الخميس 28 نوفمبر 2024

فن

قيم حــرب أكتوبــر ورسائلهـــا إلى المستقبـل

  • 27-10-2020 | 21:12

طباعة

حـرب أكتوبـر .. حرب فـريدة فى خصائصها وقيمهـا .. وتأتي عظمة هذه الحرب بما بنيت عليه من قيـم العطاء والإيثـار والحب لمصر من أبنائها .. مع الاستعداد للتضحيـة من أجلها بالروح والدم ..  وبما أفرزته من دروس مستفادة؛ سواء على المستـوى العسكري (بمستوياتـه المختلفة) أو المستوى القومي (بأبعـاده المتعددة) .. حيث اعتبرت حرب أكتوبـر بالنسبة لمصر هي منظومة العطاء المخلص لاستعادة الأرض والكرامة المصرية والعربية..... كما اعتبرت للعالم بداية التطـور فى كل المجـالات العسكريـة بما أرسلته من رسائل للمستقبل فى المجـال العسكرى الذي أخذت تتبلور وتتفـاعل مع ثورة المعلومات والاتصالات والكمبيوتر حتى أفرزت التطور الذى شاهدناه حديثـاً فى وسائل وأساليب حرب المعلومات .. بل وأصبح الصراع ليس بعـيداً عن الفضاء الذى أصبح امتداداً لمسرح العمليـات فى الصراع المستقبلى.

 

أما رسائلهـا على المستوى القومي، فهي أيضاً عظيمة في مدلولهـا لأنها تتصل بالإنسان .. القائد .. المقاتل.. الذي يقف خلف السلاح والمعدة وبالشعب الذى يدير عجلة الإنتاج ليعظم بإرادته وعزيمته القومية ميزان قوى الدولة الشاملة ويفعلها والذى بإرادته وصلابته فى الجبهة الداخلية ووعيه وانتمائـه ووطنيته جعل المستحيل ممكناً... ومن هنـا كانت عظمـة حـرب أكتوبـر سواء فى قيمهـا أو فيما أفرزته من رسائـل للمستقبـل.

 

رسائل حرب أكتوبر للمستقبل (عسكرياً)

كان لوضوح الموقف والتوجه المصرى لتحرير الأرض وكفاءة الإعداد والتحضير والأداء أثره فى فعالية رسائلها للمستقبل عسكرياً .. استفادت منها العسكرية العالمية والتى شملت الآتي:

القيادة والسيطرة وحرب المعلومات:

  من الجوانب المهمة في حرب أكتوبر أنها كشفت عن مستوى التعقيد والصعوبة في القيادة والسيطرة على القوات في معركة الأسلحة المشتركة، حيث تتطلب خطة المعركة تنسيقاً محكماً دقيقاً بين عناصر الأسلحة المشتركة، سواء قوات (برية – جوية – دفاع جوي).. ولقد كانت التجربة الرائدة المصرية في التنسيق بين هذه العناصر وراء تبلور فكرة (القيادة والسيطرة والاتصال) في معركة الأسلحة المشتركة الحديثة، والذي تحول فيما بعد في الثمانينيات بفضل التطوير التكنولوجي إلى منظومة إدارة المعركة تستخدم فيها نظم المعلومات حتى أصبحت تتيح للقائد الآن أن يعمل وأن يعلم في الزمن الحقيقي لأحداث المعركة وليس متأخراً عنه ومن هنا فرضت حرب المعلومات نفسها في مفهومها الحديث بفضل حرب أكتوبر.

 

حائط الصواريخ والدفاع الجوي القوي: الذي عبر عنه وزير الدفاع ديان: (إن المصريين لديهم أقوى منظومة صواريخ في العالم.. وليس لها مثيل)

تطوير الدبابات وأسلحتها المضادة:

  تميزت حرب أكتوبر بمعارك الدبابات الكبرى.. وظهر لأول مرة الصراع الكبير بين الدبابة والصاروخ، لذلك نشطت التكنولوجيا العسكرية في العالم للعمل على زيادة فاعلية الدبابة ضد الخطر الجديد – مع تطوير الصواريخ لإعطائها إمكانيات أفضل سواء في المسافة، الدقة، والقدرة على اختراق الدروع – مع تطوير دروع الدبابات التي انعكس عليها التطوير الكبير في المواد الجديدة المصنعة منه والمستشعرات فائقة الحساسيـة – والمواصلات الكهروبصرية ... مع التقدم الكبير في أجهزة الرؤيـة الليلية والليزر.

التطور الكبيـر في الطائرات والصواريخ المضادة:

   لقد تمكنت القوات المسلحة المصرية من تشكيل أول منظومة صاروخية متكاملة للدفاع الجوي على مستوى العالم، حيث تمكنت بواسطتها من تأمين مرحلة العبور وبناء رؤوس الكباري شرق القناة ووضعت لها أساليب قتال.. وتكتيكات اشتباك.. أصبحت مرجعاً في الصراع بين الصاروخ والطائرة.. وقد أحدث هذا التطور قفزة نوعية هائلة في كفاءة التصدي للطائرات المهاجمة من خلال منظومة الإنذار المبكر والكشف عن الأهداف وإدارة النيران.

 

انقلاب في مفاهيم المعركة البحرية:

  وقد جاء ذلك نتيجـة تدمير المدمرة إيـلات بصواريخ بحـرية، مما أدى إلى تغيير في الفكر البحري بإلغاء المدمرات والاعتماد على الوحـدات الصغيرة المسلحة تسليحـاً مناسبـاً.

 

استخدام بُعد الفضاء لخدمة الأهداف العسكرية:

   لقد كان لحرب أكتوبر أكثر من رسالة بالنسبة للمستقبل، حيث استخدمت الأقمار الصناعية في توفير الإمكانيات الاستطلاعية.. ومن هنا ظهرت أهمية استخدام بُعد الفضاء لخدمة الأهداف العسكرية.. وإذا كان دوره في حرب أكتوبر اقتصر على الاستطلاع الاستراتيجي بواسطة القوى العظمى.. فإن دوره سوف يمتد فيما بعد ليشمل جميع المجالات الأخرى للحرب .. سواء اكتشاف الأهداف - الاشتباك معها - القيادة والسيطرة ودقة التوجيه للأسلحة والصواريخ على أهدافها، وتحديد الإحداثيات والأهـداف، دقة وصول القذائف على أهدافها، كما أضيف مفهوم السيطرة الفضائيـة إلى المفاهيم الأخرى وأصبح دور الأقمار الصناعية يتزايد يوماً بعد يوم.. لذلك فإن ما تستخلصـه من ذلك امتلاك إسرائيل للإمكانيـات الفضائية يحتـم علينا الأخذ بأسباب التـأمين والتطوير والتوازن في هذا المجال.

 

 رسائل حرب أكتوبر للمستقبل (قومياً)

كما كان لمنظومة أداء الشعب المصرى التى اتسمت بالوطنيـة والعمل الجماعي وروح الفريق والانتماء أثرها على رسائل أكتوبـر للمستقبل على المستوى القومى والتى أبرزهـا الآتى:

 

تطبيق منظومة إعداد الدولة للدفاع

في أعقاب النتائج المجحفة لمعركة يونيو 67 أخذت مصر بمنظومة إعداد الدولة للدفاع الذي شمل إعداد القوات المسلحة – إعداد مسرح الحرب وأراضي الدولة – إعداد الشعب وأجهزة الدولة مع الإعداد السياسي والاقتصادي والعسكري في منظومة عمل متناسقة أدت إلى نجاح الدولة في حشد إمكاناتها مع تنفيذ أعمال قتال ناجحة حققت الانتصار في حرب أكتوبر 73.

تقوية الانتماء الوطني هي ركيزة العمل لبناء مستقبل مصر والحفاظ على تاريخها.

  إن إعداد الشعب والجبهة الداخلية للحرب بالتركيز على التغلب على نقاط الضعـف واليأس الذي صاحب الإحساس بنتائج حرب 67 أدى إلى تفجير طاقـات المواطنين فى كل مجال فى تكاتف كبير وبإحساس عميق بالمسئولية الوطنية تجاه الوطن وأصبحـت (مصر قبل كل شيء ... ومصر أولاً) إحساسا عميقا يعيش فى وجدان الشعب المصري ولذلك كانت قوة الجبهة الداخلية المبنية على الانتماء الأصيل للوطن هى ركيزة الدعم لإعادة بناء القوات المسلحة وتفجير طاقات الشعب فى كل المجالات بما أدى إلى أن أصبح المستحيل ممكناً.

 

أهمية حشد الجهود الوطنية لبناء التنمية الشاملة لمصر مع ملاحقة التطور العالمي.

   خلال الإعداد لحرب أكتوبر ركزت الدولة جهودها لإعادة بناء القوات المسلحة وإزالة آثار العدوان وبتحقيق نصر أكتوبر العظيم واستعادة كل الأراضي المصرية سواء بالحرب أو المباحثات أو التحكيم الدولى مع وضع الأسس العادلة لحل باقى مسائل الصراع العربي الإسرائيلي – بدأت مصر تركز جهودها صوب التنمية الشاملة التى تستكمل بناء المجتمع وتحقيق آمال وطموحات شعبها وتحقق الحياة الكريمة لأبنائها لذلك بدأت خطط التنمية المتواصلة وخُططت المشروعات القومية الكبرى وتم بناء آلاف المصانـع مع تحقيق الانطلاقة الإنتاجيـة بما يدعم استمرار الارتفاع بمستوى المعيشة للمواطن فى إطار منظومة التحدي الذي عاشته مصر خلال الإعداد لحـرب أكتوبـر التي أكدت أهمية تحقيق القفزات الواثقة والناجحة فى جميع المجالات مع ملاحقة التطور العالمي والتقنية الحديثـة والتكنولوجيا فى جميع المجـالات بما يحافظ على مكانـة مصر الدائمة ووضعها فى موضعها اللائق إقليمياً وعلمياً.

تماسك الجبهة الداخلية وقوتها مع وعي الشعب المصري ووقوفه صفا واحداً خلف قواته المسلحة والثقة المتبادلة بينها كانا أحد الأسباب الرئيسية لنجاح منظومة الحرب.

 

العمل كفريق لتنفيذ أي مهمة يؤدي إلى نجاحها في أي مجال.

   كان لمواجهة التحدى الكبير لإزالة آثار عدوان 1967، وإعادة بناء القوات المسلحة فى منظومة عمل وطنية وقومية جماعية تكاتفت فيها كل طوائف الشعب خلف قواته المسلحة، أثرها الكبير فى سرعة تماسك الجبهة الداخلية وحل جميع المسائل المطلوبة للنصر بالإضافة إلى منظومة إعداد الدولة للحرب والتى تمت بحشد الجهود المتكاملة لقوى الدولة الشاملة سواء الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية، كان لها أثرها الكبير فى نجاح المعركة وكان ذلك محصلة العمل كفريق فى إطار هدف قومى رئيسى وهو الحفاظ على أمن مصر وتاريخها العريق.

أهمية حشد الجهود للحفاظ على استمرار دور مصر القيادي والحضاري عبر التاريخ.

  لقد ظلت مصر طوال تاريخها لها مكانتها الإقليمية والعالمية وهى نتاج حضارة سبعة آلاف عام من عمر الزمن ولقد واجهت مصر تحديات وتهديدات مختلفة عبر تاريخها ولكنها ظلت تتصدى لجميع القوى والمتغيرات بإقليمها مدافعة عن أمنها وأمن إقليمها وظلت تتعامل مع قضايا منطقتها وعالمها وتدعم التلاحم بين أمنها القومى وأمن أمتها العربية وتساهم فى الأمن العالمى وتؤثر وتتأثر به – وظلت هى واحة الأمن والأمان لكل إقليمها وعالمها – كل ذلك يشكل مسئولية كبيرة فى أعناق أبنائها للحفاظ على تاريخها وتقدمها ودورها الفاعل إقليمياً وعالمياً، ولن يتحقق ذلك إلا بالعمل والجهد والتنمية والانتماء ومسايرة التقدم العالمى والوعى للمتغيرات المحيطة وحشد الجهود الوطنية والقوى الشاملة لتحقيق هذا الهدف.

