إن جائحة كورونا غيرت العالم وبدلت أولويات
شعوبها، ولعل هذه الكارثة تؤدي بنا إلى نشر التوعية وثقافة المسؤلية الاجتماعية
وأن نعي أننا كنا في واد قبل كورونا وأصبحنا في واد آخر بعده يحتم علينا النظر
للمستقبل بجدية، لأن في الكوارث تنكشف النفوس وتضطرب الحقائق، ولا يعرف أحد هذه
الجائحة إلا الله.
إن حكمة الإنصات للعقل واجبة وامتحان جائحة
كورونا علمتنا أننا واقعون في تراكمات ليس من السهل تصحيحها وأن علينا بالتروي كي
لا نعيد التاريخ كما كان فالعالم بعد فيروس كورونا غير العالم قبله، وربما لن يكون
آخر الكوارث، وربما تكرر مرة أخرى والتأثيرات المحتملة لهذا الفيروس على النظام بل
الأنظمة المحلية والعربية والأجنبية وعلى النظام العالمي لإدارة الازمة ولبناء
المستقبل، أما الفشل فيمكن أن يدمر الكون ويحرقه إضافة للاضطرابات السياسية
والاقتصادية التي ستستمر بعدها.
والتحدي التاريخي أمام قادة الدول والعالم لإدارة
الأزمة وبناء المستقبل.
إنها صاعقة حلَت بالعالم قاطبة ولونت الحياة
برداء أسود، وباء فتاك لا يرحم سبَب الكوارث والخسائر الفادحة على كل الأصعدة
البشرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى غفلة منا ومن الزمن هجم علينا.
وأصبحت مدننا مدن أشباح وصمت القبور، وبرغم كل
التقدم العلمي الباهر على مستوى العالم لم يستطع أحد الوصول إلى حلول ناجحة باتة،
وبات العالم في حالة استنفار للوصول إلى علاج لمقاومة هذا الفتًاك الجائح في هذا
القرن.
إن الفيروس لا يستهدف شخصا بل الجميع بشكل
عشوائي ومدمر، لقد بلغت إصابات الفيروس مستوى غير مسبوق من الشراسة والعنف
والخسائر، وتعطلت الحريات ولاذ كل العالم للعزلة وتوقف التعليم والدراسة، والأعمال
خشية شراسة هذا الجديد الغادر، فلا تجمعات ولا أفراح ولا اختلاط، كائن مجهري أم
غاز سارين أم هجوم كيميائي أم مؤامرة هذه الجائحة، كيف تكون و من أين جاءت لا أحد
يدري غير التكهنات، و الاجتهادات و قراءة المستقبل الغامض للبشرية و للعالم الذي
تغير و هو ينزف الأموال بتدفق للوصول للحلول لمجابهة فيروس كورونا.
لقد قدمت الصين درسا للعالم في كيفية التعامل مع هذا الوباء بأفضل الطرق رغم كثافة
سكانها، و فرض التعامل بجدية احترازية و بخطوات مدروسة أدت بالفعل لتراجع أضرار
هذا الوباء و اكتساحه و من خلال التعامل الدقيق مع القادمين إليها من الخارج عبر
الحجر الصحي الإلزامي بمدته الأربعة عشر يوما، إجراءات وقائية حديدية مع الأخذ
بالتوزيع الجغرافي و المكاني للمجموعات حتى عادت نسبيا الحياة إلى سابق عهدها و
ذلك بالوعي لهذه الكارثة / الابتلاء الذي ينير الطريق للمعرفة باليقين و فتح آفاق
واسعة للإدراك و التفكير بقوة و ضد الضعف البشري لخلاص المجتمعات في العالم قاطبة،
مؤمنين بالخالق و بكرمه و لطفه في المساندة لبقاء الجنس البشري و استمراره و تدفق
الحياه، و هذا لا يتأتى إلا بضبط النفس المهم في السياسات الداخلية و الخارجية و
تعزيز الكرامة الإنسانية، وبالمعرفة لأن الله خلق الإنسان بالعقل الذي فضله عن
الكثير من المخلوقات الأخرى، فكان هذا المخلوق / الإنسان قوة جبارة وخلقا عظيما
بعقله وتفعيله في تحقيق المعجزات حتى نصل إلى الشفاء والسلام بالفكر وبإعمال العقل
للوصول إلى المجهول، إلى كورونا ولغزه لأن صحتنا وصحة أبنائنا وسلامة عيشنا ترتكز
على وعينا بمكافحة هذا الآثم الغدار / كورونا، ونضالنا بكل ما نستطيع لنتغلب عليه
بجهود الجميع لحتمية الوصول إلى سلاح يواجه هذا الوباء القاتل المحير الذي تناولوه
بالأفلام العالمية وأفلام الخيال العلمي والكرتون لتحويل الزمن إلى عصر الآلة عوضا
عن الإنسان.
