إن اجتياح وباء كورونا للعالم خلق فوضى لم يشهدها التاريخ عبر سنوات طويلة، وهذا يحتاج من جديد إلى إعادة ترتيب ما خلّفته الفوضى، بل وخلق عالم جديد تتمثل فيه قوى الإنتاج الاقتصادي كعامل رئيس في قيادة المجتمعات، ولا يغفل هذا إلى إعادة ترتيب سلّم الأولويات في الحياة وركيزتها الصحة والأمن، ويبرز السؤال عن دور المثقف من كل ما يحدث؟
أظن أنه على المثقف الدور الأكبر في إعادة إنتاج الوعي المجتمعي بعد انعكاسات (مرحلة كورونا)، وقد يبدأ تسجيل التاريخ ما قبل وما بعد الوباء، كما عهدناه في تسجيله ما قبل الحرب العالمية الأولى أو الثانية وما بعدها، وذلك على سبيل المثال.
وقد أسهمت كتابات عدد من المثقفين في زيادة جرعات الوعي عند الناس في ظل مكافحة وباء عالمي يهدد المجتمعات، كما هو يهدد السلم المجتمعي، إلى جانب الدور الإعلامي الكبير في تحديد أولويات المجتمع، وفي التعريف بمخاطر الوباء وانعكاساته، وتحول وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة إلى أداة طيّعة في يد السلطة السياسية أو الأنظمة السياسية الحاكمة، فأعادت للسلطة الاعتبار والمكانة بعد أن فقدتها في لحظات السلم العالمي، خاصة فيما يتعلق بالشرق، وتحديداً الوطن العربي.
وعودة إلى دور المثقف وما أنتجه على مستوى الرواية والسينما، خاصة أن فن السينما قائم على فن الرواية، وقد قدّمت رؤية جديدة للعالم، ولم يلتفت إليها النقد في غياب استشراف المستقبل، فعلى مستوى الرواية نجد ما كتبه نجيب محفوظ في "ملحمة الحرافيش" من "المآسي التي يخلفها الوباء عندما يتسلل بخبث نحو أحشاء المجتمع" وما مثلته شخصية عاشور الناجي، وأيضاً ما كتبه إبراهيم نصرالله في "حرب الكلب الثانية" من "نزعة التوحش التي تسود المجتمعات والنماذج البشرية واستشراء النزعة المادية بعيدا عن القيم الخلقية والإنسانية فيغدو كل شيء مباحا حتى المتاجرة بمصير الناس وأرواحهم"، وما كتبه أمير تاج السرّ في روايته "إيبولا76" وتتحدث الرواية "عن انتشار مرض الحمى النزيفية الذي يسببه فيروس إيبولا في عشش الكرتون، أحقر حيّ سكني في منطقة أنزارا، جنوب السودان"، وكذلك رواية جوزيه ساراماغو "العمى" وهي قصة "رجل يصاب بالعمى، ولكنّه عمى من نوع مختلف، فالمُصاب به يرى الأشياء باللون الأبيض، ثمّ ما يلبث هذا الداء أن يُصيب اللص الذي سرق سيّارة هذا الرجل، وبعده يُصاب الطّبيب ثمّ المرضى في عيادة الطّبيب، وهكذا يُصاب الجميع بالعمى، إلّا امرأة واحدة لم تُصَب، ولكنّها بعد قليل تصبح تتمنّى أن تُصاب بالعمى لكثرة ما تشاهده من الانحطاط والطغيان وأعمال السرقة والسلب والنهب التي يمارسها الآخرون لكسب لقمة العيش"، ويقدم ألبير كامو رواية "الطاعون" وهي تصور "مشاهد قاتمة مستوحاة من أحداث حقيقيّة لتراكم القمامة وجثث الفئران والجراذين في الشوارع العامّة والبنايات السكنيّة متعددة الطوابق ما تلبث تتسبب بانتشار وبائي للطاعون بين سكان المدينة التي تُخضع عندها لحجر صحي عام فلا يسمح لأحد بالدخول إليها أو الخروج منها"، وأيضاً أشهر الروايات "الحبّ في زمن الكوليرا" للكاتب الكولومبي جابرييل جارثيا ماكيز، وهي رواية تحكي قصة حب أسطورية في زمن تفشي مرض الكوليرا، وأكثر الرواية إثارة وجدلاً، حيث يتوافق الحال مع مقتضاه ما جاءت عليه رواية "عيون الظلام" سنة 1981، والتي تتنبأ بفيروس كورونا، فقد تنبأت رواية (عيون الظلام The Eyes of Darkness) للكاتب الأمريكي (دين كونتز) الصادرة عام 1981، بظهور فيروس كورونا (2019-n CoV) في مدينة ووهان الصينية، حيث تتطابق أحداثها مع الواقع في عام 2020، وتدور أحداث الرواية في مدينة ووهان الصينية، فيسعى العلماء الصينيون إلى تطوير فيروس (Wuhan 400) في مختبرات الحامض النووي المعاد التركيب خارج ووهان، وهو (السلاح المثالي) كسلاح بيولوجي بديلاً عن الحروب التقليدية، سلاح يمتلك القدرة على الفتك بالبشر، فيبقى خارج جسم الإنسان لأكثر من دقيقة، وإن إزالته ومنع انتشاره بين السكان يتطلب عملية باهضة الثمن، وتسعى الأم الأمريكية (كريستينا إيفانز) إحدى شخصيات الرواية في البحث عن ابنها (داني) المفقود في الصين لتعرف مصيره، بعد أن تتلقى رسالة تفيد بأنه ما زال على قيد الحياة، وقد سبق أن تلقت نبأ وفاته في رحلة تخييم، فتنجح الأم في الوصول إلى منشأة عسكرية كان الابن محتجزاً فيها بعد إصابته ببكتيريا تم تطويرها داخل مركز للأبحاث في ووهان، في الوقت نفسه يذهب عالم صيني اسمه (لي تشن) لأمريكا حاملاً قرصاً مرناً لتخزين البيانات، يحتوي على معلومات عن أهم سلاح بيولوجي صيني اسمه (ووهان 400). تشير صحيفة (كيت وايتهيد Kate Whitehead) إلى أنّ النسخة القديمة من الرواية تحمل اسم فايروس (جوركي 400)، وإنّ إنتاج الفيروس الذي يصيب الجهاز التنفسي تم تطويره في معامل أو مختبرات الروس، لكنّ الكاتب قام بتغيير في الرواية بنسختها عام 1989 بعد انتهاء الحرب الباردة، وأفول الاتحاد السوفييتي، ومخاوف الأمريكان من التهديد الصيني، وهي رواية تمزج بين الرعب والفانتازيا والخيال العلمي.
أما على مستوى السينما فقد خلقت أجواءً منزوعة إلى فعل المقاومة الأدمي أو الإنساني في زمن الأمراض والأوبئة، ومنها ما يحكي قصة وباء على غرار (كورونا)، وإن أحداثها تقترب كثيراً من أحداث فيلم (Contagion المرض المعدي)، الذي ينتشر في الصين، وبدأت أعراض هذا المرض تظهر في عدد من الدول العالمية، وتدور أحداث فيلم (الوباء) الذي صدر عام 1995 حول انتشار مرض (موتابا) وقد ظهر المرض في إفريقيا بمنطقة (زائير) وانتقل إلى إحدى القرى الأمريكية نتيجة جلب قرد مصاب بالمرض لإجراء اختبارات عليه، وهنا تبدأ سلسلة الأحداث بمساعدة الجيش الأمريكي لمجموعة علماء في محاصرة المرض واحتوائه.
يسرد فيلم (بعد 28 أسبوعاً) الذي صدر عام 2007، تحول عدد كبير من الناس في بريطانيا إلى وحوش زومبي، بسبب فيروس (الغضب)، وأخذوا يهددون حياة الناجين، مما استدعى تدخل الجيش الأمريكي لعزل الناجين في مساحة صغيرة بعيداً عن وحوش زومبي، التي زحفت إليهم، مما يضطر الجيش الأمريكي لإبادة كاملة للناس والحيوانات في المناطق التي ينتشر فيها الفيروس، والفيلم من إخراج الإسباني خوان كارلوس فيرسناديلو.
يعرض فيلم (أنا الأسطورة) نجاة عَالِم فيروسات من مرض أخذ بالانتشار عالمياً سنة 2012، وهدد سكان إحدى المدن الأمريكية، وقد حوّلهم المرض إلى مسوخ بشرية، ويصرّ هذا العالِم على اكتشاف مصل مضاد لإنقاظ البشرية، فيعتزل الناس في غرفة مظلمة مع كلبته التي تؤنس وحدته، وقد صدر الفيلم عام 2007، أي قبل خمس سنوات من فيروس (إيبولا) الحقيقي في إفريقيا، والفيلم من إخراج فرانسيس لورانس، وبطولة ويل سميث، وهو مقتبس من رواية الكاتب الأمريكي ريتشارد ماثيسون.
يحكي فيلم (الحجر الصحي) الذي صدر عام 2008، عن عزل مجموعة من الناس في بناية معزولة، بعد ظهور وباء يحولهم إلى أشخاص متعطشين إلى الدماء، ويسعون جاهدين للانقضاض على الناجين، والفيلم من إخراج وكتابة الأمريكي جون إريك دوديل، وبطولة الممثلة جينيفر كاربونتر.