شباب مصر هم الأمل في تقدم مصر والحفاظ على تاريخها.

 لقد كان جيل أكتوبر؛ سواء من عسكريين ومدنيين قدوة لكل الشعب المصرى فى أجياله الحديثة ولا شك فإن نقل الخبرات التى تحلى بها هذا الجيل هى السلاح الذى يتقدم به شباب مصر لرفع أعلام مصر لمواصلة التقدم حفاظاً على وضع مصر فى مكانها الصحيح بين الأمم ولذلك فهم الأمل لمصر وهم المعنيون بشأنها وعليهم التسلح بالعلم والقيم للقيام بدورهم المأمول وتجربة حرب أكتوبر أكدت أن التسلح بالقيم النابعة عن الإيمان بالله عز وجل، وتقاليد وتاريخ مصر مع الانتماء العميق للوطن، والعمل الجاد المخلص الهادف الذى يسبق التنظيم والتخطيط الجيد وتكملة المتابعة مع اليقظة للمتغيرات المحيطة الإقليمية والعالمية هم أدوات وأسلحة الشباب للمستقبل بما يحقق تقدم مصر.

تفجير العزيمة والإرادة القومية للإنسان المصرى.

إن تفجير العزيمة والإرادة القومية للإنسان المصرى فى كل موقع يحول القدرة المتاحة إلى قوة كبيرة مؤثرة .. لذلك انعكست العزيمة والإرادة القومية لشعب مصر وقواتها المسلحة على تعظيم قواها الشاملة خلال حرب أكتوبر وكسبت بذلك الدولة عقول وقلوب مواطنيها حيث أصبح المستحيل ممكناً فى هذه الحرب.

مع أهمية صناعة الوعي لمواجهة تزييفه بالطرق الحديثة وكذا مواجهة قضايا أساليب حروب الجيل الرابع بالإضافة إلى مراعاة مواقع التواصل الاجتماعي وحماية أفراد المجتمع من التأثير على الوعي الفكري لهم بما يدعم بناء المجتمع بناءً سليماً والحفاظ على الروح المعنوية للشعب.

 

ومن هنـا فـإن:

حرب أكتوبـر تحتل مكانـاً فريداً في التاريخ العربي والعالمي.. كبوابة رئيسية لتجديد وتطوير الفكـر والأداء العسكري بما أبرزته هذه الحـرب من دروسـ وأعمال عظيمـة في الأداء العسكري المبدع في البر والبحـر والجو شكلـت معـاً إطـاراً جديداً للحـرب التقليديـة.

ويرجع الفضل في ذلك إلى العبقرية المصرية التي استوعبت سريعاً دروس النكسة.. كما استوعبت خلال سنوات قليلة تكنولوجيا العصر.. ووظفتها خلال الإعداد والتحضير والتدريب في منظومة عمل عسكرية حققت بها النصر على العدو.

وليس غريباً على هذه العبقريـة.. أن تستوعب آفـاق التطور الحديث في الحروب الحديثة, وأن تأخذ بأسبابه حفاظـاً على قوة وهيبة ومكانة مصرنا الغالية في إطار التمسك بالسلام العادل كهـدف استراتيجي للدولة واستثماره في بناء التنمية الشاملة في كل أركان الوطن العزيز جنباً إلى جنب مع بناء القوة المؤثرة الفعالـة، عملاً بقول الحق جل ثنـاؤه: "بسم الله الرحمن الرحيم" (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)

الله الموفق ،،،

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة