود من العذراء مريم وذهبوا متلهفين ساجدين له، وهما المجوس المتخصصين في متابعة حركة النجوم والكواكب والرعاة الساهرين على الرعية، فتلك النماذج المجتمعيه تجمعها روح الترقب والانتظار وهذا تتويج لرسالة الله" فيكون الله ظاهر لمن يريده وينتظره".