الخميس 28 نوفمبر 2024

فن

التراث وأهمية المحافظة عليه

  • 26-10-2020 | 21:04

طباعة

الاهتمام بالتراث يتم من أجل تنمية الوعى الثقافى والحضارى وإعطاء الشعور بالانتماء والأصالة، كما أن الآثار المعروضة تعطينا صورا اجتماعية عاشت فى وقت ما ونحن نحافظ على هذه الصور والذكريات من أجل التواصل وعدم قطع الجذور. وقيمة وتتميز مصر الغاليه بأنها وطن متعدد الثقافات والحضارات. 


-وقد تباركت مصر باحتضان العائلة المقدسة - لماذا مصر؟ لأن مصر هى قلب العالم وكلنا يعلم أن القلب هو مصدر الحياة ولا تكون هناك حياة بدون قلب، والمصرى القديم كان يقوم بتحنيط القلب منفردا عن الجسم لأهميته، ويقول الكتاب المقدس يا بنى أعطنى قلبك، وعلى الجانب الآخر مصر هى أقدم بلد فى العالم فعمرها أكثر من 6150 سنة كما أنها صاحبة أقدم وأعظم حضارة عرفتها البشريه – مصر لم تعرف يوما مصطلح صراع الحضارات بل كانت ملتقى الحضارات والفنون - ومن هذه الفنون الفن القبطى محور حديثنا فى هذا اليوم متمثلا فى أحد أهم عناصره وهو فن الأيقونات .


- والأيقونات القبطية التى تزين الكنائس والأديرة كان الهدف منها تكريم هؤلاء القديسين والشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل وصول الإيمان لنا، ومثلا يحتذى لدى الشباب ونحن ننقل لهؤلاء الشهداء والقديسين شعور محبتنا من خلال هذه الوسائط (أى الأيقونات) وهذا يماثل تماما ما نقوم به من الاحتفاظ بصور ورسوم لزعماء الأمة مع صناعة تماثيل لهم فى الميادين.


وإذا كانت تقاد الشموع أمام الأيقونات فهذا تعبير عن بطولاتهم التى أضاءت ظلمات المسكونة، أما استخدام البخور فيرجع علميا أن البخور مادة تتسامى وترتفع لأعلى وهذا يعكس سمو أخلاقهم وعلو أعمالهم، والسجود أمام الأيقونات ليس بغرض العبادة لأن العبادة هى لله وحده ولكن بهدف زيادة التقدير والاحترام مثل السجود أمام الملوك والولاة.


-والأيقونة أيضا لها معان أخرى مثل إنجيل البسطاء ووسيلة إيضاح وعظة مرسومة، أما عدم استخدام الأيقونات فى العهد القديم واقتصار الأمر على عمل تماثيل للشاروبيم والكاروبيم وزخرفة الهيكل، هذا يرجع لأن الشعب العبرانى كان يميل للكلمة اسمع يا موسى اسمع ياإسرائيل، أما الشعب اليونانى فى العهد الجديد كان أكثر نضجا ويميل للصورة انظروا لطيور السماء انظروا لزنابق الحقل، السيد المسيح كان كلمة ورأيناها بأعيننا، السيد المسيح فتح أعين العميان فأصبح الغير مرئى مرئى ومن هنا جاءت فكرة الصورة. 


ولكى نعلم مدى قوة الصورة وتأثيرها نجد الصورة التى التقطها مصور أمريكى أثناء حرب فيتنام لفتاة اسمها كيم عمرها 7 سنوات وجسدها يحترق عام 72، عندما ألقى طيار أمريكى النابلم على قريتها، هذه الصورة هى التى حركت الضمير العالمى وأحرجت أمريكا أمام العالم وكانت من أحد أهم الأسباب لوقف الحرب مع تقديم اعتذار رسمى للعالم وفيتنام، ما فعلته هذه الصورة لم تفعله آلاف المقالات وهذا يوضح مدى قوة وتأثير الصورة وبالتالى قوة وتأثير الأيقونة. 


أما أهم سمات الأيقونة القبطية أنها أيقونة بسيطة مفرحة للرؤية، فالقديس فى وضع الاستشهاد أو الرجم نجده مبتسما لأن فرحه من أجل دخول السماء أكثر من شعوره بالألم، والأيقونات ليس بها مناظر للشيطان وإنما رمز بسيط له لأن الكنيسة لا تفضل وجود الشيطان داخلها حتى وإن كان فى وضع مقهور، وإذا تم رسم القديس بوضع جانبى فيكون الوجه والمنطقة العليا من الصدر فى وضع المواجهة لإعطاء شعور للمصلى بحضور القديس معه، ولم يستخدم الفنان البعد الثالث لأن البعد الثالث متغير والعقيدة ثابتة لذلك لا يفضل استخدام المتغير للتعبير عن الثابت كما لم تستخدم نظرية الظل والنور إيمانا من الفنان أن النور هو الذى ينبعث من هؤلاء الشهداء والقديسين ولا يسقط عليهم -ولم يهتم الفنان فى بعض الأحيان بالنسب حيث كان يهتم بالمعنى الروحى أكثر من المفهوم الشكلى .


والأيقونات مليئة بالكثير من الأسرار والرموز وتحتاج لمجهود كبير من المتخصصين فى دارسة تاريخ الفن لعمل أبحاث لهذه الأسرار الموجودة بها .


ونحن نعلم أن المحافظة على هذا التراث هى نوع من المحافظة على هويتنا، وبالتالى هى واجب وطنى يتطلب تضافر كل الجهود المخلصة مع استخدام أساليب مبتكرة وغير تقليدية داخل منظومة أخلاقية تحميها حرية منضبطة نضمن بها رقى العمل وتطوره- مدركين فيها أن وصفة الأمس للنجاح قد تكون وصفة الغد للفشل. 


ختاما - أنا مع النقد البناء لأن النقد غير البناء يكون مثل العواصف التى تفقد الشجرة الكثير من أوراقها وثمارها، كما أنه عندما نرتدى ثوب النقد تكون لنا أفكارا خاصة مناهضة لمن هو فى وضع المسؤلية وعندما نرتدى ثوب المسؤلية قد نفعل ذات الأفعال التى كنا نناهضها من قبل، وهذا من أهم الأسباب التى تجعلنا فى بعض المواقف ننبهر بضعف بعض الأشخاص أكثر من انبهارنا بقوتهم، ولذلك يجب أن تكون خلافتنا لإثراء المعرفة وليس لإثبات الذات حتى تكون آرائنا مؤثرة، ولا يكون هدفنا كسب مزيد من الأرض بل الأهم هو إصلاحها لأن من يزرع أفضل شجرة من حقه أن يحصد أفضل ثمرة مع تمنياتى بالخير لوطنا الغالى.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة