الأربعاء 22 يناير 2025

فن

رفعت سلام والشياه الميتافيزيقة الكبرى " قراءة جمالية "

  • 31-10-2020 | 17:26

طباعة

 تبدو تحولات القصيدة العربية أشبه بتعادلية كبرى ، يمتزج فيها العام بالخاص ، الجمالى بالتشكيلى ، والسياسى بالاجتماعى ، فهى تعيد تشكّيل العالم ، تتوسّله ،وتتغيّاه ، لتعيد تأطير الجمال السيمفونى الحالم للكون والحياة .

إنها القصيدة الكونية ، المتربعة على عرش البهاء ، تفتح ذراعيها للجمال ، وتتخايل على الوجود ، بما تحمله من مضامينيّة ، وأطر فيزيائية تشكّل الذات ،عبر مسيرة الإنسان نحو الحب والحرية والخلود .

إنه الماء سرّ الوجود الباسق ، وحوله الشاعر يجلس ، يلتقط بريشة السحر آفاق التخييل ، ويرعى  شياه العالم السيميولوجية ، برقّة وحنان بالغين . فأية شياه  مغايرة ،تلك التى يرعاها / رفعت سلام فى ديوانه : " أرعى الشياه على المياه " ؟! ، أهو المسيح يخطب فى الشعب ؟ أم موسى يتوكأ عصاه ،يهش بها شياه العالم /الشعب / الإنسان ؟ أم هو النبى محمد يرجو هداية البشر ،عبر نور الحقيقة ، والبرهان للكتب السماوية الرائعة ،الخالدة ،المقدسة ؟! .

إنه هو ، وهو كان ، فى البدء ، إلهاً ، خلق شعوباً وحياوات ، ،وخلق الإنسان ،فسبحان من أبدع وصوّر ، وسبحان من منح ، وأعطى القلم الذهبى،لمن ينقش صهد الحقيقة ، وعطر البرهان الأثير !! .

إنه الشاعر الصوفى الجوّال ، يرعى الحقيقة ،والنجوم ، والكون ، خلف أحلامه الهاربة ، يرعى الظلال ، خلف غيمة النور ، وغياهب التلال فى العالم الوسيع .

نراه هناك ، يعيد رتق سلال النور بالمسجد، ليصهر المحار والطحالب ، ويقدمها سمكة الحياة الوحيدة / السمكة الشعرية الحالمة، والوردة السافية الساجية على سجادة الحياة ، تنظر لبهاء الشمس ، وتناجى الصحراء الشاسعة ، خلف الجبال والوديان والسهول ، تبحث عن المرعى لتعيش حرة من غير قيود ،وهو أمامها  الصوفىّ العابد ، الواقف على عتبة الحياة ، وبوابات الوقت، يرعى الشياه كبدو ىهائم ، سادر فى محيط الكون ،يسرد لنا تفاصيل الحياة ،عبر مشاهداتية فائقة ، من فوق جبل شاهق ، أو من خلف سموق للذات مهيب ، ورائع ،ومخيف ، ومونق ، باذخ وحالم ،  ممتد .

إنه الشاعر الصارخ فى بريّة السكون ،والصمت ، يصنع عباءة الشعرية ،بسيموطيقاه الخاصة ، ومدلولاته الرامزة ، وأيقونته الوحيدة .

يعزف منفرداً على شبّابة الحياة ، ليعيد رتق الكون عبر الأسئلة الكبرى عن : الذات ، الله ، الكون ، المجتمع ، الحياة بكامل تفاصيلها وجلالها ، والله بسرمديته المتبدّاة عبر تفاصيل الكون .

انه الشاعر الكونى، يجرّ عربة الوجود من مشكاته الخاصة ، من غرفته ، من خلف المراعى الممتدة عبر براح العالم الفيزيائى ، الفيزيقى ، غير المحدّ، واللامتناه ، أيضاً.

إنه يكوثر الشعر لؤلؤاً ،عبر سيميائيات،وفسيفساء ،متشظية ، يراوح بين الشعريّة الكبرى للحياة ، وانزياحاتها،التى تراوح ، وتزاوج ، بين المتن والهامش ، عبر كتابة بصرية ، تشكيلية ، تجريدية ، وسوريالية كذلك .

إنه كتاب الحياة ، شعرية الوجود ،عبر الغراب ، الذى بدأ به قصيدته ، وهو رمزية هائلة للوجود ، الذى ينعق ، فنصرخ جميعاً : يا الله .لكن الله – على حد قوله لم يعد ينظر للدعوات المتوسلة ،نظراً لكثرة الأهوال ، التى اقترفها الإنسان ،تجاه ذاته ، وخالقه ، والآخرين ، يقول :

أيتُهَا اللَّحظَةُ المنتَحَلَة ،

هَل تَأَخَّرنَا طَوِيلاً، أَم هُوَ الوَقتُ؟

 لاَ بَأسَ،/ وَقتُنَا / حَبلٌ / مَمدُودٌ

إِلَى نِهَايَةِ الكَونِ،

وَخَطوِي مِقصَلَة . ( الديوان ص :9 ) .

إنه الشاعر الثائر ، على الشكل والمضمون ، يصنع معمارية جديدة للشعر ، لقصائده ، لديوانه ، يقدمه لنا فى شكل تشكيلى ،وتعبيرى ، وبصرى ، فلا نستطيع أن نقرأ الا ونحلّل الصور الموجودة  والمتناثرة ،فى جانب الصفحات : صور نساء ، حيوانات ، طيور ،زواحف ،أسماك ، أقدام ، فراشات ، صور كاريكاتيرية ، رسومات تجريدية ، الى جانب براويز يضع فيها قصائد قصيرة منفصلة ، ابيجرامات حالمة ،موتيفات عبر الكولاج، الذى يستعيره عبر التشكيلات البصرية ،فى الصفحة ، والصفحات التى تستلب ، وتحوز ، تشاركية القارىء،التى تغيّاها ، وأرادها ،لنتماس كجمهور شعرى ، مع هذا الشعر البصرى ، التشكيلى ، اللغوى،العابر للنوعية ، والتداخلية للفنون ، وكأنه يكتب "مابعد حداثة " أخرى ، لشعرية جديدة ، عرفها المغاربة ،والشوام ، كتبوا من خلالها – عبر النوعية – عبر التشارك الفنى ،لإنتاجية قصيدة تفاعلية ،كالتى بدأها التجديديون فى بعض الدول العربية ، والمصريون كذلك، وعبروا بها ،من خلال التشكيل البصرى ، والجمالى ، الى أرجاء الروح ، ومقصديات الشعرية لديهم.

ولاشك أن الشاعر الأسطورة / رفعت سلام  - هنا - يماهى بالتشكيل ، ليطلعنا على تشظّى الكون ،عبر الشعر ،وتشظّى القصيدة ،لنقرأخلف ظاهرها المعنى الذى تكمله الصورة التعبيرية المتبدّاة ، وكأنه يستنطق الخيال فينا ، ذلك الذى فرّ من عقولنا ،بعد أن  تحجّرت أرواحنا ،بفعل المادة ، فكأنها "شعريّة الجماد / الصامت " ،تستنطق "الانسان الحى / الآلى،الذى تكلّس ،وتخشّب ،وأصبح لا يشعر، بفعل فاعل ، أو بفعل الغياب ،وانزياحات العصر ،وتقنياته المتلاحقة ، وهمومه الكثيرة .

إنها الشعرية الجديدة / القديمة ، الكتابة الأخرى / وان لم تكن البادئة ، اللحن الغرائبى ،عبر موسيقا اللغة ، والغناء ،عبر الصورة الناطقة ،التى تشى بمدلولات رامزة ، تتقاطع مع الخيال ، لتأخذنا الى عوالم أكثر إشراقاً ، ومتعة ، فهنا : " العين تسمع .. والأذن ترى " ، بما يجعلنا نستدعى " بشار بن برد" ، حين قال :

يا قوم أذنى لبعض الحى عاشقة   والأذن تعشق قبل العين أحياناً

فاذا أبصر "بشار بالحب" ، فان "رفعت سلام" قد جعلنا نبصر بالتشكيل ، بالصورة الناطقة للمعنى المراد ، والمعنى الاحالى ، والمعنى الاستشرافى – اذا جاز لى هذا الاصطلاح – فهو يستشرف الخيال لدى القارئ ، يستنطقه عبر الصورة ، ويستلبه عبر المعانى الصارخة ،فى الوجود ،والكون ،والعالم . وعبر الإزاحة ، والانتقالات المفارقة ،من الشكل إلى المضمون ، ومن العين إلى البصيرة ، يدخل إلينا من باب الحياة ، من باب الإنسان الفطرى : يرعى الشياه كصحراوىّ ، يقف على سهوب العالم ، ليعيد قراءة " سفر الحياة " ، يقول :

"أَيُّهَا الكَونُ القَاتِل، دَمِي عَلَى وَجهِكَ وَيَدَيكَ؛ أَيُّهَا العَدَمُ، أَنتَ غَرِيمِي اللَّدُودُ؛ جَسَدِي كَلاَمٌ صَامِتٌ، لاَ يَسمَعُه إِلاَي، وَمَا مِن مُجِيب؛ أَبجَدِيَّةٌ سِرِّيَّةٌ لَم يَفُض خَتمَهَا العَابِرُون، اللاَهُون؛ وَلاَ فَضَضتُهَا؛

أَنَا المرأَةُ الجَاهِلَةُ بِالأَبجَدِيَّة؛

فَمَن يَغرِس فِيَّ مَفَاتِيحَهَا، تَشبُّ أَشجَارًا مُورِقَةً، أَغصَانُهَا تُثمِرُ فَاكِهَةً زَرقَاءَ، كَأقمَارٍ مَشرُوخَةٍ، ضَوؤُهَا الكَابِي يَطرُدُ الظِّلاَلَ وَأَروَاحَ الموتَى الهَائِمَةَ، فَأَبقَى وَحدِي أَبكِي عَلَى الأَطلاَلِ الغَابِرَة ؛

هَا هِيَ المدَائِنُ تَرتَدِي الحِدَادَ، وَالعَوِيلُ غَيمَةٌ لاَ تَنقَشِعُ عَلَى مَن اخَتَطَفَهُم الحُرَّاسُ، رِجَالاً وَنِسَاءً وَأَطفَالاً، إِلَى مَا وَرَاءَ الشَّمس وَالأُفُق؛ عَلَى مَن أَخفُوهُم فِي السَّرَادِيبِ السُّفلِيَّةِ، لاَ مَاءَ لاَ طَعَام؛ أَرقَامٌ بِلاَ أَسمَاءٍ، وَأَسمَاءٌ بِلاَ وُجُوه، وَوُجُوهٌ بِلاَ مَلاَمِح أَو عُيُون؛ ثِيَابُنَا مَشقُوقَةٌ، وَعَلَى رُؤُوسِنَا الطِّين؛ حُفَاةً نَركُضُ فِي الشَّوَارِع إِلَى المعَابِدِ المهجُورَةِ، وَلاَ آلِهَة؛

أَيَّتُهَا الأَرضُ التَّائِهَة

صُقُورٌ دَامِيَةٌ حَطَّت عَلَى رُؤُوسِنَا فِي الصَّبَاحِ، تَنقُرُ العُيُونَ، تَقضُمُ الأَعضَاءَ، تَترُكُنَا خَلاَءً لِلرِّيَاحِ وَالشُّمُوسِ، فِي انتِصَافِ الزَّمَانِ."الديوان : ص 16:17" .

إنه الشعر الكونى ، يخرج بنا من غلاف الحياة ، إلى فراديس الأبدية المشتهاة  .. إلى الفراغ والسّدم ، إلى آفاق شيفونية، أكثر اتساعاً  . فنراه – هناك -  يتمنطق الجبل ، يستنطقه ، يناجيه ،وهو يرعى الشياه بجانب المياه الممتدة ، المياه السيموطيقية التى تشير إلى الحياة ، الماء سر الوجود الكونى الكبير!! .

إنه يغنى كأخرس للحياة البكماء ، يسير معصوب العينين فى شوارع الحياة ، يكلم الأحجار والأشجار ، ويقدم لنا قلبه : زهرة بريّة جريحة ،شوهتها آلة الحياة ،وميكانيكيتها الزاعقة ، يقول :

وَقتٌ وَبِيـل أَحمِلُه عَلَى كَاهِلِي، وَأَمضِي فِي الأَزِقَّةِ وَالشَّوَارِع، فِي المدَائِنِ، وَالقُرَى وَالنُّجُوع؛ غُنوَتِي خَرسَاءُ فِي صَدرِي، وَكَلاَمِي بِلاَ صَوتٍ، لاَ يُغَادِرُ شَفَتَيَّ، وَبَصِيرَتِي نَقرَتهَا الغِربَانُ وَالطُّيُورُ الجَارِحَة؛تَنزِفُ الرُّؤَى وَالخَيَالاَتِ الجَامِحَة وَالبِلاَدُ فِي مَأزَقٍ أَثِيم، بَعدَ أَن هَجَرَتهَا الآلِهَةُ، وَأَدَارَت ظَهرَهَا لِلدَّعوَاتِ المتَوَسِّلَة ). "الديوان : ص 8 " .

