الثلاثاء 21 مايو 2024

العمليات النفسية وتزييف الوعى السياسي

فن2-11-2020 | 17:28

على الرغم من كون العمليات النفسية ظاهرة من ظواهر القرن العشرين والقرن الحادى والعشرين وأحد أعمدة الحروب الحديثة، إلا أنها ليست حديثة العهد كما يظن البعض، ولكن تمتد جذورها إلى أحقاب بعيدة وقديمة قدم الوجود البشرى ذاته، حيث كانت أول حملة نفسية تلك التى شنها إبليس تجاه آدم  و حواء لإقناعهما بأكل ثمار الشجرة مما تسبب فى عصيان أوامر رب العزة وعقابه لهما بالخروج من الجنة  

" وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ" (البقرة 35) أي أن الشيطان هو من أسس لمفهوم الحملات النفسية لإقناع غيره بإيذاء نفسه، وإذا كانت الحروب  الحديثة تعنى من وجهة النظر العسكرية والسياسية  أن ألمعارك تشمل كل الجهات  وكل ما أمكن  استخدامه من أسلحة ووسائل حديثة بالسرعة والكثافة التى يترتب عليها الحدة فى تغيير مواقف المعركة، فإنه من وجهة نظر العمليات النفسية تعنى فى مفهومها الشامل استخدام كل القوى المتاحة (سياسية / اقتصادية / عسكرية / اجتماعية ) لخلق موقف معين يؤدى استغلاله إلى تفتيت معنويات وإرادة العدو  وبشكل يجبره على قبول الشروط المفروضة عليه.

ويختلط على البعض مفهوم العمليات النفسية مع مفهوم الحرب النفسية الذى يختلف اختلافا واضحا من حيث الأساليب والتكتيكات المستخدمة ونوعية البشر المستهدفين ولذلك يمكن لنا أن نوضح أن العمليات النفسية هى " استخدام مخطط من دولة أو مجمـوعة دول للدعاية بإجراءات إعلامية موجهـــة إلى جماعات عدائية أو محايدة أو صديقة للتأثير على آرائها وعواطفها وسلوكها ومواقفها بطريقة تساعد على تحقيق سياسة وأهداف الدولة المخططة" ومن هنا هذا المفهوم يتضح لنا أن هناك أهدافا واضحة للعمليات النفسية منها  أهداف اجتماعية الغرض منها تشكيك المواطن فى إدارة شئون الدولة أو التشكيك فى كفاءة القوات المسلحة والشرطة  ودق أسافين التفرقة بين طوائف المجتمع لا سيما وإن كان مجتمعا متماسكا له شكل وطابع الاتحاد والتمركز والدفاع عن الوطن  عند الشعور بالخطر، مثل المجتمع المصرى. أما الأهداف السياسية للعمليات النفسية فأهمها تزييف الوعى السياسي للمواطنين، ومثال على ذلك ما تنتهجه بعض الدول مثل الدولة التركية  فى تصدير صورة لمواطنيها وكذا دول الوطن العربى نحو عدائها لدولة إسرائيل خلافاً لحقيقة ظاهرة واضحة ان حجم التبادل التجارى بين الدولتين يتخطى حاجز الأربعة مليارات دولار، وكذا التبادل الثقافى والسياحي، ولن أتكلم عن التعاون العسكرى وتنفيذ المناورات الحربية المشتركة بينهما، وهو أمر لا يمكن أن نصدق معه أنهما فى حالة عداء إلا أن تصدير الصورة الذهنية للمجتمع العربي دائما يزيف الحقيقة، وعلى صعيد آخر تم تصدير الصورة الذهنية لصراع الدول الكبرى فى سوريا على أنها ذهبت بقواتها المسلحة لنجدة الشعب السورى وتحريره من ظلم الحاكم، وفى الحقيقة أن كل هذه الدول الكبرى كانت ولا تزال فى صراع حول إمكانية مد أنبوب الغاز الطبيعى من دولة قطر إلى أوروبا، أو مد أنبوب آخر من إيران إلى أوروبا ليتقاطع الأنبوبان المزعومان فى الأراضى السورية المنكوبة وهو ما اكتشفه العالم مؤخرا بعد الإعلان عن ثروات الغاز الطبيعى فى البحر المتوسط، فاختفى الصراع فى سوريا ولم نعد نسمع عنه شيئاً يذكر،  وحتى تتمكن العمليات النفسية من تحقيق أهدافها نجدها تعتمد على أربعة مبادئ رئيسية مهمة أولها "دقة المعلومة " وفيها يكون المخطط للعملية لديه معلومات مؤكدة عن ما سيتم الترويج له، وثانيها " استغلال الحاجات" وفيها يكون هناك استغلال لمشاعر الناس واحتياجهم لمتطلبات أساسية كالطعام، أو الخدمات، أو الحريات، كما تم التعامل فى سوريا المنكوبة كما أشرنا سابقاً، وثالثهما " التوقيت المناسب"، ويمكن أن نتذكر جميعاً فى بداية المواجهات مع الإرهاب فى مصر أننا كنا نجد بعد كل هجوم إرهابى على قواتنا المسلحة حملات ممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعى للتشكيك فى قدرة القوات المسلحة أو محاولات النيل من الشباب وحثهم على الهروب من التجنيد، ورابعها " الاستمرارية"، فلا يمكن للعمليات النفسية أن تنجح إلا إذا كانت هناك خطة للاستمرار فى حملات التشكيك الممنهجة والمتنوعة، فتجد حملات تشكيك فى مشروعات الدولة أو حملات لبث روح الإحباط في كل ما يتم إنجازه على أرض الواقع من مشروعات تنموية أو مشروعات قومية.

وعلى هذه الأسس والمبادئ الأربعة يتم التخطيط لحرب الشائعات التى تعتبر إحدى أذرع العمليات النفسية الناجحة وهى الأقدم والأعلى تأثيراً فى المجتمعات، ويمكننا أن نوجز مفهوم الشائعة فى الآتى " خبر أو مجموعة أخبار زائفة ( بها شىء من الحقيقة – كاذبة تماماً ) تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتُتداول بين العامة طبقا لنوعها لتحقيق هدف معين رُوجت من أجله  ( إحباط - تكذيب – تسفيه – أمل – اغتيال معنوي  ,,,,,, إلخ )" كما تعتمد الشائعات على أساس زمنى، فتجد بعض الشائعات سريعة الانتشار وأخرى بطيئة، وأخرى غاصة، أي انها تختفى وتظهر على فترات متباعدة، كما أنها دائما ما تعتمد على القابلية للإيحاء والاستعداد النفسي لتقبل اى أكاذيب إذا ما كانت تتماشى مع الوضع النفسي للفئة المستهدفة من الشائعة.

 

أما مفهوم الحرب النفسية فهو مختلف تماما مع مفهوم العمليات النفسية، ويمكن تعريفها بأنها " استخدام أى وسيلة دعائية إعلامية بهدف إحباط الروح المعنوية للمقاتلين (القوات المسلحة – الشرطة) " أى أن الحرب النفسية تستهدف الحالة المعنوية للعسكريين أو من يحملون السلاح للدفاع عن الوطن.

وعلى الرغم من أن (العمليات – الحرب) النفسية  قد تتشابه أشكالهما، إلا أن طرق وأساليب ووسائل الترويج لهما واحدة فى العصر الحديث وهى (مواقع وشبكات التواصل الاجتماعى )، وهو ما يستلزم التنبيه والتحذير منها فى تناقل الأخبار وتداولها ويتطلب مننا جميعا الحرص والحذر فيما  نقرؤه ونقوم بإعادة نشره دون تفكير، وأن نلتزم بالمواقع الإلكترونية والمنصات الرسمية للدولة لا سيما فيما يتعلق بموضوعات الأمن  القومى المصرى حرصاً منا على أمن وسلامة وطننا الغالي مصر.