الأحد 30 يونيو 2024

أمى .. إلى لقاء قريب

فن31-10-2020 | 19:01

 انتهت رحلة الألم والعذاب، بعد 23 يوماً ذقت فيها مرارة المرض، وشكوت إليك يارب العالمين قلة حيلتى وضعف أمرى تجاه قدرتك وسلطانك، استرددت وديعتك فى هدوء وسكينة، ورحلت أمي عن عالمنا إلى عالم أرحب يليق، بمكانة كل من أدى رسالته على الوجه الأكمل، وأرضى بأفعاله وتقواه العليم العظيم الخالق الحق.

تجربة لا يمكن وصفها، عشتها على مدار ما يزيد على ثلاثة أسابيع داخل غرفة العناية المركزة، منذ اللحظة التى شعرت فيها أمى بالألم واستغاثت بي لنجدتها وهى صامتة غير قادرة على الكلام، وقد هدها المرض والوهن، وطيلة فترة العلاج شعرت بضعف الإنسان أمام قدرة ربه -سبحانه وتعالىفالجميع سواء كان الأطباء أو طاقم التمريض يفعلون المستحيل من أجل إنقاذ حياتها، وعبورها الأزمة المرضية التى تمر بها، ولكن كانت مشيئتك يارب العالمين هى الحاسمة وهى القرار الحق، فمهما كان علم الأطباء ومهارتهم هناك من هو أعلم وقادر على كل شيء.

لحظة الرحيل كنت بجوارها، طاف بذهنى مشوار الحياة معها، منذ كنت طفلاً، مروراً بمرحلة الشباب وصولاً لما وصلت إليه الآن عمراً، كانت رحلة مملوءة بالعطاء والتضحية وإنكار الذات، تفرح لفرحى وتحزن لحزنى وتبكى فى لحظات همى، تسهر الليل تجفف عرقى فى أوقات المرض، ولا يغمض لها جفن إلا بعد أن يطمئن قلبها أنى قد رحت فى   النوم, كانت أمى مدرسة تعلمت منها الكثير، أوصتنى ألا أظلم أحداً أو أجور على حق ليس حقى، وأن أعفو عمن ظلمنى لأن الله -سبحانه وتعالى- سيعطينى حقى مهما طال أمد ظلمى، غرست فى قلبى حب الناس والسعى الدائم للعطاء، وأن يكون القرآن دستور ومنهج حياتى، ولا تضعف نفسى أمام مغريات الحياة ونعيمها، وكانت نعم الصديق فى اللحظات التى تشعر أنى فى حاجة إلى صديق، والحاسمة فى اللحظات التى تشعر فيها أنى فى طريقى للخروج عن تعاليمها ودروسها الحياتية .

أعتذر لك يا أمى عن لحظة غضب أسأت فيها إليك، أو كلمة طائشة خرجت من لسانى دون قصد ووجهت إليك، أو لحظات شغلنى فيها العمل عن السؤال عنك، أو فعل قمت به أغضبك منى أو أى تقصير صدر بحقك منى وأنا ساه فى معترك الحياة اللاهية .

فهل تقبلين اعتذارى يا سيدة كونى وحياتى، أعلم أن قلبك الكبير سوف يسامحنى ويغفر لى أخطائى، ولن تحرمينى من الدعاء لى حتى وأنت لست فى عالمنا، واعلمى أنى لن أنكص عهدك بى وسأقبض على تعاليمك لى ما حييت، حتى أرضيك وتظلين مزهوة بى كما كنت دائما.

 

لن أقول أمى وداعاً ولكن سأظل أردد دائماً أمى إلى لقاء قريب يجمعنا .