يمثل
الشباب النسبة الأكبر من الجمهور المستهدف للسينما منذ ظهورها، لذلك فصناع السينما
دائما يهتمون بالمشاكل والقضايا التي تخص الشباب من أجل ضمان الإقبال على شباك
التذاكر، ومن أجل التعبير عن قضايا مجتمعهم.
ولأن السينما
بالفعل لا تنفصل عن المجتمع، وتمثل انعكاسا لأحواله الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية، فقد تغيرت صورة تعبير السينما عن قضايا الشباب في مصر عبر المراحل
المختلفة، باختلاف هذه المشاكل، وباختلاف مستوى الإنتاج السينمائي في كل فترة ومدى
اهتمامه بالقضايا الحقيقية والتعبير عنها.
ففي البدايات
كانت السينما المصرية بعيدة عن القضايا
الواقعية، ولم تناقش المشاكل الحقيقية للشباب، وكانت السمة الغالبة على الأفلام الأعمال
الاستعراضية، وقصص الحب بين الرجل الغني والمرأة الفقيرة على غرار "سندريللا،
كما كانت كثير من الأفلام منقولة عن أصول أجنبية أو مقتبسة عن روايات عالمية، ولم
يقترب من الواقع سوى أفلام قليلة جدا منها فيلم "لاشين" للمخرج فراتز
كرامب الذي أنتج عام 1938، ولم يسمح بعرضه إلا بعد إجراء تغييرات كبيرة على
القصة الأصلية ، وفيلم
"العزيمة" 1939 للمخرج كمال سليم، رائد الواقعية في السينما المصرية.
أما في
الخمسينيات، فكان هناك اتجاه نحو التعبير عن الطبقات الكادحة، تماشيا مع التوجه الاشتراكي العام للدولة، لذلك ناقشت السينما مشاكل
الشباب الجامعي المغترب وعجزه عن توفير المصاريف بسبب الفقر في فيلم "أيامنا
الحلوة" عام 1955، تأليف وإخراج حلمي حليم، وبطولة فاتن حمامة وعمر الشريف
وعبد الحليم حافظ وأحمد رمزي، وناقش فيلم
"إحنا التلامذة" للمخرج عاطف سالم عام 1959 مشاكل الشباب والمراهقة، من خلال ثلاثة نماذج
مختلفة للمشاكل التي يعاني منها الشباب قي سن المراهقة، الفيلم بطولة شكري سرحان
ويوسف فخر الدين وعمر الشريف وتحية كاريوكا.
وفي عام
1959 عرض فيلم “أنا حرة” بطولة شكري سرحان ولبنى عبدالعزيز، عن رواية إحسان
عبدالقدوس، وطرح الفيلم قضية تحرر المرأة مؤكدا
أنها لا تنفصل عن حرية الوطن.
في الستينيات،
كانت قضايا التحرر والوطنية وتضحية الشباب من أجل وطنهم المسيطرة على عدة أفلام ،
مثل فيلم "في بيتنا رجل" عام
1964 للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، والمخرج هنري بركات، بطولة عمر الشريف ورشدي
أباظة، وزبيدة ثروت وزهرة العلا.
في هذه
الفترة أيضا بدأ دور المرأة يصبح أكثر تأثيرا في المجتمع، بالخروج إلى العمل والدعوة إلى تحررها، فأنتج
فيلم “الباب المفتوح” (1963)، عن رواية للطيفة
الزيات، سيناريو وحوار يوسف عيسى، من إخراج هنري بركات، بطولة فاتن حمامة، وشويكار
ومحمود مرسي وحسن يوسف وصالح سليم، ويدور
الفيلم حول (ليلى) ابنة الطبقة الوسطى
التي تتمرد على قيود الأسرة والمجتمع الأبوي، وتبدأ رحلتها في البحث عن ذاتها.