إنها قيامة الشعريّة إذن ، عبر اللغة الصادحة ، الصارخة فى بريّة العالم السيموطيقى ، الفيزيائى ، المتشظّى ، والمتّصل كمسبحة بديعة ، هارمونى سلسال ،لخالق سرمدىّ، لهيولى عظيم  ، يدخل إلى الروح ،ليزيل عنها قشرة الحقيقة ، حيث يطلعنا إلى اليقين والبرهان ، إلى الوجود بكامل تفاصيله ، عبر سرمديّة العالم الزاعقة ، يصرخ مع الغزالة فى الوديان ، ويهجّ إلى شوارع الحقيقة ،عبر الوقت : الزمان/ المكان ، يطوف بنا فى أروقة الذات ،ومستنقعات الفضاء ، - عبر صوره الجمالية الباذخة ،وتشكّلات اللون الدافقة فى الصفحة البصريّة الشّاعرة ،فنراه يعبر النهار إلى الروح ليشاهد الحقيقة الصافية ، الناصعة ، الشفافة ، والشفيقة/ الحالمة ، حيث الإله الخالق ، اللانهائىّ الممتد ، الشعر الذى لا يحدّ ،عبر أفضية النور ، وبهاء السرد / الشعرى / القصصى / الروائى / التشكيلى / السوريالى،الهائم فى بريّة الوجع الشهىّ ،بقلبه الآسن ، وقلوبنا اللاهثة معه ،عبر تدوّراته،وتنهيداته،ووجعه الصادح،الزاعق فى أوار الروح ، وفى فضاءات الوجود الممتد .

إنه كتاب الحياة ، ديوان يفتح لك حقائق الذات والوجود والعالم ،من طرق شتى لتختار أيها تسير ؟ وإلى أى وجهة تقصد ؟ ولأى سوف تنتسب ؟!! .

إنه غزال البريّة السيموطيقىّ ، يتماس مع غزال الصحراء البرىّ ،ليحدث المعادلة الكونية الممتدة ، يتماهى مع غزالة التصوف إلى رحاب صحراء البهاء ، يقول :

أَنَا الغَزَالَـةُ العَاثِـرَة.

أَتَخَبَّطُ مُتَرَنِّحَةً فِي طُوبِ العَالَم وَمَصَائِدِه المنثُورَةِ فِي الطُّرقَاتِ، المفتَرَقَاتِ، الحَارَاتِ، الأَسوَاقِ، الصَّرخَاتِ، إِلَى أَن يَلحَقَ بِي مَن يَنشِلُنِي مِن نَفسِي، فَيُرَمِّمَنِي شِلوًا شِلوًا، يَغسِلَنِي فِي أَمطَارِ الصَّيفِ، يُدَاوِي جُرحِي النَّازِفَ أَبَدًا؛ فَأَعُودَ امرَأةً مِن نِعنَاعٍ وَقَطِيفَة؛ مَن يَلحَقُ بِي، يُدرِكُنِي، قَبلَ فَوَاتِ الوَقتِ. ( الديوان ص : 17  ) .

إنه الشاعر الذى يحوّل المتن إلى هامش ، والهامش إلى متن ، فتقرأ الديوان / النص لتشاهد الهوامش الشعرية التى هى جزء أساسى من متن القصيدة ، وكأنه يعيد صوغ العالم ،وتراتيبيته ، وتراكبه ، تقرأ الهامش الشعرى لتشعر بانتضام عقد اللؤلؤ ، والكهرمان الشاعرى لديه ، ذلك الذى يعفق زمردة الروح ، وكهرمانة القلب ،ليقدم الفستق الحلبىّ الشهىّ ، للمحبوبة / المشتهاة ،العاشقة ، المتخيّلة  : للذات ، للعالم ، للاله عبر دوائر شعرية ،تتضامّ ، وتنفرج ، معاً ، لنشاهد أسطورة متفردة للعالم ، سفراًشعريا هائماًفى بحار خلود اللغة الشاهقة .

إنه الشاعر الذى يستنطق الذات والجسد ، ويعبر بهما فضاءات وسماوات سادرة فى اليقين ، ويتقصّد صوفية مثيولوجية ، عبر الخطيّة والتشكيل ،المتشاكل ، المحايث ،عبر لغة تستلب الروح ،وتخشّفى ياقوتة القلب ، وبؤبؤ الجمال ، داخل لحمة الزمرّد ، فى الروح الشفيفة ، روحه النشوانة ، المتصوفة ،التى تستدعى الحياة كخرقة صوفىّ ،عابد، يلبس البهاء، ويتلبّس الشيطان والملاكة المباركة ، ويتماوج فى الحضرة الذاتية / الجسدية / ذواتنا ،لنعبر معه ، ونرتق الى عوالم وفضاءات تجسّد التصوّف السّوريالىّ الحداثىّ ، عبر حكّمة فيلسوف ، صوفى ، عابد ، يسرد لنا الوجود عبر الذات المتجرّدة من الحياة ،والحب ،وعبر همومه الرهيبة ، وأهوال روحه الممتدة ،الناظرة الى فضاءات ومعارج تعبرنا ، ونعبر بها إلى الله / الشعر / الكون .

كما نراه يأخذنا إلى معارج الأنثى / الخلق / العدم ،واليقين ،فى آن ، وهذه المابعديات،التى تمثل "مابعديات الحداثة " ، تجعلنا نقف بالشعريّة الى هذا الحد الهيولىّ ، لنقول : " لو اقتربت احترقت ، ولو ذبت لاخترقت ، ولو ذقت لعرفت" . 

لقد اخترق  - كصوفىّ جوّال - حجب العالم ، وانتهك ستور اللغة ، وأغلفة بكارة الحقيقة ،ليطلعنا إلى أسطورته : أسطورة الزمان / الجسد / الذات ،عبر فضاءات الله المتبدّاة من خلل الغصون ،التى تشرق فيها شمس الله ،لتفتل الضوء/ النور/ البهاء، والسموق الروحى ، للجمال الشعرى ،الذى يجسّد جوهر اللغة الآسن ، الباسق ، الباذخ / والمثير ، والشفيف ، والشيفونىّأيضاً .

إنها نورانية ،عرفانية ، نبوءة بشر ، سفر جديد ، برهان شعرى يقدمه لنا ،عبر رعيه للشياه ، كأنه نبى يتوسلّ الهداية ، للانسانية الهائلة ، المهيبة ، والمخيفة ، والجميلة أيضاً .

إنه يصنع الأسطورة ، يقدم الماهيّات ،ويبحث فى جوهر الحقيقة عن روح الصوفية العامرة : عن التجسّد فى الخالق ، التماثل الروحى ،فى النور ، عن البرهان والحقيقة :

أنا فى أنا وإنى فى أنا      رحيقى مختوم بمسك الحقيقة .

إنها المناجاة الكبرى للذات للإله ، للعالم ، يصرخ مع ذاته / ذاتها / شعريته الهيوليّة الكبرى ، ينادى :

إن الديوان – للحقيقة –يحتاج منا إلى مجلد كبير لنقرؤه ، ونضطّلع إلى خبيآته السريّة ، لنفك مغاليقه ،وشيفراته المونّقة ، البديعة ، لكننا فى هذه "القراءة الجمالية " ،المختصرة ، نقرّ بأننا نظلمه : وهو المظلوم/ والظالم ، ظلم كثيراً ، وظلمنا عندما قرأناه ،فتضاءلنا عبر سموق حروفه، وأبياته ، وكبر فى قلوبنا ،وأرواحنا . أرهقنا حتى حدّ الإرهاق ،وجاب بنا الزمان عبر المكان ،فأىّ شعريّة مثل هذا البهاء المنثور على البياض ،فى هذا الديوان ، الذى يرعى من خلاله العالم السيموطيقى،للكون ،والحياة ؟1 .

سيظل شاعرنا الرائع / رفعت سلام "مدرسة شعريّة" – تتجدد ، وتجدّد، وتصدّر زمرداللغة  النورانية / الصوفية  الأسطورية / المثيولوجية الزاعقة ، وتستكشف عوالم الكون ، وتصدّر الجمال الكونى،لارهاصات الشعريّة، "المابعد- حداثية "،عبر الشعر التشكيلىّ ، البصرىّ ،الأسطورىّ ،الصوفىّ ،اللغوىّ المهيب ، والشاهق ،والسرمدىّ،المستلهم عظمة الكون ، وروح الاله الخالق العظيم .

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة