الأحد 19 مايو 2024

الوعي بخطورة الجماعات المتطرفة

فن2-11-2020 | 17:44

الآن وبعد قرابة سبعة أعوام من مواجهة الإخوان وأخواتها من الجماعات المتطرفة الإرهابية أمنيًا، ها نحن نكتشف أن المواجهة الأمنية فحسب غير كافية، ليس لتقصير الأمن، لكن لتجاهل باقي مكونات المواجهة، فنحن في حاجة ماسة لتكوين وعي وطني يدرك خطورة الجماعات المتطرفة على المجتمع وعلى الفرد وعلى الدين، ويعرف حيل تلك الجماعات للنفوذ للأفراد وللمجتمعات والمؤسسات.

قد يبدو للوهلة الأولى أن الحديث عن خطورة الجماعات الإرهابية سهل وميسور، فيكفي ترديد كلمات أنهم مخربون وإرهابيون. .إلخ، ونحن نظن أننا هكذا نصنع وعيا بخطورتهم، في حين أن تأثيره لا يتعدى ساعات، الصعوبة الحقيقية في تجهيز مواجهة شاملة لتلك الجماعات - فكرا وتنظيما وأثرا-   الصعوبة الفعلية؛ في تكوين وعي قومي وطني يمنع عودتهم ثانية، فقد توغلوا في المجتمع  لعقود كثيرة وتركوا بصمات في أسر كثيرة، وهؤلاء سيمهدون لهم الطريق للعودة، حتى دون أن يقصدوا، هؤلاء لأسباب مختلفة لن يصدقوا أنهم إرهابيون ولن يصدقوا أنهم خطر، وسيهدمون كل ما يقدمه الإعلام الأمني حول خطورتهم، لذا المهمة الحقيقية حاليا تربية النشء على رفض أفكار الجماعات وأن الإسلام بالنسبة لهم مجرد قناع يختبئون خلفه،, التعرف على الدور الهدام الذي مارسوه ويمارسونه حاليا وسيمارسونه مستقبلا إن سمحنا لهم بالعودة.

أتخيل أن على المجتمع القيام بحملة لكشف خطورتهم  على كافة المسارات التربوية والمهنية وملامح تلك الحملة  كالتالي:

 أولا التعريف بخطورة الجماعات الإسلاموية  :

تتعدد خطورة الجماعات المتطرفة وتتفاوت في عمق الخطورة ، لا تكتشف هذه الخطورة إلا في نهاية التجربة وقد جربت الأمة المصرية الجماعات الإسلاموية أكثر من مرة وفي أكثر من مرحلة وفي كل الأحوال تسببت في أضرار متعددة منها على سبيل المثال :

 

خطورتهم على المجتمعات:

المجتمعات لا تنشأ من فراغ بل تتكون من أفراد وأسر، بينهم علاقات اجتماعية وترابط قوي، غالب المجتمعات تقوم على مبادئ خاصة بها وقيمة تحترمها ودين يجمع شملها، ومن القيم المجتمعية الانتماء قديما كان للقبيلة واليوم سار للوطن ، الفرد في حاجة دائمة للشعور بإحساس الانضمام داخل مجموعة اجتماعية تشعره بالأمان، وتوفر له حاجاته الأساسية، ومع تطور المجتمعات تولت مؤسسات الدولة توفير تلك الحاجات، الجماعات المتطرفة  لا تؤمن بالانتماء ولا تؤمن بالمؤسسات وتقدم نفسها كبديل للانتماء، هنا الخطورة  لأنه بسهولة يتحول المواطن  إلى عدو من الداخل ينهش في جسد الأمة والمجتمع ويعمل على إسقاط المؤسسات فلا تؤدي دورها وهو يظن أنه يعمل عملا صالحا ، والأشد خطورة أنه يظن أن ما يقوم به هو ذات ما يأمر الله به عباده ، وكل من يحاول إيقافه يراه ضد الإسلام ، وبالتالي كل من هو ضد الإسلام فهو مستحل الدماء، ومع شيوع أفراد من المجتمع يؤمنون بهذه الأفكار الهدامة، ولأنهم ليسوا جماعة واحدة يتحول الانتماء لجماعتهم الانتماء الحقيقي الذي يرضى الله عنه، وبالتالي يستحلوا دماء المجتمع ويستحلوا دماء بعضهم البعض ، ويصبح المجتمع فاقدا للسلام الاجتماعي وجاهزا للاحتراب الداخلي، الذي قد ينفجر في أي لحظة وعلى أسباب تافهة، وجود جماعات التطرف الديني  على مر العصور  كان سببا في ضعف مؤسسات الدولة وضعف الدور الرقابي الشعبي  وبالتالي حرب أهلية واستنزاف للطاقات البشرية والمالية والفكرية.

خطورة الجماعات على الأفراد :

يعيش الفرد في مجتمعه حرا طليقا، يتقبله المجتمع ما دام يتعامل وفق القانون والأعراف بشكل معتدل، ويتغاضى المجتمع عن بعض تجاوزات،  لكنه يظل يحنو على المواطن ما دام يعيش وفق القواعد المجتمعية ولا ينظر لانتماءاته الحزبية ولا لدينه ولا للونه، لكن مع انضمام الفرد لتلك الجماعات قد يشعر في البداية أنهم يوفرون له الحماية أكثر من المجتمع ، لكنهم على المدى البعيد يجعلونه أسيرًا لديهم فلا يعرف أصدقاء غيرهم ولا يعمل إلا في مؤسساتهم ولا يجب أن يتعايش مع غيرهم ، ويشددوا الخناق عليه ولا يقوى على الفكاك منهم، كما أنهم يسلخونه من أسرته الطبيعية التي منها نشأ فلا يمكنه العودة ويظل أسير تدينهم المغشوش وأفكارهم  الهدامة  ويكون ضحية عملياتهم الإرهابية في مرحلة تالية، أو شخصا انتحاريا يفجر نفسه لأجل مشروع غير وطني وغير ديني.

خطورة الجماعات على الدين :

يعتمد الدين الإسلامي على أصول ثابتة، القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الصحيحة، والعديد من التفسيرات البشرية للقران الذي هو حمال أوجه، وجمال الدين الإسلامي أنه يسمح بتعدد الآراء وتعدد الأفهام، لهذا نشأت المدارس والمذاهب الفقهية، وفي تعدد الأوجه "بحبوحة" للمسلم فالاختلاف أمر فطري طبيعي، لكن الجماعات المتطرفة لا تقدم الدين بهذا الوجه السلس بل تقدمه برؤية أحادية لا يتعداها، ولا تقبل التنوع الفقهي، وكل جماعة ترى نفسها صاحبة الفهم الصحيح للدين، وأن طريقها وممارساتها هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ مراد الله من الرسالة النبوية الشريفة، وهذا في حد ذاته كارثة على الدين أن يتم تقليص الدين ذي الأوجه المتعددة إلى وجه واحد، هذا قتل للدين السمح، هذا إساءة للدين الإسلامي المنزل، هذا تخريب لتراكم المعرفة الإسلامية عبر قرون عديدة، لهذا فتلك الجماعات خطرة جدا على الفرد وعلى المجتمع بمؤسساته وعلى الدين بتحويله من دين سمح إلى دين متعصب لا يقبل الاختلاف والتنوع.

ثانيا الوعي بأساليب تجنيد الجماعات  :

من عرف لغة قوم أمِن مكرهم، هكذا تعلمنا في الصغر، وإننا حين نتعلم أساليب الفصيل المتطرف في تجنيد أبنائنا من وسط المجتمع، فإننا لا نضعفه فقط بل نقوي مجتمعنا، فالعضو الذي ينتمي لتلك الجماعات إضافة لهم وخصم من المجتمع، ولا يجب أن نعرف أن الذئب سيرتدي ثوب الحمل، ولن يصرح أبدا أنه ذئب وعليه لا تتوقع أن يقوم شباب الجماعات المتطرفة بالإفصاح عن نهايتهم المتوقعة من أول لقاء، ثانيا سيتم استخدام الدين كوسيلة لاستدراج الشباب والفتيان الصغار تحت الزعم بتعليمهم الدين وتدريبهم على حسن الخلق ، وكثير من الآباء والأمهات لن يكون لديهم اعتراض على هذا تحت الزعم أن هذا أفضل من أن يضيع الولد بين أصدقاء السوء ويشرب مخدرات أو ينحرف سلوكيا إلخ. 

مرحلة التجهيز:

يجب أن تعرف أن الإخوان هي من تختار من تقوم بتجنيده وليس العكس، فكل من يطلب الانضمام لا يثقون به، وهم يدرسون الأسر والأفراد المطلوب تجنيدها، ثم ينصبون شباكهم حوله، عبر دعوته إلى المسجد لتعلم تلاوة القرآن الكريم، وإذا كان موهوبا في الشعر يدعونه ليقول شعره أمامهم، وإن كان يحب التعلم فيدعونه ليستمع إلى محاضراتهم، ويحيطونه بمجموعة من الشباب يقدمون له الخدمات الصغيرة  ليرتبط بهم.

تغيير البيئة الاجتماعية:  وفيها يقوم الإخوان بعمل حسب الظروف الأمنية، بنشر دعايتهم التي تقوم على الهجوم على الأوضاع الأخلاقية السائدة، وأن على المسلم أن يتحلى بالخلق القويم، وعلى ضرورة مصاحبة المسلم للصالحين لإعانته على الطاعات.

وبالنسبة للتلاميذ في المحلة الابتدائية يشجعونهم ويوفرون لهم مجموعات التقوية في المساجد، أو يقومون بتنظيم مسابقات بسيطة ويسيرة وليس فيها أي شك من أي نوع، المطلوب في هذه المرحلة الارتباط بالشخص الذي سيقوم بتجنيده فيما بعد؛ وبالنسبة لطلبة للمرحلة الإعدادية والثانوية تقوم الجماعات المتطرفة بإقحام مجموعة من الشباب حول الشخص المراد تجنيده وملاحقته ببعض المعونات البسيطة مثل مذكرة درس يتم شرحه، أو كتاب هدية، ونزهة مدفوعة الأجر للفقراء، من المهم في هذه الفترة أنهم سيسعون للالتصاق بالفرد المقصود ويعملون على عزله اجتماعيا بالتدريج عمن حوله، أسرته وأقاربه وأصدقائه القدامى، ومعيار النجاح في تلك المرحلة أن يستجيب لطلب الإخوان حتى لو تعارض مع طلب أصدقائه.

 

تغيير الوجدان:  يبدأ الإخوان بتغيير وجدان الأفراد الذين وقعوا تحت تأثيرهم، فيبدأ يجعلهم يكرهون رموزا بعينها ، مثل طه حسين والعقاد وبعض الإعلاميين ، ورموز الفكر، عبر دس مقولات عليهم تعتبر تكفيرية وإلحادًا، ويبدأ يقرب ويحبب إليهم شخصيات إسلامية في التاريخ الإسلامي  والتاريخ القريب، منها محمد بن عبد الوهاب  وحسن البنا، ثم في ذات المرحلة يكثر الحديث عن العمل الإسلامي وضرورة العمل للإسلام ، مع التأكيد عن أن المسلمين لم يعودوا مسلمين بالشكل الصحيح، وأن على الإنسان أن ينكر كل التصرفات غير الإسلامية  على الأقل بقلبه، فيجد الفتى نفسه لا يطيق زوجة عمه لأنها متنمصة أو تضع برفانًا أو لأن طرحتها صغيرة، أو لأن ابنة خالته تضع "ميك أب" ولو بسيطا، فكل هذه الأمور جعلته يكره فاعلها ويكون بينه وبينهم حاجز من منطلق التزامه الإسلامي، ثم رويدا تصبح الجماعة  أحب الناس إليه ويعتقد أنهم أفضل الناس، ومعيار النجاح في تلك المرحلة أن ينقطع اجتماعيا ووجدانيا عن بيئته في المقابل يزداد تمسك بالجماعة.

تغيير الوعي:  بعدما تأكدوا أن فريستهم قد انفصل كثيرا عن بيئته اجتماعيا ووجدانيا، يقوم الإخوان بتكوين وتشكل وعي خاص بهم، هذا الوعي يقوم على تعريف جديد للعدو وللصديق ، وللإسلام وللأخلاق، وللجماعة، وللمسلمين، أما العدو فهم رجال الدولة لأنهم يمنعون الإسلاميين من ممارسة الإسلام الصحيح، وأن العمل في مؤسسات الدولة حرام شرعا، أما الصديق فهو كل من يساعد الإسلاميين في إقامة الحكم الإسلامي، وأما الأخلاق فنسبية وأن الكذب على الأب والأم الرافضين للإخوان فحلال وأن القسم بالله أمام الأمن فهو حلال وأن رمي التهم على الآخرين فهو حكمة، وأن التقية من الإسلام، أما الجماعة في جماعتهم وأما الإسلام فقد عاد غريبا، كما كان في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن التخفي فريضة وأن التجسس لصالح الإسلام الذي هو الجماعة فحلال بل مطلوب، وبالتالي فكل مصيبة تقع على مؤسسات الدولة فهي خير وبركة ولصالح الإسلام، أن الجيش هو جيش الطاغوت وهم جنود فرعون، يستحقون العقاب والعذاب، ويقنعونهم أن الشيوخ كل الشيوخ علماء سلطة ومنافقين، وأن الناس كل الناس تحتاج للتربية على الإسلام من جديد، وأن هذه هي مهمة الإخوان، ويقنعونهم أن مشقة الحياة التي نعيشها وشظف العيش إنما هو عقاب من الله لأننا استبعدنا الدين من حياتنا، وأننا لو آمنا كما آمن الأوائل سيغدق الله علينا من البركات، مؤولين قوله تعالى" لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ، ولو قال لهم  أحد إن هذا يخص من أنزل فيهم الآيات الكريمة وإننا مسلمون ومؤمنون، قالوا لسنا مؤمنين بالشكل الكافي، وأن الإيمان المطلوب لتنزل البركات هو إيمان الإخوان، فإيمان الناس مخدر نائم أما إيمان الإخوان فيقظ وفعال، معيار النجاح في تلك المرحلة أن يرى ما تراه الجماعة وأن يوقف عقله عن العمل  والاكتفاء بعقل الجماعة فهم أكبر وأكثر وأصوب.

 

 

 

مرحلة الانضمام:

هكذا إلى أن يصبح الفتى جاهزا للدخول في الجماعة، وتبدأ مراحل ضمه لصفوف التنظيم، التي تبدأ بالمؤيد والمؤيد قوي ثم المنتسب ثم المنتظم ثم العامل والمجاهد، وفي كل مرحلة يتخلى الفرد عن جزء من ذاته ومن انتمائه لوطنه ومن وعيه بأمته ودولته ومجتمعه، رويدا رويدا حتى يسهل عليه أن يفجر أفراد الكهرباء التي تمول المستشفيات والبيوت بزعم الانتصار للإسلام، يضعون القنابل في المساجد وأقسام الشرطة والكنائس ودواوين المحافظات يطلقون الرصاص على من يرونه ضدهم، لأن من كان ضدهم فهو ضد الإسلام بالضرورة ، كل هذا بدأ  يوم أن قابل شاب مهندم ملتزم دينيا ابنك أو ابني وقال له إنك ولد مؤدب تعالَ إلى المسجد لنحفظ القرآن الكريم،  وأنت أو أنا قبلنا دون أن ندرك خطورة ما بعد هذا اللقاء،  دون أن نعلم  ابنك أو ابني كيف يفرق بين تعلم الدين والانخراط في صفوف الجماعات، دون أن نصنع وعيًا مجتمعيا بخطورة الجماعات الإرهابية والمتطرفة.

 

اللهم قد بلغت اللهم فاشهد