الجمعة 27 سبتمبر 2024

أمي ومن مثل أمي

فن31-10-2020 | 19:28

قبيل أن تطلب مني مجلة الهلال الثقافية أن أكتب مقالة أصف فيها أمي ودورها في حياتي، كنت أبعثر في محتوياتنا القديمة بشقة أمي وهي عادتي الدائمة، فلمحت خطابا من أبي -رحمة الله عليه- كان قد أرسله من السعودية يعود تاريخه إلى شهر فبراير 1997، وكان الرجل الحنون كلما استهل حديثه لأحد أشقائى وأنا يطلب منا أن نجعل أمنا نصب أعيننا، فجلست أفكر هل وصيته هذه لحبه الشديد لتلك السيدة أم لكونه حنونا بطبعه أم أن تلك السيدة  تستحق هذا وأكثر؟ فوجدت بعد تفكير عميق واسترجاع لشريط حياتي معها أنها لم تكن يوما ما امرأة  عادية، ففي كل المرات التي قابلتني الدنيا بمواقفها الموحشة وجها لوجه كنت أختبئ في ظهر أمي وأطل عليها بكل قوتي، وحينما داهمني اليأس حاربته بأمي، وفي كل المرات التي حالفني بها النجاح أتحاشى الدنيا وأهلها وأرى انعكاس فرحتي بعين أمي، وكل حب في حياتي أستصغره حينما أقارنه بحب أمي، وصداقتي الأولى والأزلية كانت مع أمي، وفي كل مرة أقف على عتبة الخوف أستظل بظل أمي، وفي كل مرة أقف أمام إنجاز صنعته لا أتذكر أن أحدا يستحق الذكر سوى أمي، وفي كل المرات التي ابتسمت لي الدنيا كان سببها دعاء أمي.


فهي تلك السيدة القوية الأبية الزعيمة للصعاب والمتأخرة للسهل، وهي العظيمة في قدسها فهي الشمول بتفاصيله المملة بعملي، بيقظتي المتأخرة والمبكرة أيضا بطعامي بشرابي بسيارتي بسلوكي بوزني الذي زاد، فأمي تصاب بالجنون من أفعالي وتقول إنها سئمت من كثرة النصائح ولكنها لم ولن تمل أبدا، فنقدها بناء لا ينضب أبدا، فهي امرأة استثنائية في كل شيء، وكم أتمنى أن يصبح ابنتاي مثلها، فشكرا على مشاركتك أخباري اليومية معي.

وأنا أيضا لا أحمل للدنيا هما، فلا أقلق لأن أمي هنا ولا أحزن لأن أمي هنا ولا أضعف لأن أمي هنا، أنام بعمق لأن أمي هنا، أبتسم بعمق لأن أمي هنا، مرضي هين لأن أمي هنا، تعبي زائل لأن أمي هنا، فهي القمر الذي ينير لي كل عتمة.


فهي قائدة لكتيبة عمل تخصصي، فمن يعتني بحديقة منزلنا شخص ومن يغسل أوانيها شخص آخر، والجميع مسخر لخدمة أبنائها وهي المشرف العام، فمع كل إطلالة صباحية تدور دائرة العمل الروتيني اليومي ومن يكسر القواعد لايلومن إلا نفسه. إلا أنا فأنا المشاغب رغم النظام والمستحوذ رغم التقسيمات، ربما لأنني أجيد المظلومية إن أردت ذلك أو لأنني نهاية العنقود...لا أعلم ولكني كل ما أعلمه هو أن الحياة لا تستقيم دونها، فمجرد التفكير فيه أمر مخيف، فدعـواتهـا تلفّـني بـضبـاب شفيـف مـن الـطمأنينـة ‏وصوتها في البيت مقدس فهي جند من جنود الله هي البركه والعطاء.


اللهم إني أعوذ بك من قهر يؤلمها ومن هم يحزنها ومن فكر يقلقها ومن شخص يحمل خبثًا لها.


اللهم إن كانت هموم الدنيا ضائقة في صدرها فاقضها وأزلها واجعل أيامها فرحًا وسعادة، اللهم أذقها صبرك وبرد عفوك وحلاوة حبك ولذة عبادتك، اللهم ربي استودعتك حياتها فاجلعها في سعادة.