«سلامٌ على إبراهيم.. قاد جيشه من نصر إلى نصر»، عبارة نقرأها محفورة على تمثال القائد إبراهيم باشا، الكائن بميدان الأوبرا بمحافظة القاهرة، بالبحث خلفها نرى اليوم في الأمس، كأن التاريخ يتجدد مرة أخرى في حرب مصر ضد كل تهديد لأمنها القومي، أو محاولة اضعاف تواجدها الاقليمي، تلك المحاولات التي دارت بدعم أهل الشر على مدار مئات السنين، لكنها تنتهي دوما إلى لا شئ!
"أستطيع أن أصل إلى الأستانة ومعي محمد رشيد باشا، وأستطيع خلع السلطان حالًا ومن دون صعوبة، لكني مضطر أن أعرف هل تسمح لي بتنفيذ هذه الخطة حتى أتذرَّع باتخاذ الوسائل اللازمة"
نص الرسالة التي أرسلها إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا حينما قارب على دخول الأستانة، بعدما حقق انتصارات كبيرة على الدولة العثمانية في حمص وقونية وبيلان وكبد الدولة العثمانية أكثر من 30 ألف قتيل و60 ألف أسير، وغيرها من الخسائر التي كادت أن تنهي وجود الدولة العثمانية.
أقدم "محمد علي" على تدعيم شخصيته وجعل مصر ذات طابع خاص، فقام بإنشاء أول نواة للجيش المصري بأسوان، ومع تصاعد حدة الخلاف مع الدولة العثمانية أرسل محمد علي القائد إبراهيم لمحاربة العثمانلي، وفي المجمل فإن عدد حروب مصر ضد تركيا العثمانية وصل إلى 6 معارك من الشام حتى حدود الدولة العثمانية. أحست الدولة العثمانية بضعفها الشديد مقابل الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا، فطلبت من أوروبا التدخل لحل الأزمة، وكانت هذه الضربة القصوى لجيش مصر، ومحمد علي الذي تحجم طموحه ودوره في المنطقة، وخاب أمل إبراهيم باشا الذي ظل كثيرا يعاتب أبيه على عدم تركه مواصلة انتصاراته ضد العثمانيين. وتوفى إبراهيم باشا في 10 نوفمبر 1848م في حياة والده، ودُفن في مصر، وعلى تمثاله دون «سلامٌ على إبراهيم.. قاد جيشه من نصر إلى نصر».
انتصار ابراهيم باشا الساحق في معركة قونية ضد العثمانلي كان سببا في تحرك مخاوف الغرب المستعمر في ذلك الوقت، وتحركه لوقف توغل الجيش المصري في الأراضي التركية، بعد أن اقترب الجيش المصري أو كاد من اسقاط الدولة العثمانية، لكن ما حدث بالأمس من سيطرة على تحركات الجيش المصري لحماية حدوده وحماية الأمن القومي المصري المرتبط باستقرار دول مجاورة مؤكد لن يتكرر مرة أخرى، فالأمن القومي المصري خط أحمر، هكذا أكد الرئيس عبد ا لفتاح السيسي في جميع خطاباته للشعب، وللجيش المصري العظيم!
الاحتلال العثماني للدول العربية وجرائمه في مصر وفي دول الجوار وفي العالم غير خفية على أي باحث مدقق، غير خافية على أي وطني أمين محب لوطنه، لكنها بالتأكيد خافية على العملاء الذين باعوا ضمائرهم وأوطانهم بأبخس الأثمان، لذلك يحاولون تمجيد المستعمر العثمانلي ومحاولة إحياء الحديث عن أمجاده المصطنعة مرة أخرى، سواء بكتابات للتاريخ غير أمينة، أو تقديم دراما وسينما تركية تزيف الحقائق، أو اللعب على المصطلحات، ومحاولة إيهام المصريين والعرب أن التواجد العثماني لم يكن احتلالا، بل فتحا، مثل الفتح العربي لمصر، غير أن الفرق شاسع، وكما أن هناك مزيفون للتاريخ، ومزورون ومأجورين، هناك محبون لأوطانهم، هناك من يدركون بطولة جيوشهم في حماية الأرض، وحماية الأمن القومي لدولهم، حتى لو اقتضى الأمر تنفيذ عمليات عسكرية خارج الحدود المصرية!
ما حدث بعد معركة قونية من تقويض الصعود المصري؛ بسبب التخوفات من قوة الجيش لن يتكرر مرة أخرى، إن حاولت أي جهة أيا كانت تهديد أمننا القومي، أو تهديد الأمن القومي للأشقاء العرب، شركاء اللغة والتاريخ والدين والهوية، لن تجد وقتها غير رجال لا يهابون الموت، لا يعرفون سوى حب الوطن، يقدمون أرواحهم قربانا للوطن، في سبيل نهضته!
وإذا كان الجيش المصري العظيم، وقائده الأعلى، الرئيس عبد ا لفتاح السيسي، على أهبة الاستعداد لتقديم تلك التضحيات، فذلك العدد من مجلة الهلال محاولة للمشاركة بالقلم، في الدفاع عن الهوية المصرية والعربية ضد كل محتل ومستعمر، محاولة شارك فيها أكثر من خمسون باحث، ومفكر، وناقد، وأستاذ تاريخ، من مصر والوطن العربي، من السعودية، والعراق، ولبنان، والسودان، وليبيا، والأردن، وفلسطين، وتونس، كشفوا فيها محاولات العثمانلي، في أثناء فترة الاحتلال للمنطقة العربية، لتجريف الهوية، والتفريغ الثقافي والعلمي، من أجل اضعاف الدول العربية، حتى لا يملك أبنائها القوة الثقافة والفكرية التي تدفعهم لمقاومة المحتل، غير أن محاولاتهم جميعاب باءت بالفشل، وهذا ما نوثقه في ذلك العدد الهام، الذي حرصت فيه الهلال على استقصاء الحقيقة، بأقلام أهم الباحثين في مصر والدول العربية