ذكرت صحيفة "تشاينا يوث دايلي" الصينية أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنتهجه مصر منذ عام 2016 عزز من قدرة الاقتصاد على مقاومة تأثير وباء "كورونا الجديد" (كوفيد-19) والتعافي سريعا، مؤكدة في الوقت نفسه أن مصر تتمتع بمزايا واضحة تمكنها من أن تقود وتدفع الانتعاش الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها.
واستعرضت الصحيفة –واسعة الانتشار التي تصدر باللغة الصينية في تقرير اليوم الثلاثاء تحت عنوان "لماذا يمكن للاقتصاد المصري أن يأخذ زمام المبادرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" للكاتب "زينغ رونغ" الباحث بمركز الدراسات العربية بجامعة تشجيانغ للدراسات الدولية- المؤشرات الإيجابية التي حققها الاقتصاد المصري خلال فترة الوباء، وتوقعاتها بأن يقود ويدفع الانتعاش الاقتصادي المصري منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الفترة المقبلة.
واستشهد التقرير –في البداية- بما ذكره صندوق النقد الدولي في تقريره المحدث قبل أيام بشأن"التوقعات الاقتصادية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى"، وأن مصر هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي ستحقق نموا إيجابيا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام، بمعدل نمو متوقع تصل نسبته إلى 5ر3%، بالإضافة إلى إدراج الصندوق مصر أيضا كواحدة من أكبر 30 اقتصادا تمثل 83% من الناتج القومي الإجمالي العالمي.
وأشار التقرير إلى أنه منذ تفشي وباء كورونا على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مارس الماضي، تدهور وضع التجارة والسياحة وتدفقات النقد الأجنبي بسبب تدابير الوقاية والسيطرة على الوباء، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 5% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2020 في المنطقة وبعض دول آسيا الوسطى، بما في ذلك مصر، لافتا إلى أن مصر تعد واحدة من ثلاثة اقتصادات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لن تشهد انكماشا بل ستحقق نموا إيجابيا هذا العام رغم وطأة الوباء.
وتعرض التقرير –قبل التطرق إلى الأسباب وراء تحقيق مصر انتعاشة اقتصادية وتأثير الاتجاه المستقبلي للوباء على الاقتصاد المصري- لحالة الوباء في مصر بشكل تفصيلي منذ اندلاعه، مرورا بالسياسات الصارمة للوقاية والمراقبة التي نفذتها مصر بما في ذلك تعزيز إدارة الدخول والخروج، وحظر التجوال، وتقليص ساعات العمل، وتعليق الدراسة بمقار المدارس والجامعات، وإغلاق دور العبادة وأنشطة التجمع الأخرى.
ولفت التقرير إلى أنه في ظل الوقاية والإدارة النشطة من جانب السلطات المصرية، تمت السيطرة على الوباء في مصر تدريجيا منذ يوليو الماضي، وانخفض عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس بشكل ملحوظ منذ أغسطس.
وأضاف التقرير أن مصر بوصفها نموذجا لاقتصاد السوق المفتوح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبطبيعة الحال، تأثر الاقتصاد المصري جراء الوباء.. فمع انتشار الوباء في جميع أنحاء العالم، انخفضت الأنشطة الاقتصادية والتجارية بين مصر والعديد من الدول بشكل كبير.. وفي ظل الضغوط الداخلية والخارجية، تأثرت الركائز الأربع للاقتصاد المصري (النفط والسياحة وقناة السويس والتحويلات المالية من الخارج).
وتابع التقرير أن الوباء أدى إلى انكماش كامل في التجارة العالمية في السلع والخدمات، وكان التأثير الأكبر والأكثر مباشرة في صناعة السياحة.. وتمثل قيمة صناعة الخدمات في مصر المرتبطة بالسياحة حوالي 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وبسبب الإجراءات العالمية مثل "الحفاظ على التباعد الاجتماعي" وإغلاق الحدود، عانت صناعة السياحة في مصر من خسائر كبيرة، مشيرا إلى أن البيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للسياحة في مارس الماضي قدرت أن مصر ستخسر في الأشهر العشرة التالية لشهر مارس (الماضي) ما لا يقل عن مليار دولار من عائدات السياحة الشهرية.
وواصل التقرير أن تباطؤ سوق النفط الخام الدولي والعراقيل أمام اتفاقية خفض الإنتاج لمنظمة أوبك أدى إلى انخفاض أسعار النفط العالمية، كما انخفضت أسعار الغاز الطبيعي، وهو ما انعكس على عائدات تصدير الغاز الطبيعي في مصر. كما أدى الانخفاض في أسعار الطاقة الدولية أيضا إلى انخفاض كبير في تحويلات المصريين في الخارج من العاملين في دول الخليج المنتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ولفت التقرير إلى أن خطة الحكومة المصرية لاستئناف الحياة الطبيعية -والمتمثلة في إعلان إنهاء حظر التجول واستئناف العمل والإنتاج تدريجيا بالتوازي مع استثمار الكثير من الموارد المالية لمكافحة الوباء وحماية أرواح الناس، حيث خصصت الحكومة المصرية 100 مليار جنيه (حوالي 25ر6 مليار دولار) لمكافحة الفيروس- كان لها مردود إيجابي على الاقتصاد والوضع العام.
ونوه التقرير إلى أن الإجراءات تضمنت خفض أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء للاستخدام الصناعي، ودعم كل من الصادرات وقطاعي السياحة والعقارات من خلال خطط تمويل بنكية وغيرها، بالإضافة إلى المساعدات الطارئة لمئات الآلاف من العاملين، وإعفاء أكثر من مليون طالب يواجهون صعوبات هذا العام من الرسوم الدراسية.
وذكر التقرير –خلال استعراضه أسباب التعافي الاقتصادي- أن الحكومة المصرية قررت أيضا استئناف الرحلات الجوية الدولية بعد 3 أشهر من تعليقها، وإعادة تشغيل السياحة الركيزة المهمة للاقتصاد المصري، ما أسهم في إحياء صناعة السياحة تدريجيا. كما اتخذت الحكومة إجراءات لتعزيز الصادرات الزراعية خلال فترة الوباء، حيث فتحت مصر سبعة أسواق تصدير جديدة لمنتجات الفاكهة والخضروات، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا وموريشيوس وإندونيسيا ودول أخرى، مستشهدا بتصريح الدكتور أحمد العطار رئيس الإدارة المركزيةللحجر الزراعي بأن فتح أسواق جديدة، وتنفيذ أنظمة تصدير جديدة، وتشديد معايير الجودة ومتطلبات الحجر الصحي أدى إلى زيادة كبيرة في حجم الصادرات من المنتجات الزراعية المصرية مقارنة بالعام الماضي، حيث زاد هذا العام حجم صادرات العنب والثوم والفراولة والفول بشكل ملحوظ بنسبة تتراوح بين 10 إلى 30%.
وأشار التقرير إلى أنه في إطار التعاون الدولي، تعاونت مصر بنشاط مع منظمات ومؤسسات دولية مثل منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي والبنك الإسلامي وغيرهم، إضافة إلى دول كالصين التي قدمت لمصر أحدث خطة لتشخيص وعلاج كوفيد-19 وإجراءات الوقاية والسيطرة ذات الصلة، وإنشاء خط لإنتاج أقنعة الوجه بالتعاون بين الجانبين، مع التعاون في التجارب السريرية للقاحات المطورة في الصين، لافتا إلى أنه من حيث التعاون الاقتصادي، وباعتبارها نقطة رئيسية في بناء "الحزام والطريق"، فخلال النصف الأول من هذا العام، جذبت منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري (تيدا السويس) 85 شركة، مع مبيعات إجمالية بلغت 7ر1 مليار دولار فضلا عن توظيف أكثر من 4000 شخص بشكل مباشر في مصر.
وأشاد التقرير بخطة الإصلاح الاقتصادي المصري، قائلا: إنها عززت من قدرة مصر على مقاومة تأثير الوباء، وأن قدرة الاقتصاد على التعافي بسرعة نسبية تعود إلى سلسلة الإجراءات التي نفذتها الحكومة منذ عام 2016، حيث في مواجهة النمو الاقتصادي البطيء وزيادة الدين العام وتدهور ميزان المدفوعات والنقص الحاد في النقد الأجنبي، نفذت الحكومة المصرية العديد من الإجراءات والتدابير الجديدة لتحفيز النمو الاقتصادي، بما في ذلك إصدار "رؤية مصر 2030"، وتوقيع اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، وتحقيق الاستقرار في السوق المالي، وتنفيذ إصلاحات ضريبية، وخفض دعم الأسعار، وإطلاق عدد من المشاريع الإنشائية الكبيرة لتحفيز الطلب المحلي، ما أسهم بشكل كبير في تعزيز قدرة مصر على تحمل تأثير الوباء.
وأبدى التقرير تفاؤله إزاء مزيد من التحسن للاقتصاد المصري، مستشهدا برأي بعض المحللين الذين يرون أن الاقتصاد المصري سيستمر في التحسن في حقبة ما بعد الوباء، حيث سيمثل –في رأيهم- الطلب الأوروبي على الصناعات الخفيفة والمنتجات الزراعية فرصا للتنمية بالنسبة للشركات المصرية.
وأضاف التقرير أنه بالنظر إلى سكان مصر الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما والذين يمثلون نحو 50% من إجمالي السكان، ومقارنة بالدول التي بها عدد كبير نسبيا من كبار السن، يمكن لمصر التعافي من الوباء بشكل أسرع. وبمجرد أن يتحسن الوضع الوبائي العالمي، فإن الجزء المتعلق بالتحويلات المالية الخارجية الذي يعتبر مهما لمصر سوف يسهم مرة أخرى في النمو.
وتوقع التقرير –المنشور في الصحيفة الصينية- أن يسهم الوباء بشكل موضوعي في تقليص تواتر وشدة الصراعات في المنطقة، ما سيعزز أيضا فرص التعاون بين دول المنطقة، مشيرا إلى أن مصر تتمتع بمزايا واضحة من حيث الموقع الجغرافي والهيكل الديموغرافي، وهو ما سيؤدي إلى انتعاش اقتصادها، وبالتالي دفع الانتعاش الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها.
ونبه التقرير إلى أن حقيقة أن الاقتصاد المصري أخذ زمام المبادرة في الانتعاشة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يعني أنه يمكنه الاسترخاء، حيث يرى خبراء اقتصاديون أن الوباء في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك أوروبا والأمريكتين، أصبح أكثر خطورة مرة أخرى، ما يجعل الاقتصاد المصري الذي أظهر بوادر انتعاشة ربما يواجه صدمة أخرى، ويجب على الحكومة حينذاك اتخاذ الإجراءات الضرورية في أسرع وقت ممكن، مثمنا بدء الحكومة المصرية في تنفيذ حزمة متكاملة من الإصلاحات الهيكلية لتشجيع تطوير التصنيع المحلي، وزيادة الاستثمار وفرص العمل والطاقة الإنتاجية، وتوسيع قاعدة التصدير إلى جانب تعزيز الاستثمار في الصناعات المبتكرة.