الإثنين 25 نوفمبر 2024

المصور

سيادة الملازم.. إلى العمل

  • 30-10-2020 | 10:30

طباعة

يشهد الرئيس عبدالفتاح السيسي تلك الأيام حفلات تخرج الملازمين الجدد بكلية الشرطة والكليات العسكرية وصعودهم أولى خطواتهم للحياة العملية وخدمة الوطن، فتهنئتي القلبية للرجال الجدد والأبطال القادمين لمحراب العمل لينضموا إلى زملائهم وقادتهم القدامى، كما أننى أهنئ الأهالي على فرحتهم لأبنائهم وإخوتهم وأصدقائهم وعلى فرحتهم بثمار كدهم وتعبهم.

وقد ظل ١٣ نوفمبر العيد الوطني الوحيد للمصريين حتى ٢٣ يوليو ١٩٥٢؛ حيث كان لذكرى يوليو الأثر الأبرز على كل الأصعدة بعد قيام تلك «الحركة المباركة»- كما أطلقوا عليها-، فتم إلغاء الاحتفال بعيد الجهاد واعتبار ٢٣ يوليو اليوم الوطني لمصر.

بعد ذلك كان الحدث الأهم في ١٨ يونيو ١٩٥٣؛ حيث أُعلِن إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية، و يا له من حدث، بَيْد أنه تم تَنَاسِى هذا التاريخ رغم أهميته الكبرى وإمكانية اتخاذه يومًا وطنيًا للأمة المصرية لما له من أثر تاريخي، لكن التجاهل غير المبرر لهذه الذكرى كان لارتباطها برئيس مصر الأول حينها «محمد نجيب» الذى تم تجاهله أيضاً وإغفال دوره عن عمد، بالإضافة إلى جُملة ما لاقاه حتى وفاته.

ثم أعقب ذلك بثلاثة أعوام الاحتفال برحيل آخر جندي بريطاني عن مصر في ١٨ يونيو عام ١٩٥٦ بعد إبرام اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا، ورغم أهمية هذا التاريخ الذى يُعتبر في مُعظم بلدان العالم، اليوم الوطني أو «يوم الاستقلال»؛ إلا أنه لم يَحْظَ بهذا الاهتمام في مصر؛ حيث جاء بَعْده بستةِ أشهر ما يسمى بذكرى «عيد النصر» فى ٢٣ ديسمبر عام ١٩٥٦، حين انتهى العدوان الثلاثي على مصر بضغطٍ من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية على بريطانيا وفرنسا لإنهاء العدوان والانسحاب من مصر، وقد ظلت هذه الذكرى يوماً قومياً يتم الاحتفال به سنوياً حتى تم نسيانها أيضاً مع الأعياد الأخرى تحت وطأة الأهمية الكبرى لذكرى ٢٣ يوليو...

وبعد مرور مصر بنكسة يونيو ١٩٦٧ وما تبعها من أحداث ومعارك استنزاف كمحاولة لمسح جبين الوطن مما اعتراه من هزيمة في حربٍ لم تُتَح له فرصة خوضها بشكل عادل، جاء انتصار السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من تحطيم جدران الخوف والتخلص من عار الهزيمة وتحقيق نصرٍ مؤزَّر يتم تدريسه في مدارس العسكرية العالمية، ومن حينها وقد أصبحت ذكرى النصر تفوق كل الأيام الوطنية التي كان يتم الاحتفال بها...

وظلت تلك الذكرى تُمثل العيد الوطني الأول لكل المصريين؛ حيث يشكِّل الاحتفال بها قيمةً كُبرى لدى الجميع دون خلاف، حتى جاءت ٢٥ يناير ٢٠١١ وما تلاها من أحداثٍ زلزلت كيان الوطن وزادت من وتيرة التجاذبات لمدى أهمية تلك الأيام الوطنية وتأثيرها على تاريخ ومستقبل مصر الحديث لاتخاذ واحدٍ منها كيومٍ وطني رسمي، فما حدث فى يناير من الثورة على الجمود وتغيير نظام الحكم الذى كان يستمد شرعيته من ٢٣ يوليو إلى الانتقال إلى شرعية ٢٥ يناير لم يستمر كثيراً؛ حيث استغلتها شرذمة سياسية تتخذ من الدين وسيلةً للوصول إلى السلطة مما أفقد حراك يناير قيمته الحقيقية، ورفع من نبرة السخط على ما تمخضت هذه الثورة عنه من نتائج، لا سيّما أن هؤلاء الذين أفسدوها هم أكثر المتشدقين بمآثرها، وبنفس المنطق، إذا كانت هذه الشرذمة هي الخصم الذى تم إسقاطه في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، فهم أصغر بكثير من أن يكون يوم إسقاطهم يوماً وطنياً للأمة المصرية العظيمة - رغم أهمية هذا الإسقاط وضرورته – إلا أن ضآلة الخصم وقِصَر وقت إسقاطه يجعل من هذه الذكرى يوماً من تلك الأيام الوطنية لانتصار إرادة الشعب، لكنه ليس اليوم الأول الذى يمكن اعتماده اليوم الوطني المصري...

لكن الحيرة بين كثرة هذه الأيام الوطنية يُضعف من تأثير وقوة كل منها؛ حيث إننا إذا نظرنا لدولٍ أخرى نجد أن كل دولة تتخذ يوماً وطنياً واحداً يتم الاحتفال به كل عام، فعلى سبيل المثال، اليوم الوطني للولايات المتحدة الأمريكية هو ٤ يوليو «يوم الاستقلال»، واليوم الوطني لفرنسا هو ١٤ يوليو «يوم اقتحام سجن الباستيل وإنهاء المَلَكية» كما أن اليوم الوطني لألمانيا هو ٣ أكتوبر «يوم الوحدة»، وهكذا...

من هنا أرى أنه يجب أن نُعيد التفكير في اتخاذ يومٍ وطني رسمي لمصر يمكن ذكره في الدستور مع أقرب تعديل يطرأ عليه، ويتم الاحتفال الرسمي به كل عام مع إلغاء العطلات الرسمية لباقي الأيام أُسوة بما حدث بعد ٢٣ يوليو، واعتبار هذه الأيام ضمن تراثنا الزاخر بالأمجاد وأيام العِزة دون التوقف كثيراً عندها بالاحتفال والعطلات الرسمية.

وبما أن ذكرى انتصار السادس من أكتوبر لا يختلف مصري وطني على مدى تأثيرها علينا في العصر الحديث، أقترح اتخاذ هذا اليوم يومًا وطنيًا لمصر، ولنوحد كل هذه الأيام المجيدة في ٦ أكتوبر، عيد مصر الوطني، عيد النصر.

فإن مقالي هذا للسادة الملازمین الجدد... أبطالنا الجدد.. رجال الوطن البكاري... وددت لو كان بمقدوري أن أعبر لكم عما يخالج نفسي من شعور، وما يجيش بقلبي من عواطف. ولكن الشعور من خصائصه أنه يحس ولا يدرك، فإنك لتحس به في الأعماق، فإذا ما أردت أن تخرجه من داخل نفسك أحسست به إحساسك بالشيء المختلج الخفاق، فأنتم عدتم بي لأكثر من خمسة عشر عاماً ماضية.. يوم تخرجي من كلية الشرطة. إخوتي.. وأحبائي.. أقسمتم منذ أيام يمين الولاء لوطن أنتم رجاله وحماة سواعده داخلية وخارجية لتتصدوا في صمود أسطوري لعدو أسكرته نشوة نصر عابر، لتحطموا غرور عدو من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، لتلاحظوا بعيونكم على طول الجبهات في الداخل والخارج، لتخفق قلوبكم بحب الوطن، لتضحوا في سبيله بالدم والروح. أصبح قدركم أن تكونوا حماة الجغرافيا وصناع التاريخ، أصبح قدركم أن تتصدوا لكل غازٍ ومحتل وطامع وحاقد پرید لبلادكم سوءاً ، قدركم أن تصنعوا الأمن والأمان على أرض مصر رغم ما يحاط بها من خيانات. أنتم يا أبناء هذا الشعب العريق وأصالته، أصبح دوركم الآن المحافظة على هذا الشعب - على تراث بلدكم وتقاليده - على العرض والشرف - على صيانة حرية مصر والذود عنها مهما كان الثمن ومهما غلت التضحيات. تخرجتم من کلیاتكم وصروحکم العسكرية أشداء أقوياء البنية، تعلمتم الجلد على احتمال المشاق والطاعة والخلود للصبر والإخلاص في العمل والشجاعة والثقافة العسكرية وحسن السير والسلوك والوطنية والذكاء

واقتحام الأخطار عند الحاجة بلا خوف ولا وجل، لنراكم اليوم تبدأون حياة جديدة عملية لتترجموا تلك التدريبات لتصرفات وأعمال بارزة تعلي من شأنكم وترفع من قدركم في وسط زملائكم القدامى وقادتكم، إكباراً للبطولة وتكريماً للرجولة واعتزازاً بالوطنية.. فأنتم مطالبون بأن تعطوا للحياة لكى يكون لهذا الشعب الحياة وتكون أصابعكم على القصبة الهوائية لكل من يعبث في وحدة ترابنا الوطني داخلياً وخارجياً برباطة جأش جديرة بالثناء العظيم والإعجاب المتناهي. كم هي مهمة شاقة تلك التي تتعهد أنفسكم بها !! ولكن نصيحتي لكم يا أبطال ألا يكون كل منكم سوى إنسان - أى لا ملاك ولا شیطان.... إنسان فقط، أى ذلك المخلوق الذى يمشي بمهارة على حبل مشدود عن يمينه العقل والفكر والضمير وعلى يساره الجسد والغريزة والدم... التوازن هو كل المطلوب، وهو أمر عسير المنال، ولكن مصر تستحق وشعب مصر جدير بهذا، فأنتم أبناء أمة شریفة المبدأ، کریمة العنصر، طاهرة الضمير أيها الأبطال.. أخاطبكم بوطنيتكم ورجولتكم بجدكم بحكمتكم بثباتكم.. إلى العمل... إلى العمل، ولتكن حماستكم عملاً لا كلاماً، وليكن شعاركم سلامة لا استسلاماً، إني أتجه إليكم بقلب شعب وبوفاء الأبطال الذين باعوا أرواحهم للفداء عن كل بقعة من ثرى الوطن.. امضوا على نفس الطريق ولن تضعفوا ولن تتخاذلوا ولن تنسوا الأمانة التي حملتموها ولا الواجب الوطني الذي عاهدتم الله على أن تقوموا به... وفقكم الله وسدد خطاكم.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة