تحتفظ مصر بمجموعة نادرة من مقتنيات النبي محمد (عليه أفضل الصلاة والسلام)، محفوظة حاليا بالغرفة النبوية بمسجد الحسين، وهي عبارة عن : مكحلة ، ثوب ، سيف، مصحف يعود إلى عهد الخليفة عثمان بن عفان مكتوب بخط اليد، إلى جانب خصلة أو بعض من شعر رأس الرسول، والعنزة (عصا الرسول).
وعن تاريخ تلك المقتنيات، قال الدكتور محمد عبد اللطيف استاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن الخلفاء العباسيين في مصر كانوا يحتفظون بالآثار النبوية داخل منازلهم المخصصة لهم، حتى جاء عهد الناصر محمد بن قلاوون ، حيث قام تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن حنا ببناء مسجد لها عرف باسم " رباط الآثار"، المعروف حاليا باسم (جامع أثر النبي) بمنطقة مصر القديمة.
وأضاف أن تاج الدين توفى دون أن يكمل بناء هذا المسجد، ليكمل بناءه الفقيه عز الدين بن مسكين، ويتمم بناءه ناصر الدين بن تاج الدين محمد الصاحب.. موضحا أن المقتنيات النبوية ظلت في مسجد (أثر النبي) منذ عام 1307 م في عهد الناصر محمد بن قلاوون حتى عهد قنصوه الغوري والذي نقلها إلى مدرسته بمجموعة الغوري.
وأكد أنه عقب احتلال العثمانيين مصر، أخذ سليم الأول مجموعة من المقتنيات النبوية في مصر عام 1517 م وبقي منها 6 مقتنيات فقط ظلت داخل الغورية حتى نقلت إلى مسجد السيدة زينب، ومنه إلى القلعة عام 1859 م، ومن القلعة إلى قصر عابدين عام 1887 م، لتستقر في عام 1888 م داخل مسجد الحسين حتى اليوم.
وأوضح الدكتور محمد عبد اللطيف عن وجود تلك المقتنيات، داخل غرفة المقتنيات النبوية بمسجد الحسين، مشيرا إلى أن هذا المكان غير مفتوح للزيارة إلا بتصريح من وزير الاوقاف، كما أن تلك المقتنيات النبوية مثبوتة في سجلات عهدة الأوقاف.
وأشار الدكتور عبد اللطيف إلى أنه كان قد تقدم بمقترح، خلال توليه منصبه بوزارة السياحة والآثار ، لنقل تلك المقتنيات النبوية الشريفة لمتحف الفن الإسلامي بباب الخلق بالقاهرة ، أعظم متحف للفنون الإسلامية في العالم ، وتخصيص قاعة لعرضها وتذكرة خاصة بها، مما يوفر لها عنصر حماية أكبر.
وأكد أن نقل تلك المقتنيات النبوية للمتحف سيجعلها عنصرا للجذب السياحي ومصدرا جديدا للدخل، حيث سيقبل عليها الزائرون من جميع أنحاء العالم،قائلا "نحن لسنا أقل من تركيا التي وضعت بعض من هذه المقتنيات حينما اغتصبوها وأخذوها عنوة ونقلوها لديهم بمتحف (طوبقابو سراى) في اسطنبول".
من جانبه، وصف الأثري سامح الزهار المتخصص في الآثار الإسلامية والقبطية، تلك المقتنيات بالغرفة النبوية الشريفة بالحسين ، قائلا "إنها تتضمن أربع شعرات من شعر رأس الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، وهي كستنائية اللون طول الواحدة حوالي 7سم، مثبتة في شمع مع باقي الشعرات داخل اسطوانة معدنية محاطة بصندوق زجاجي ذي قبة وهلال فضي، كما يوجد بالغرفة "العنزة" وهي عصا منسوبة للنبي، و يقال إنها العصا التي كانت في يده الشريفة يوم فتح مكة.
وأشار الى ''مكحلة الرسول'' ، الموجودة بالغرفة النبوية، حيث كان سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) يحب الاكتحال بالإثمد قبل المنام لما روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام في كل عين}، وفي سنن ابن ماجه عن عمر مرفوعا {عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر} .
ولفت الزهار إلى أن تلك المقتنيات المحمدية المذكورة تضمنت أيضا "سيف الرسول"، والمعروف بـ''السيف العضب''، والعضب يعني "الحاد " ، فقبل معركة ''أحد'' أهدى الصحابي سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه للرسول، وأعطاه الرسول إلى أبو دجانة الأنصاري رضي الله عنه، ليعرض قوة وصلابة ومتانة وبراعة ورشاقة وأناقة الإسلام والمسلمين أمام أعداء الله ورسوله.
وأضاف أنه من بين تلك المقتنيات أيضا، جزءا من ثياب النبي وهي عبارة عن قطعة من ثياب الكتان المصري الذي كان قد أرسله المقوقس حاكم مصر إلى سيدنا محمد "صلى الله علي وسلم".
وبالنسبة لـ (مصحف عثمان)، قال الأثري سامح الزهار إن هذا المصحف ظهر في مدرسة القاضي الفاضل الواقعة قرب المشهد الحسيني، ثم نقل إلى القبة التي أنشأها السلطان الغوري تجاه مدرسته وظل محفوظا بها حتى سنة 1275هـ عندما نقل آثار نبوية إلى مسجد السيدة زينب وانتهى المطاف بمصحف مصر إلى المسجد الحسيني سنة 1305 هـ.
وأوضح انه من المحتمل أن يكون هذا المصحف قد استنسخ من أحد المصاحف العثمانية كمصحف الشام أو مصحف الكوفة، مشيرا إلى أن الحجاج بن يوسف الثقفي قد ذكر انه أرسل نسخا من مصحفه إلى الأمصار ومن بينها مصر، وأن ذلك التصرف قد استثار غيرة عبد العزيز بن مروان والي مصر، الذي بادر بنسخ مصحف لمصر ورصد له القراء والمراجعين المتخصصين، بحيث صدر مطابقا للمصحف العثماني وبذلك يكون هذا المصحف أول مصحف رسمي لمصر.
وبين أن هناك رأيا آخر لعلماء الآثار يشير إلى أن خط المصحف يرجع إلى عصر متأخر عن عصر عثمان بن عفان، ويرون أنه على الأغلب ليس هو أحد المصاحف العثمانية بسبب دوران زوايا الأحرف ، حيث أن الخط الكوفي في عصر عثمان كانت زوايا الأحرف فيه أكثر حدة و لذلك يرجحون أنه يعود إلى أواخر القرن الأول أو الثاني.