الجمعة 27 سبتمبر 2024

فتح سقف الاقتراض من البورصات العالمية

26-4-2017 | 11:37

بقلم –  د. سلوى العنترى

أعلنت الحكومة يوم الأربعاء الماضى عن العودة لطرح سندات فى أسواق المال الدولية، للمرة الثانية خلال أربعة أشهر، بيان مجلس الوزراء أشار إلى الموافقة على رفع الحد الأقصى لإصدار السندات الدولارية التى تطرحها وزارة المالية، والبالغ خمسة مليارات دولار، ليصبح سبعة مليارات، بيان مجلس الوزراء أكد أن هذا الإجراء يأتى “فى إطار سعى وزارة المالية للحصول على تمويل إضافى لمواجهة ارتفاع أسعار الفائدة فى السوق المحلى، ويسمح فى الوقت نفسه بزيادة رصيد الاحتياطى النقدى من الدولار الأمريكى لدى البنك المركزى”.

طبعا نبادر إلى القول إن قرار مجلس الوزراء يأتى فى سياق السياسة التى تتبناها وتعلن عنها وزارة المالية منذ عدة سنوات، بالتوسع فى اللجوء لأسواق المال الدولية لسد عجز الموازنة، تحت شعار تنويع مصادر التمويل وتخفيض تكلفة القروض الحكومية، باعتبار أن أسعار الفائدة على النقد الأجنبى أقل كثيرا من سعر الفائدة على الجنيه المصرى. ودأبت وثائق الموازنة العامة خلال السنوات القليلة الماضية على التأكيد أن الحكومة عندما تطرح سندات للاقتراض من أسواق المال الدولية فإنها تفتح الباب لقطاعات الدولة المختلفة للجوء لتلك الأسواق كمصدر للتمويل. يعنى باختصار الحكومة تتبنى سياسة الاقتراض من الخارج وتشجع قطاعات الدولة المختلفة على أن تحذو حذوها!

والملاحظ أن إعلان مجلس الوزراء عن رفع سقف الاقتراض من أسواق المال الدولية، قد اقترن بالإشارة باعتزاز بالغ إلى إقبال المتعاملين فى البورصات العالمية على إقراضنا، فكل من وزير المالية ورئيس مجلس الوزراء لا يخفيان اعتزازهما بأنه عندما طرحت مصر سندات فى بورصة لوكسمبورج فى يناير الماضى كانت الحكومة تستهدف اقتراض ٢.٥ مليار دولار، إلا أنها تلقت طلبات بأكثر من ١٣ مليار دولار.. وبالتالى اقترضت ٤ مليارات، الرسالة ببساطة هى طالما أن نهر الاقتراض من خلال البورصات العالمية موجود وعامر، فلماذا لا نغرف المزيد؟

سياسة التوسع فى الاقتراض من الخارج أدت إلى ارتفاع الدين الخارجى لمصر من ٤٦ مليار دولار فى نهاية يونيو ٢٠١٤ إلى أكثر من ٦٧ مليار دولار فى ديسمبر ٢٠١٦، والجزء الأكبر من تلك القفزة حدث خلال الفترة يونيو – ديسمبر ٢٠١٦، أى خلال ستة أشهر فقط! نسبة الدين العام الحكومى إلى الناتج المحلى الإجمالى والتى كانت تدور حول ٩٥٪ على مدى السنوات القليلة الماضية يتوقع أن تصل إلى ١٠٤٪ فى يونيو القادم، وفقا لتصريحات وزير المالية.

المفارقة العجيبة أن برنامج “الإصلاح الجريء” الذى نشعر جميعا بوطأته على تكاليف المعيشة ومعدلات الفقر يستهدف - كما تؤكد لنا الحكومة- تخفيض نسبة الدين العام للناتج المحلى.. لكن الواضح أننا نصبر ونتحمل صاغرين من أجل سراب، فبعد قرار التعويم ارتفع المعادل بالجنيه المصرى لكل قرض خارجى جديد إلى الضعف. الاستمرار فى ارتفاع المكون الأجنبى فى الدين الحكومى يؤدى بذاته إلى رفع إجمالى ذلك الدين بالجنيه المصرى ورفع قيمة فوائده وأقساطه التى تتحملها الموازنة العامة للدولة. بيانات وزارة المالية توضح أن فوائد الدين الحكومى الخارجى، التى تحملتها الموازنة العامة خلال سبعة أشهر فقط من السنة المالية الحالية، تجاوزت قيمة الفوائد التى تم تحملها خلال السنة المالية الماضية بأكملها!

هل تصر حكومتنا على تكرار تجربة اليونان؟ مشكلة اليونان أنها ظلت لسنوات عديدة تعتمد فى تمويل النمو على التمويل الخارجى من البنوك وأسواق المال الدولية. عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨ وانحسر التمويل الخارجى وارتفعت تكلفته، لم تكن المشكلة مجرد ارتفاع حجم الدين العام لليونان، بل إن ٦١٪ من ذلك الدين كان مستحقا للبنوك الأجنبية وأسواق المال الدولية. هل تعرفون ماذا حدث لليونان بعد مضى سبع سنوات متواصلة من السياسات التقشفية وبيع الأصول الوطنية؟ ارتفعت نسبة الدين الحكومى للناتج المحلى الإجمالى من ١٣٠٪ إلى ١٨٠٪!

المواطن المصرى يتخوف من زيادة الديون الخارجية وعبء سدادها. الديون الخارجية لمصر، بغض النظر عن الجهة المقترضة، تمثل التزاما يتعين سداده خصما من موارد مصر من النقد الأجنبى. وطالما أن هذه الموارد محدودة وغير مستقرة فإن خدمة القروض الخارجية تمثل عبئا على حصيلتنا من النقد الأجنبى وضغطا على سعر صرف الجنيه.

أما الحكومة فتضع يدها فى المياه الباردة. تثق فى قدرتها على السداد! التكنيك الذى اختارته هو أن يقوم البنك المركزى بالحصول على النقد الأجنبى المتحصل عليه من القروض الخارجية ويعطى للحكومة مقابله جنيهات مصرية. النقد الأجنبى يظل فى الحفظ والصون ضمن الاحتياطيات الدولية. البنك المركزى من ناحيته تعهد فى اتفاقية قرض صندوق النقد الدولى بأن يقتصر ما يوفره من نقد أجنبى للحكومة على أغراض سداد مدفوعات خدمة الدين الخارجى، ويمكن خلال فترة انتقالية فقط أن يوفر لها النقد الأجنبى اللازم لاستيراد بعض السلع الأساسية. يعنى باختصار احتياطيات مصر الدولية «متحفظ عليها» لحساب مدفوعات الدين الخارجى.

تطبيق هذا التكنيك على القرض المزمع من أسواق المال الدولية يعنى طرح سندات بالدولار بأسعار فائدة يتوقع أن تتراوح فى المتوسط بين ٦٪ - ٨ ٪ ( كما حدث فى شهر يناير). يحصل البنك المركزى على حصيلة بيع السندات بالدولار ليضيفها إلى احتياطيات مصر الدولية ويعطى لوزارة المالية قيمتها بالجنيه المصرى. ولكن ماذا يفعل البنك المركزى فى تلك الاحتياطيات؟ طبقا لتعهداته فى اتفاقية قرض الصندوق، يتم إيداعها لدى أفضل البنوك الأجنبية فى الخارج واستثمارها فى أدوات الدين الدولية الممتازة وعلى رأسها أذون الخزانة الأمريكية. يعنى باختصار نستلف بفائدة ٦٪ - ٨٪ كى نحصل على نقد أجنبى نستثمره بعائد ١٪ - ٣٪ ! ماذا نقول؟ يبدو أن هذا هو مفهوم الحكومة لإصلاح إدارة الدين العام.