لقد احتكرونا بالمنازل لأننا لا نفهم الآلة ولا
نخرج من منازلنا حتى نرى العالم حولنا كيف يدور، ونتعلم من هذا الزمن الذي نعيشه
ونفكر ونحلل للقادم من الأيام ثم التداعيات السياسية لهذا الوباء على مستوى العالم
الغربي والعربي، المسيحي والمسلم وخوفي من الدواعش وفرصتها في اغتنام واستثمار هذا
الوضع في انشغال العالم كله بجائحة كورونا وتداعياتها الصحية والاقتصادية وهل ستجد
داعش فرصتها لاستعادة نشاطها واحتسابه ربيعا عالميا والاشتغال عليه إعلاميا.
ويظل السؤال هل سيقف العلم عاجزا عن إيجاد حل
علمي؟ وهل ستتضافر الجهود الدولية لمستجدات الأوضاع الراهنة جراء تفشي هذا الوباء
حول العالم، وسبل تعزيز التعاون المشترك تجاه تداعياته والحد من انتشاره مجددا بتضافر
الجهود الدولية وتسخير كل إمكانات الأمم وفعالياتها لأجل احتواء هذا الوباء وإنقاذ
البشرية من تداعياته والاستعجال في إيجاد الطعوم.
ووقوف العالم أمام التهديدات العامة التي تهدد
مستقبل البشرية من خلال التنسيق والتعاون الجاد بين الحكومات والمؤسسات متعددة الأطراف،
فكلنا اليوم في سفينة واحدة الغني والفقير، العمالات الوافدة وأصحاب القصور والأبراج،
الشعوب المسكينة والشعوب المستكينة، الدول الخمس الكبرى والدول الصغرى، لقد جدد
هذا الخبيث معرفتنا بأن العالم قرية صغيرة واحدة، هذا المخلوق متناهي في الصغر
ولكنه استطاع غزو العالم كله بمختلف ثقافاته وألوانه ولغاته وجغرافيته في أيام
قليلة، بل قادر على إنهاء حياة الكرة الأرضة إن لم تتم السيطرة عليه.
دروس وعبر كثيرة تعلمناها من هذا الضئيل الحجم
كبير النتائج "كورونا".
استوعبنا من جديد لمفهوم المؤسسة الصغيرة / الأسرة
وأهمية ترابطها ودفء العلاقة بين أفرادها ودور الأم / عامود الأسرة في الحضانة والاحتضان
للأسرة.
وتعلمنا من الظلم الذي واجتهه العمالة بسبب جشع
(تجار الإقامات) أن لا فرق بين كبير وصغير، ومقيم ومواطن، ولاجئ، وغني وفقير.
وتعلمنا أن ذوي المناصب وذوي المهن المتواضعة
سواسية في (خليك بالبيت).
وتعلمنا العودة والتضرع إلى الكبير في السماوات
العليا الذي لا مستعان بعده.
وتعلمنا التراحم والمحبة والتضامن والتكاتف ومد
يد العون لبعضنا أمام الغزو الجرثومي.
وتعلمنا أن الدنيا دولاب يوم لك ويوم عليك،
فانظر دائما إلى الخالق الجبار بالشكر على نعمه مؤمنين دائما أننا الضعفاء وهو
القوي القادر.
وتعلمنا أن الكوراث لا تفرق بين السيد والعبد
ولا العربي عن الأجنبي ولا دول العالم الأول عن دول العالم الثالث.
وعلمتنا نحن المبدعين أن حاجتنا أكثر لرسالة
الفن والثقافة والأدب بعد أن تعطلت سبلها وجفت منابعها وكادت أن تغيب.
وتعلمنا أن الحكومات مهما حاولت بث الفساد وطمث
الحقائق والظلم وماهية الأمور، وبث الطبقية والمذهبية والفوقية، ووضع الدولة في
قبضة من حديد فلن تستطيع أن تجذب وأن تحجب الشمس عن الشعوب والصمود في مواجهة
الرأي العام المحلي والعربي والعالمي، فشكرا كورونا وارحل.