يعتبر مجـيء السيد المسيح والعائلة المقدسة إلى مصـر مـن أهـم الأحـداث التى جـرت على أرض مصـرنــا الغــالية فـى تاريخهــا الطـويل، فبــروح النبوة نظـر هــوشع النبى السيد المسيح منطلقًا مـن بيت لحـم، حيث لم يكن له اين يسند رأسه فـى كل أورشليم، ليلتجئ إلى أرض مصــر، ويجد له موضعًا فــى قلوب الأمميين، ولهذا قيلت النبوة من مصــر "دعــوت ابنى هو".
الهروب إلى مصر أو رحلة العائلة المقدسة حدث هروب الطفل عيسى ومريم العذراء ويوسف النجار من بيت لحم إلى مصر حسب رواية إنجيل متى، كي لا يلتقون بهيرودس الملك الذي تخوف من أن يزاحمه المسيح في المُلك - إذ أن من صفات المسيح كونه ملكًا، وهو ما سيتحقق في المجيء الثاني وفق المعتقدات المسيحية - فأراد قتله عن طريق المجوس، فحينما فشل، قرر قتل جميع أطفال بيت لحم من دون السنتين، ولكنّ وحيًا كان قد جاء ليوسف في الحلم يخبره بأن يأخذ الطفل وأمّه إلى مصر، فهربا وأقاما بها حتى وفاة هيرودس، قبل أن يعودا إلى الناصرة.
- رحلة العائلة المقدسة في مصر تتضمن حوالي 25 مسارا تمتد لمسافة ٢٠٠٠ كيلومتر من سيناء حتى الصعيد.
- العائلة لم تستقر فى مكان واحد، لذا يوجد العديد من الأديرة والكنائس، وذلك موثق من خلال المصادر الدينية والمخطوطات النادرة فى الأديرة والكنائس، تراوحت الرحلة من أسبوع أو بضعة أيام في بعض المدن، وفي أخرى استقرت شهرا وأطول مدة فى جبل قسقام وامتدت 185 يوما.
كانت هناك ثلاثة طرق يمكن أن يسلكها المسافر من فلسطين إلى مصر فى ذلك الزمان، وتدل المصادر على أن العائلة المقدسة عند دخولها أرض مصر لم تسلك أيا من تلك الطرق الثلاثة القديمة، لكنها سلكت طريقا آخر غير معروف لدى جنود ورجال هيرودس الذين راحوا يطاردونها للنيل من الصبي الذى بكنفها، وهذا السبب أيضا هو الذى جعل العائلة المقدسة تغير مكان إقامتها فى مصر شمالا وجنوباً، وشرقاً وغرباً، ومن قدر الله أن يموت هيرودس قبل أن يتمكن من بلوغ مأربه الخبيث، ويأذن الله بعودة العائلة المقدسة إلى ديارها آمنة مطمئنة، وليفتح العالم صفحته الثانية من صفحات العقائد السماوية الثلاث.
أجمعت كل المصادر الشرقية والغربية أن وسيلة السفر التى حملت السيدة العذراء وابنها الصبي - إلى جانب الحمار ممسكاً - كانت حمارًا، وسار يوسف بمقوده حسب المتبع فى تقاليد الشرق، ولم تكن هذه الصورة غريبة فى الكتاب المقدس، فقد قدمها لنا سفر الخروج واصفًا رجوع موسى النبى من بلاد المديانيين إلى مصر.
"فأخذ موسى امرأته وولديه وأركبهم على الحمير، ورجع إلى أرض مصر وأخذ عصا الله بيده.." (الخروج 4: 20)، وقد صحبتهم أيضاً سالومى القابلة وكانت امرأة كبيرة نوعًا فى السن، جاءت العائلة المقدسة إلى مصر وقت أن كان عمر السيد المسيح (عامين)، وقد مرت العائلة بثلاثة مواقع في شمال سيناء، وثمانية عشر موقعًا في وادي النيل ودلتاه، وزارت وادي النطرون في الصحراء الغربية، وجبل الطير في الصحراء الشرقية، وعبرت المجرى الرئيسي لنهر النيل أربع مرات.
1- رفح: وهى مدينة حدودية منذ أقدم العصور وتبعد عن مدينة العريش للشرق بمسافة 45 كم، وقد تم العثور فى أطلال هذه المدينة على آثار لها صلة بالديانة المسيحية.
2- العريش: وهى مدينة واقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وتم العثور على بقايا من كنائس فى طرقات المدينة.
3- الفرما: موقع أثري في غاية الأهمية وميناء مهم ومركز تجاري مهم، تعتبر الفرما من مراكز الرهبنة، ويزيد من أهمية الفرما أنها كانت المحطة الأخيرة التى حلت بها العائلة المقدسة في سيناء.
4- تل بسطا: من المدن المصرية القديمة، وكانت تسمى مدينة الآلهة، وتل بسطا بجوار مدينة الزقازيق، وقد دخلتها العائلة المقدسة فى 24 بشنس وجلسوا تحت شجرة، وطلب الطفل يسوع أن يشرب فلم يحسن أهلها استقبال العائلة، مما أحزن نفس العذراء، فقام يوسف النجار وأخذ بقطعة من الحديد وضرب بها الأرض بجوار الشجرة، وإذا بالماء ينفجر من ينبوع عذب ارتووا منه جميعا.
الزقازيق: أثناء وجود العائلة المقدسة بتل بسطا مر عليهم شخص يدعى (قلوم) دعاهم إلى منزله، حيث أكرم ضيافتهم، وعند وصولهم لمنزل (قلوم) تأسف للسيدة العذراء مريم لأن زوجته مريضة وتلازم الفراش منذ 3 سنوات وأنها لا تستطيع مقابلتهم والترحاب بهم، هنا قال يسوع لقلوم "الآن امرأتك سارة لن تكون بعد مريضة"، وفى الحال قامت سارة متجهة ناحية الباب مرحبة بالطفل وأمه، وطالبتهما بالبقاء لفترة أطول لأن البركة حلت بمنزلها مع وجود الصبى؛ وسرعان ما صدرت الأوامر إلى العسكر بالبحث عن الصبى فى كل ركن من المدينة، لذا خاف قلوم على الطفل يسوع ونصح السيدة مريم بأن تهرب من المدينة بالليل لقلة نشاط العسكر، وفى المساء استعدت العائلة المقدسة لمغادرة المكان، وشكروا قلوم وزوجته سارة، وبارك الطفل يسوع منزلهما.
6- مسطرد (المحمة) : بعد أن تركت العائلة المقدسة الزقازيق وصلت إلى مكان قِفر، وأقامت فيه تحت شجرة، وكلمة المحمة معناها "مكان الاستحمام"، وسميت البلدة كذلك، لأن العذراء مريم وجدت ينبوع ماء أحمت منه يسوع المسيح، وغسلت ثيابه من ماء هذا الينبوع، وأطلق على هذا المكان "المحمة" إلى يومنا هذا، والكنيسة الحالية المقامة على نفس المكان تسمى باسم كنيسة السيدة العذراء بمسطرد، وقد قام بتكريس الكنيسة البطريرك مرقس الثالث "73 " فى عام 1185م، ولا تزال موجودة إلى الآن تقام بها نهضة روحية بمناسبة عيد تكريس الكنيسة، وذلك فى يوم السابع والثامن من شهر بؤونة الموافق الرابع عشر والخامس عشر من شهر يونيو من كل عام، يحضر مئات الآلاف من الزوار للتبرك والاحتفال بهذه المناسبة، وقد رجعت العائلة المقدسة إلى هذا المكان مرة أخرى فى طريق عودتها إلى الأراضى المقدسة.
7- بلبيس: بعد أن تركت العائلة المقدسة مسطرد وصلت إلى مدينة بلبيس، وحالياً هى مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية، وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى "55كم" .
واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم "شجرة مريم"، وصارت بلبيس أسقفية فيما بعد، ومرت العائلة المقدسة على بلبيس أيضاً فى رجوعها - يوجد حالياً كنيسة بمدينة بلبيس على اسم الشهيد العظيم مار جرجس .
8- سمنود: بعد بلبيس اتجهت العائلة المقدسة شمالا إلى بلدة "منية جناح" التى تعرف الآن باسم "منية سمنود"، ومنها عبروا بطريق البحر إلى سمنود، ويروي تقليد قديم أن البتول مريم قد شاركت فى إعداد خبز لدى سيدة طيبة من سكانها، وبارك الطفل خبزها ويوجد "ماجور" جرانيتى بالكنيسة ينسب إلى هذه القصة، توضع فيه المياه بعد التناول من السر المقدس لكى يكون بركة للزائرين، وبنيت فى سمنود كنيسة قديمة على اسم السيدة العذراء، ثم تهدّمت فبنيت على أنقاضها حاليا كنيسة باسم "السيدة العذراء والشهيد أبانوب" بسمنود، ويوجد مقصورة بكنيسة السيدة العذراء بسمنود تحوى رفات الشهيد أبانوب فى المنطقة التى تحوي رفات ثمانية آلاف شهيد.
9- البرلس: خرجت العائلة المقدسة من سمنود، وواصلت السير غرباً إلى منطقة البرلس، ونزلت فى قرية باسم "شجرة التين"، فلم يستقبلها أهلها جيدا، فسارت حتى وصلت إلى قرية "المطلع"، وهناك استقبلها رجل من أهل القرية وأحضر لهم ما يحتاجونه بفرح عظيم.
10- سخا: وهى مدينة سخا الحالية، وفيها شعرت العائلة المقدسة بالعطش ولم تجد ماء، وكان هناك حجرٌ عبارة عن قاعدة عمود أوقفت العذراء ابنها الحبيب عليه فغاص فى الحجر مشطا قدميه فانطبع أثرهما عليه، ونبع من الحجر ماء ارتويا منه، وكانت المنطقة تعرف بـ "يخا إيسوس"، الذى معناه "كعب يسوع".
11- وادى النطرون: بعد سخا عبرت العائلة المقدسة الفرع الغربى للنيل حتى وصلوا إلى وادى النطرون، وهى برية شيهيت، فبارك الطفل يسوع هذا المكان، وهو الآن يضم أربعة أديرة عامرة وهى: دير القديس أبو مقار، دير الأنبا بيشوى، دير السريان، دير البراموس.
12- المطرية وعين شمس: توجد بمنطقة المطرية شجرة، وعنها يقول العالم الفرنسى "آميلينو" إن اسم المطرية لم يذكر بالسنكسار إلا لسبب تلك الرحلة، وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت هذه الشجرة، وتعرف إلى اليوم بـ"شجرة مريم"، وهناك أنبع الطفل عين ماء وشرب منه وباركه، ثم غسلت فيه السيدة العذراء ملابس يسوع وصبت الماء على الأرض فأنبت نباتا عطريا جميلا يعرف بـ "نبات البلسم"، يضيفونه إلى أنواع العطور والأطياب التى يصنعون منها الميرون المستخدم فى الطقوس الكنسية.
ومن المعروف أن شجرة العذراء مريم الأصلية التى استراحت عندها العائلة المقدسة أدركها الوهن والضعف، فسقطت عام 1656م، وقام بجمع فروعها وأغصانها جماعة من كهنة الآباء الفرنسيسكان، أما الشجرة الموجودة الآن فقد نبتت مكانها من جذور الشجرة الأولى، فهى لا ترجع إلا إلى عام 1672م .
13- الفسطاط: بعد أن وصلت العائلة المقدسة المنطقة المعروفة بـ"بابليون" بمصر القديمة هناك سكنوا المغارة التى توجد الآن بكنيسة أبى سرجة الأثرية المعروفة حالياً باسم "الشهيدين سرجيوس وواخس"، ويبدو أن العائلة المقدسة لم تستطع البقاء فى المنطقة إلا أياماً قليلة، ويوجد بجانب المغارة وداخل الهيكل البحرى للكنيسة بئر ماء قديمة، وهذه المغارة المقدسة عبارة عن كنيسة صغيرة تحت الأرض أسفل منتصف مكان المرتلين وجزء من هيكل الكنيسة، وصولا إلى المغارة المقدسة من ناحيتين بدرجات سلالم أحدهما من صالة الهيكل الجنوبى من الكنيسة، والآخر من وسط الصالة التى فى الهيكل الشمالى، ويبلغ طول المغارة المقدسة حوالى 20 قدماً وعرضها 15 قدماً وليست بها نوافذ، وتنخفض عن أرضية كنيسة أبى سرجة بما لا يقل عن 21 قدماً، كما أن أرضية الكنيسة نفسها تنخفض عن مستوى الشارع بحوالى 13 قدماً.
14- منطقة المعادى: وصلت العائلة المقدسة من منطقة الفسطاط إلى منطقة المعادى الموجودة حالياً ومكثت بها فترة، وتوجد الآن كنيسة على اسم السيدة العذراء مريم بهذه المنطقة .
15- ميت رهينة: وصلت العائلة المقدسة بعد المعادي إلى المكان المعروف بمدينة "منف" وهى الآن "ميت رهينة"، وهى بالقرب من البدرشين محافظة الجيزة، ومنها إلى جنوب الصعيد عن طريق النيل إلى دير الجرنوس بالقرب من مغاغة، وقد أقلعت العائلة المقدسة في مركب شراعي بالنيل متجهة نحو الجنوب (بلاد الصعيد)، من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية، لأن منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة إلى النيل في رحلتها إلى الصعيد ومنها جاء اسم المعادي، ولا يزال السلم الحجري الذي نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجوداً وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.
منطقة البهنسا: وهى من القرى القديمة بالصعيد ويقع بها دير الجرنوس 10 كم غرب أشنين النصارى وبها كنيسة باسم العذراء مريم ويوجد داخل الكنيسة بجوار الحائط الغربى بئرعميقة، يقول التقليد الكنسى إن العائلة المقدسة شربت منها أثناء رحلتها.
17- جبل الطير: من البهنسا سارت العائلة المقدسة ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنها عبرت النيل ناحية الشرق إلى جبل الطير حيث يقع دير العذراء مريم الآن على بعد 2 كم جنوب معدية بنى خالد، ويروي التقليد أنه أثناء سير العائلة المقدسة على شاطئ النيل كادت صخرة كبيرة من الجبل أن تسقط عليهم، ولكن الطفل مد يده ومنع الصخرة من السقوط، فانطبع كفه على الصخرة وصار يعرف باسم (جبل الكف)، كما يوجد بالمنطقة شجرة يطلق عليها اسم "شجرة العابد"، وقد أنشئ لدير العذراء مريم بجبل الطير طريقٌ خاص من طريق مصر أسوان الشرقى الجديد عند مصنع أسمنت سمالوط، ويقع الدير على قمة جبل الطير الملاصق للنيل، وهو من أهم محطات العائلة المقدسة فى مصر بعد كنيسة أبى سرجة ودير المحرق.
18- بلدة الأشمونيين: من جبل الطير عبرت العائلة المقدسة النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية حيث بلدة الأشمونيين، وقد أجرى الطفل يسوع معجزات كثيرة بهذه المنطقة .
19- قرية ديروط الشريف: بعد ارتحال العائلة المقدسة من الأشمونيين، سارت جنوباً الي قرية ديروط الشريف، وأقامت بها عدة أيام، ويوجد بالمنطقة كنيسة على اسم العذراء مريم.
20 ـ القوصية: عندما دخلت العائلة المقدسة القوصية لم يرحب بهم أهل المدينة ترحيبا جيدا، وقد تحطمت هذه المدينة القديمة، وليست هى مدينة القوصية الحالية وإنما هى بلدة بالقرب منها.
21- قرية مير: وبعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من مدينة القوصية سارت لمسافة 8 كم غرب القوصية حتى وصلت إلى قرية مير، وقد أكرم أهل مير العائلة فباركهم الطفل يسوع.
22- جبل قسقام (دير المحرق): اتجهت العائلة المقدسة من قرية مير إلى جبل قسقام وهو يبعد 12 كم غرب القوصية، ويعتبر جبل قسقام "دير المحرق" من أهم المحطات التى استقرت فيها العائلة المقدسة، ويشتهر هذا الدير باسم "دير العذراء مريم"، بسبب تاريخه المجيد، تبوأ مركز الصدارة وشرف الامتياز لأنه كان الموضع المقدس الذى طال مقام العائلة المقدسة فيه أكثر من غيره من الأماكن الأخرى، وهى مدة "ستة أشهر وعشرة أيام"، ولذلك أطلق عليه بيت لحم الثانى، وأصبحت القاعة التى أقامت فيها العائلة المقدسة مدتها هى نفس الهيكل الذى يقام فيه القداسات والصلوات بكنيسة العذراء فى الدير، حيث أجرى فيها رب المجد وهو طفل عجائب ومعجزات وآيات شفائية عديدة، وفى غرب المغارة التى أصبحت كنيسة منقورة فى الصخر بالجبل الغربى، كانت السيدة العذراء تأوى إليها أحياناً، وصار الشعب المسيحى يأتون إلى هذه القبة ويتباركون منها، والدير أساسا اسمه دير العذراء، حيث أقامت العذراء مريم فى القاعة والمغارة التى صارت هيكلا للكنيسة الأثرية فيه، لهذا تعتبر العذراء شفيعة الدير وشفيعة رهبانه ولأهالى المنطقة المحيطة به، فيقدمون النذور باسمها، وتقوم العذراء بفعل الآيات والعجائب مع محبيها، ولهذا أصبح المكان مقدساً، لهذا يطلق عليه القدس الثانى أو جيل الزيتون.
23- جبل درنكة: من جبل قسقام ارتحلت العائلة المقدسة جنوباً إلى أن وصلت إلى جبل أسيوط، حيث يوجد دير درنكة، وبه توجد مغارة قديمة منحوتة فى الجبل أقامت العائلة المقدسة بداخلها، ويعتبر دير درنكة آخر المحطات التي التجأت إليها العائلة المقدسة فى رحلتها فى مصر.
ويعتبر الدير من المعالم السياحية المهمة فى مصر، حيث يقصده الآلاف من الزائرين أجانب ومصريين على مدار السنة ليتعرفوا على المكان الذى انتهت إليه مسيرة العائلة المقدسة. وبدأ دير العذراء بدرنكة نشاطه منذ انتشار المسيحية فى مصر، ولما بدأت حركة الرهبانية فى القرن الرابع قامت بهذه المنطقة أديرة كثيرة للرهبان والراهبات، ومن أشهر الذين عاشوا فى هذه المنطقة القديس الراهب يوحنا الأسيوطى، ويقع دير العذراء بالجبل الغربى لمدينة أسيوط على ارتفاع مائة متر من سطح الأرض الزراعية، ويبعد عن المدينة أسيوط بمسافة 8 كم تقطعها السيارة فى مدة ربع الساعة، وللذهاب إلى الدير يعبر الزائر بالمدينة أسيوط غرباً حتى يرى نفسه فى مواجهة جبل أسيوط، ويتجه جنوباً لمسافة ثلاثة كيلو مترات حيث بلدة درنكة، ومنها يسير لمسافة ثلاثة كيلو مترات أخرى إلى قرية درنكة، ثم يتجه نحو الطريق الصاعد إلى الجبل مسافة كيلو متر، وفى نهايته يصل الزائر إلى أبواب الدير، وتعتبر الغرفة أو المغارة التى سكنتها العائلة المقدسة أول كنيسة فى مصر بل فى العالم كله.
تذكر مصادر كثيرة أن العائلة المقدسة سلكت نفس الطريق السابق فى العودة، حيث نزلت على الشاطئ الغربى عند كنيسة العذراء المعادي، ثم مرت على مصر القديمة، ثم أخذت طريقها إلى المطرية (عين شمس القديمة) ومنها إلى مسطرد (المحمة)، ومن هناك توجهت إلى مدينة (لينتوبوليس) وموقعها حالياً خرائب تل اليهودية قرب شبين القناطر، ومنها توجهت إلى بلبيس، وبسطا، وفاقوس، والفرما، والعريش، ثم إلى غزة ومنها إلى الناصرة.
وتؤكد الحقائق الدينية والتاريخية أن اختيار الله لمصر بأن تكون موطنا ثانيا للسيد المسيح في طفولته، استكمالا لمباركته السابقة واللاحقة لها، فلقد تباركت أرض مصر منذ قديم الزمان بمجىء الرسل والأنبياء والقديسين إليها، ومنهم النبي إدريس، وأبو الأنبياء إبراهيم، ويوسف الصديق، ونبي الله يعقوب ومعه الاثنا عشر سِبطا، وعلى أرضها ولد موسى نبي اليهودية، ثم جاءتها العائلة المقدسة.
بعد ذلك دخل مصر مرقص الرسول عام 43 م، وأسس أول مدرسة لاهوتية مسيحية بالإسكندرية، كما قدمت مصر الرهبنة هدية منها إلى العالم المسيحي، فالرهبنة تقليد مصري أصيل، حيث يعد الأنبا أنطونيوس المصري الجنسية أبو الرهبنة في العالم، الذى ولد عام 251م بقرية قمن العروس بأسيوط، بعدها انتقلت الرهبنة من مصر إلى فلسطين وبلاد ما بين النهرين وسوريا وإيطاليا وفرنسا وآسيا الوسطى واليونان، ثم العالم أجمع.
مشروع إحياء المسار يحمل الكثير من المكاسب التي لا تقدر بثمن، على رأسها تحسين الصورة الذهنية لمصر أمام العالم، المشروع بـ رسالة تأكيد على أمن واستقرار مصر.
الاهتمام بملف رحلة العائلة المقدسة تأخر كثيرا، فبعد أن قام الفاتيكان باعتماد رحلة العائلة المقدسة كمسار للحج المسيحى، وبعد توافد عدد من الحجيج المسيحيين لزيارة المحطات التى تم تجهيزها ضمن مسار الرحلة خلال الفترة الماضية، اعتقد البعض أن الحكومة ستسير فى تنفيذ المشروع بأقصى سرعة حتى يتم الانتهاء منه، إلا أن سير الأمور بمعدلها الطبيعى، وعدم إدراج موقع شجرة مريم ضمن المرحلة التجريبية أوحى أن الأمور لا تأخذ الشكل الجاد الذى كان يحلم به المهتمون بالملف مثل المستثمريين السياحيين.
وتسويق مسار العائلة المقدسة كمزار سياحى مهم، يمكنه أن ينشط السياحة المصرية، خاصة السياحة الدينية، فهذا المشروع المهم والحيوي، يحظى باهتمام أكثر من 2٫3 مليار مسيحى، ومثلهم تقريبا من المسلمين، وهناك ضرورة ملحة للانتهاء منه وتحويله إلى برنامج سياحى متكامل.
لابد من الاستفادة من مسار رحلة العائلة المقدسة بتطوير الطرق التى مرت بها الرحلة، وتجهيز كل المحطات ووسائل الانتقال والاستراحات للسياح من أقطار العالم المختلفة.
إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة فرصة جيدة لإعادة مصر لمكانتها السياحية، وتجهيز الـ25 محطة التى مرت بها العائلة المقدسة أثناء الرحلة، لاستقبال السياح.
السياحة الدينية التى لا تقل أهمية عن السياحة العلاجية أو الشاطئية أو غيرها من أنواع السياحة فى مصر، خاصة أن مصر تمتلك مقومات سياحية دينية واعدة يمكنها اجتذاب ملايين السياح، وإحياء مسار العائلة المقدسة خير دليل على ذلك، فهذا المسار يمكنه اجتذاب ملايين السياح المسيحيين، بالإضافة إلى امتلاك مصر آلاف المزارات السياحية الدينية الإسلامية والمسيحية على السواء، والذى يمكنها وضع مصر فى مكانة متقدمة على خريطة السياحة العالمية.
ولابد من عمل الدعاية اللازمة لمشروع إحياء رحلة العائلة المقدسة، باعتباره مشروعا قوميا رائدا فى مجال السياحة الدينية، ولابد من الترويج له بشكل جيد بما يضمن اجتذاب ملايين السياح المسيحيين حول العلم.
فرص الاستثمار السياحى لا تزال لا تتناسب مع هذه الموارد والمقومات، ومن ثم لابد من الاهتمام بالسياحة والمشروعات الواعدة، مثل مشروع رحلة العائلة المقدسة والترويج له جيدا حتى تعود لمصر مكانتها على خريطة السياحة العالمية.