في ذكرى المولد النبوي الشريف التي
تملأ الدنيا نورا وبهجة، ويحتفي بها العالم الإسلامي من مشارقه إلى مغاربه، نلقي
الضوء على نقاط هامة في حياة ومسيرة شيخ المداحين الفنان محمد الكحلاوي الذي وهب النصف
الثاني من حياته لحب النبي ومدحه وعاش ما تبقي من عمره زاهدا وعاشقا لسيد
المرسلين.
ولد محمد
الكحلاوي، في منيا القمح بالشرقية ولم ير أمه التي رحلت أثناء ولادته، فعهد به للنساء من جيرانه لإرضاعه
وما لبث أن توفي الوالد أيضا بعد عامين من ولادة الكحلاوي فأصبح يتيم الأب والأم،
وتولى خاله محمد مجاهد الكحلاوي تربيته، فاصطحبه معه إلى حيث يقيم بميدان الشعرية
بالقاهرة، وهناك بدأت مرحلة الطفولة في هذه المنطقة التي التحق فيها بمدرسة
الفرنسيسكان ولم يكتمل تعليمه بها بسبب تشاجره مع زميل له، فاقترح الشيخ حسن عبد
الوهاب وهو الشقيق الأكبر للموسيقار محمد عبد الوهاب على خال الكحلاوي أن يلحقه
بمعهد أزهري يتلقي فيه العلوم الدينية.
بدأ حب الفن يسري في روح محمد
الكحلاوي في مرحلة الصبا من خلال حضوره كواليس حفلات فرقة عكاشة المسرحية التي
كانت تقام على مسرح الأزبكية ، وفي هذه السن عمال مع أقرانه الصبيان كومبارس في
مجاميع الفرقة، حتى تغيب مطرب الفرقة يوما لظروف قاهرة، فبحث المسئول عن الفرقة عن
أي موهوب يلقي النكات أو المنولوجات حتى يهتدوا إلى حل لغياب المطرب، فأشار زملاء
الكحلاوي إليه وقالوا أنه يصلح للمهمة قبل أن ينفجر الجمهور غاضبا.
بدأ محمد الكحلاوي المواجهة الأولى مع
الجمهور في نفس الليلة وكان عمره 12 عاما، وانطلق الصبي بسجيته يغني ما حفظه من
أدوار قديمة ومواويل وفور انتهاءه انطلقت عاصفة من التصفيق وكلمات الإستحسان من
الجمهور، فارتبك الكحلاوي وفر هاربا من على المسرح، وعلم مدير فرقة عكاشة بما حدث،
فأرسل في استدعائه ليبدأ الكحلاوي رحلته الحقيقة مع الفن.
كانت الفرق الفنية في العهد القديم
تسافر إلى بلاد الشام لتقديم فنها، ومنها فرقة عكاشة الذي سافر معها الكحلاوي بعد
أن وصل إلى مرحلة الشباب، وبعد أن إدت الفرقة عروضها في الشام همت بالعودة إلى مصر
بعد شهرين، لكن الكحلاوي فضل البقاء في بلاد الشام وهرب من الفرقة ليبقى هناك ثمان
سنوات كاملة، استطاع فيها أن يجمع ثروة طائلة من الأموال بعدما عمل في الفن بسوريا
ولبنان وفلسطين والعراق.
اتجه الكحلاوي إلى العمل في مصر، فلحن
له أغانيه الأولى الشيخ زكريا أحمد وكتب كلماتها بيرم التونسي لتكون البداية مبهرة
بذلك الثلاثي المبدع، واستمر في تعاونه مع كبار شعراء الأغنية، أما الألحان فقد
احترفها الكحلاوي أيضا وأصبح مبدعا فيها، يلحن أغانيه ويلحن للعديد من المطربين
ومنهم نور الهدى التي لحن لها "يارب سبح بحمدك كل شئ حي" ولحن أيضا
لنجاح سلام وحورية حسن ومها صبري وشريفة ماهر وغيرها من نجوم الطرب.
يعتبر الكحلاوي من رواد الملحنين
الذين وضعوا ألحان الأغاني في السينما، فقد وضع ألحان فيلم "عنتر افندي"
عام 1935 وانطلق من عام 1940يشارك بوضع الموسيقى والألحان لأفلام "حياة
الظلام" و "على مسرح الحياة" و"مصنع الزوجات" ولحن وغنى
موال في فيلم سي عمر بطولة نجيب الريحاني، وعهد إليه يوسف وهبي بوضع ألحان فيلم
جوهرة وهو أول فيلم ظهرت فيه نور الهدى، وقام بأول بطولة له في فيلم "طاقية
الإخفاء".
لحن أيضا محمد الكحلاوي للسيدة فتحية
أحمد مطربة القطرين في فيلم "حنان" وعهد إليه عباقرة السينما السيدة
عزيزة أمير بوضع الألحان لفيلم "إبنتي" وأيضا عز الدين ذو الفقار عهد
اليه بتلحين أغاني "حبابة" وهو أول الأفلام البدوية التي وضع الكحلاوي
لها ألحانا بدوية ، لتصل مجمل أعماله السينمائية إلى 33 عملا بين البطولة ووضع
الألحان والموسيقى، أما أغانيه العاطفية فقد توازنت تماما مع أغانيه الوطنية
والدينية، حيث اتجه في النصف الثاني من حياته للغناء الديني ومدح الرسول مع
الأغاني الوطنية فقط، وربما يعود هذا التحول الكبير في حياته إلى رؤية كبار نجوم
الفن والطرب يرحلون في عنفوانهم وقمة مجدهم ومنهم الفنان محمد فوزي الذي جلس
الكحلاوي أمام جثمانه يبكي وهو يتلو القرآن الكريم.