ونوقشت قضية
حرية المرأة الشابة وحقها في العمل من خلال فيلم "مراتي مدير عام” (1966)، إخراج
فطين عبد الوهاب وبطولة شادية وصلاح ذو الفقار، وأرى أنه من أكثر الأفلام التي
أحسن التعبير عن حريتها وحقها في العمل بشكل تقدمي.
وبعد هزيمة 1967 ناقشت السينما مواجهة الشباب للهزيمة وإصرارهم
على الانتصار في فيلم "أغنية على الممر"، الذي أنتج عام 1972، تأليف علي
سالم سيناريو وحوار مصطفى محرم، وإخراج علي عبد الخالق، وبطولة محمود مرسي وصلاح
قابيل.
وفي
السبعينيات، تعرض فيلم «إمبراطورية ميم» للفنانة الكبيرة فاتن حمامة الذي عُرض عام
1972 وتناول مشاكل المراهقين وعلاقاتهم بأسرهم، عن طريق 6 أشقاء كل منهم يعيش فى
عالمه الخاص.
ومع تغير
السياسات في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتوجيه الانتقاد لنظام يوليو، بدأت
السينما مناقشة معاناة الشباب في عهد ثورة يوليو، في الموجة التي أطلقت عليها الأستاذة
خيرية البشلاوي "الكرنكة" نسبة إلي فيلم “الكرنك” الذي أنتج عام (1975)،
للمخرج علي بدرخان وبطولة سعاد حسني، ونور الشريف، حيث ناقش الفيلم معاناة الشباب
من القبضة الأمنية في عهد ثورة يوليو، وتبعه عدة أفلام منها “إحنا بتوع الأتوبيس″ (1979)، للمخرج حسين كمال، بطولة
عبد المنعم مدبولي وعادل إمام، وكذلك فيلم "طائر الليل الحزين" أول
أفلام السيناريست وحيد حامد، ومن إخراج يحيى العلمي وبطولة، عادل أدهم، ومحمود
مرسي، وشويكار، ونيللي ومحمود عبد العزيز.
ونوقشت
بجدية مجموعة من المشاكل التي يعاني منها الشباب، مثل تراجع قيمة العلم أمام المال
في فيلم "انتبهوا أيها السادة" عام 1980 إخراج محمد عبد العزيز
وبطولة محمود ياسين وحسين فهمي، وفي عام
1982 أخرج سمير سيف فيلم "غريب في بيتي"، لـ سعاد حسني ونور الشريف، الذي
ناقش عدة قضايا من بينها، أزمة السكن وأزمة الشباب
الذي ينتقل من الأقاليم للقاهرة، وكيفية التكيف مع هذا المجتمع الغريب.
وفي عام 1985 ، أنتج فيلم "الشقة من حق
الزوجة" للمخرج عمر عبد العزيز من تأليف فراج إسماعيل، وبطولة محمود عبد
العزيز ومعالي زايد، وناقش بشكل كوميدي قضية السكن، والصعوبات الاقتصادية التي
يعاني منها الشباب، وتدخل الأهالي في حياة أبنائهم المتزوجين حديثا.
وفي عام
1986 قدم عاطف الطيب فيلم "الحب فوق هضبة الهرم" وناقش مشاكل الشباب
محدود الدخل وعدم قدرته علي توفير مسكن للزواج، الفيلم مأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ
وبطولة أحمد زكي وآثار الحكيم، وفي نفس العام أنتج فيلم "كراكون في
الشارع" من تأليف أحمد الخطيب وإخراج أحمد يحيى وبطولة عادل إمام ويسرا، وناقش
مشكلة حياة الشباب في مساكن الإيواء، بعد
هدم منزل الأسرة وعدم قدرتهم على شراء
منزل جديد ، فيلجأون إلى فكرة المنزل المتنقل.
من
المشاكل التي ناقشتها السينما في هذه الفترة أيضا مشكلة الإدمان الذي انتشر بين
الشباب المصري وقتها، في عدة أفلام منها "المدمن"عام 1982 بطولة أحمد
زكي وعادل أدهم ومشيرة إسماعيل وليلى طاهر ونجوى إبراهيم، ومن إخراج يوسف فرنسيس، و"الكيف"عام
1985بطولة محمود عبدالعزيز ويحيى الفخراني ونورا وجميل راتب، و"الوحل"1987بطولة
نبيلة عبيد ونور الشريف ومجدي وهبة، ومن إخراج علي عبد الخالق.
وكانت قد
بدأت تظهر أيضا مشاكل اضطرار الشباب للهجرة من أجل توفير المال بعد تدهور الوضع
الاقتصادي في مصر، ومن الأفلام التي ناقشت هذه الظاهرة فيلم "ثمن
الغربة" الذي أنتج عام 1989، عن قصة لبسيوني عثمان، وإخراج نادر جلال، وبطولة
عادل أدهم وصابرين .
في التسعينيات،
ظهرت نوعية أخرى من المشاكل التي ناقشتها السينما، منها الطلاق، الذي بدأت معدلاته
ترتفع بين الشباب المتزوج حديثا في فيلم "إنذار بالطاعة" عام 1993، من
تأليف خالد البنا وإخراج عاطف الطيب وبطولة محمود حميدة وليلى علوي.
كما ناقشت
السينما قضية تطرف الشباب وانضمامهم للجماعات الإرهابية في فيلم "الإرهابي"
تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة وبطولة عادل إمام، ومديحة يسري.
وبدأت سنة
2000 بفيلم "أوقات فراغ"، الذي حقق إيرادات كبيرة رغم عدم وجود نجوم،
لأنه ناقش المشاكل الحقيقية للشباب ، ورحلة البحث عن أنفسهم بواقعية وصدق شديدين.
وفي 2001
أخرج مجدي أحمد علي فيلم "أسرار البنات" الذي كان جريئا في مناقشة
المشاكل التي تنجم عن علاقة جنسية بين شاب وفتاة في سن المراهقة.
وفي نفس
العام عرض العمل السينمائي، "فيلم ثقافي" ، تأليف وإخراج محمد أمين
وبطولة فتحي ىعبد الوهاب وأحمد رزق وطارق عبد العزيز وأحمد عيد الذي ناقش مشاكل تأخر سن الزواج عند الشباب بسبب
الظروف الاقتصادية.
وفي عام
2007، فوجئنا بفيلم "تيمور وشفيقة"، الذي ناقش مشكلة عمل المرأة، ولكنه
لم يكن تقدميا مثل "مراتي مدير عام" الذي عرض قبله بأكثر من أربعين
عاما، بل ناقش القضية من وجهة نظر ذكورية رجعية، وينتصر لرغبة الزوج في عدم خروج
زوجته إلى العمل، وتستقيل الوزيرة بالفعل من عملها،الفيلم إخراج خالد مرعي وبطولة
أحمد السقا ومنى زكي.
ومع تزايد
نسبة التحرش في المجتمع، ناقشت السينما هذه الظاهرة في فيلم “٦٧٨”، عام 2010،
تأليف وإخراج محمد دياب، وبطولة نيللي كريم وبشرى.
وفي عام
2010 عاد محمد أمين، لتناول المشاكل التي تواجه الشباب المصري في فيلم “بنتين من مصر”، بطولة أحمد وفيق وزينة وصبا مبارك، وتناول مشكلة
العنوسة، وأسبابها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وناقش
فيلم "إي يو سي" الذي عرض عام 2011، مشاكل الشباب في سن المراهقة.
اما في السنوات الأخيرة، فلم تناقش السينما قضايا الشباب
بجدية، حيث ابتعدت كثير من الأفلام عن الواقع المصري، وأصبحت تتشبه بالسينما
الأمريكية دون مراعاة لاختلاف االظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية.