الأربعاء 15 مايو 2024

في بيتنا رجل سيمفونية في محبة الوطن

فن26-10-2020 | 20:48

"في بيتنا رجل"  فيلم شاهدناه من روائع السينما المصرية،  من تأليف الرائع إحسان عبد القدوس، وبطولة النجوم: عمر الشريف، حسن يوسف، زبيدة ثروت، زهرة العلا، حسين رياض، وآخرين. تدور أحداث الفيلم حول أسرة مصرية تستضيف لديها أحد أبطال الوطنية المصرية "عمر الشريف"، حيث كان صديقا لأحد أبناء الأسرة "حسن يوسف" وتعمل الأسرة على حمايته بإخفائه عن البوليس السياسي الذي يجد في البحث عنه، ويعيش البطل الهارب بين أحضان هذه الأسرة المصرية الصميمة، وتتم معاملته كأحد أبنائها دون أدنى تفرقة، ويعمل الجميع على توفير الراحة التامة له كواحد منهم وليس كضيف عليهم، دونما تذمر أو تأفف، هذا ما شاهدناه من خلال متابعتنا لأحداث الفيلم، وكذلك لأحداث المسلسل الذي يحمل الاسم ذاته.


هذا ما يعرفه الجميع، ولكن الحقيقة التي غابت عنا لسنوات طويلة أن أحداث هذه الرواية حقيقية، وبطلها هو الفنان الراحل محمد حمام، مطرب أغنية "يا بيوت السويس..يا بيوت مدينتي..أستشهد تحتك..وتعيشي انتي"، وتعود أحداث الحكاية إلى ديسمبر عام 1958 عندما نشط النظام في عهد الرئيس جمال عبدالناصر وقام بحملة اعتقالات لليساريين المصريين، وكان على رأس المطلوبين محمد حمام، وعندما قامت قوات البوليس بمداهمة بيته بحي بولاق هرب بسرعة، وقفز إلى سطح البناية المجاورة، ومنها إلى الشارع الخلفي، وبات ليلته في مستوقد الفول بالجيزة، وما إن علم صديقه بكلية الفنون الجميلة الطالب عفت رزق -مسيحي الديانة- بما حدث إلا وقام بالذهاب إليه حاملا معه  ما يحتاج إليه من ملابس وأطعمة، واصطحبه معه إلى بيته بحي الظاهر، وكانت المفاجأة بالنسبة لمحمد حمام أن زميله المسيحي والذي لم يكن منخرطا في العمل السياسي يؤويه في بيته، والأغرب أن والده هو رزق عبدالملك منصور أحد رجال البوليس المصري، وكذلك أخاه عارف كان رقيبا في البوليس حينها، عزيزي القارئ لك أن تعجب وتذهب بك الدهشة كل مكان، ولكنها مصر التي تعيش فينا قبل أن نعيش فيها، وربما يزايلك العجب إذا حالفك الحظ وجلست إلى هذا البطل الوطني الغيور  المهندس عفت رزق، ما إن رأى الدهشة تحتويني إلا وقال لي مبتسما: في زمننا لم يكن هناك فرق بين مسلم ومسيحي، ولكنه الواجب وحب الوطن الذي كان يدفعنا إلى ذلك، فما إن أخذت محمد حمام إلى بيتي بالظاهر، وكان من حسن الحظ أن أبي وأخي لم يكونا في البيت حينها، وأخبرت أمي وأختي اللتين كانتا في البيت، فما كان منهما إلا الترحيب بهذا البطل والزميل الوطني، وتمت معاملته كأحد أفراد الأسرة، وكنا نتناوب الحراسة التامة حيث كانتا تمكثان في الشرفة المطلة على مدخل حي الظاهر من ناحية الفجالة، تحسبا لأي هجوم من قبل رجال البوليس في أي وقت، لتقوما بإبلاغه على الفور ليقفز لأعلى البناية، ومنه لأسطح البنايات المجاورة ومن خلالها يهرب إلى الشوارع الخلفية، وكنت أذهب للكلية صباحا كي لا ألفت الأنظار لأي شيء غير طبيعي، ولأعرف الأخبار وآتي بها لزميلي، ليتحسب لأمره، خاصة أن رجال البوليس كانوا يأتون لكلية الفنون الجميلة للبحث عنه، وعند العودة كنت أقف بدوري في الشرفة للمراقبة، ورغم المسئولية الكبيرة التي كنا نتحملها، خاصة أن أبي وأخي كانا من رجال البوليس المصري، مما يجعل الطامة كبرى على رءوسنا في حال اكتشاف البوليس له عندنا في البيت، رغم كل ذلك كان هدفنا الأسمى هو توفير الحماية والرعاية له كضيف طيلة فترة إقامته معنا...نعم هذه هي مصر ..حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء، وتحية إكبار وتقدير للبطل الراحل محمد حمام، والبطل المهندس عفت رزق عبد الملك منصور.