من أهم الأخطاء الاستراتيجية والكبرى
للحركات الإسلامية المعاصرة في مصر وبلاد العرب والتي ينبغي علي الحركة الإسلامية
مراجعتها ما يلي:
أولاً:
الانزلاق السريع للحركات الإسلامية نحو العنف, وهذا ما يفرق بينهم وبين اليساريين
والاشتراكيين والليبراليين الذين يمكن أن يعارضوا الحكومات المتعاقبة ولكنهم لا
ينجرفون إلى العنف.
أما الحركات الإسلامية، فتنتقل سريعاً
ودون تريث أو حكمة ودون مبرر من المعارضة إلى العنف والاغتيالات والتفجيرات، فيقع
الصدام العنيف بينها وبين الدولة التي تجابهها دوماً بإجراءات استثنائية فائقة
الشدة.
ولذلك فمصير أبناء الحركات الإسلامية عادة
ما يكون القتل أو السجن الطويل والتشريد والضياع, في الوقت الذي ينجو الليبراليون
واليساريون والاشتراكيون من هذا المصير المظلم ومن هذه الأهوال, وقد تكون معارضتهم
أجدى وأنفع من معارضة الحركات الإسلامية التي تركز على الشق العقائدي فقط والديني
المطلق, أما هؤلاء فيركزون معارضتهم على استدامة الحريات والحقوق العامة ونقاء
الدستور ووقف الخروقات القانونية.
فقد عارض الجميع السادات بعد كامب ديفيد،
ولكن الحركات الإسلامية هي الوحيدة التي انزلقت إلى العنف واغتالت واحدًاً من أفضل
رؤساء مصر والذي نجح في معركة الحرب والسلام مع إسرائيل واستطاع استرداد أرضه
كاملة دون نقصان.
ثانياً:
أكبر أخطاء الجماعات الإسلامية شيوع التفكير بالتمني في أفرادها, فإذا أحب أحدهم
شيئاً رآه موجوداً ومنتصراً رغم هزيمته وغيابه, وإذا كره شيئاً تصور زواله وهزيمته
وهو ملء السمع والبصر ويحقق كل يوم انتصاراً بعد انتصار، إنه يعيش حالة من إنكار
الواقع ليعيش في عالم يتصوره لنفسه وغير موجود في الحقيقة.
الدوران حول مصالح الجماعات وقضاياها
الجزئية وعدم الدوران حول المصالح العليا للوطن وقضاياه الكلية.
ثالثاً:
تغليب فلسفة الانتقام في كل الفترات التي تعلو فيها الحركات الإسلامية ويسطع
نجمها, وكذلك تغليب خطاب الحرب على السلام, والانتقام على العفو, والكراهية على
المحبة مع تصنيف الناس عقائدياً وتغليب روح المفاصلة التي تبدأ شعورية ثم تنتهي
واقعياً وعملياً تأثراً بالأفكار القطبية التي كانت سبباً من أسباب انفصال الحركة
الإسلامية عن واقع الحياة.
رابعاً:
إرسال الحركات الإسلامية بشبابها الغض الذي لا يفهم شيئاً لا في السياسة ولا في
الجغرافيا ولا في العسكرية إلى بلاد لا يعرفها ليحارب فيها أطرافاً لا يعرفها, فيقتل
الآلاف من الفريقين دون هدف أو جدوى, ظنا من الحركات أنها ترسل أبناءها لمواطن
الجهاد المشروع مع أنها في الحقيقة ترسلهم لمواطن الفتنة المحرمة والتقاتل المحرم
والمذموم, فلا أرضاً إلا قطعوا ولا ظهراً أبقوا, وذلك ظاهر للعيان في سوريا وليبيا
وغيرها, فزادت المظالم وقتل الملايين وشردت الشعوب وانهارت الدولة وضاعت أموال
المسلمين وضاعت جيوشهم.
خامساً:
أخطر ما أصاب الحركة الإسلامية المصرية تخليها طواعية عن موقع الدعوة والهداية
وتحولها إلى حركة سياسية محضة تدور حول السلطة وتدندن حولها وتضحي من أجلها وتبذل
الآلاف من شبابها من أجل كراسيها, ظناً منها أن السلطة ستخدم الإسلام أكثر من
غيرها, رغم أن الواقع العلمي ينطق بالعكس.
قيادة الدولة بعقلية الجماعة مع الاختلاف
الكبير بين الدولة والجماعة من حيث التكوين والفقه وطرق القيادة والعلاقات
الداخلية والخارجية, وقيادة الدولة بعقلية وفكر الدعوة, مع الاختلاف البيّن
بينهما.
سادساً:
الخلط بين العقائدي الثابت والسياسي المرن المتغير, وبين المقدس والبشرى, والخلط
المعيب بين الأحزاب السياسية والجماعات الدعوية,بحيث ذابت المسافات تماماً بين
الجماعة الدعوية والحزب السياسي التابع لها, بل أصبحت هذه الأحزاب مجرد ذراع
سياسية للجماعات السرية.
سابعاً:
الخلط بين الإسلام المعصوم والحركة الإسلامية غير المعصومة, وبين الإسلام المعصوم
والإسلامي غير المعصوم, وبين الإسلام المعصوم والفكر والفقه الإسلامي غير المعصوم.
ثامناً:
تحالف الحركات الإسلامية السلمية مع تنظيمات لها أفكار تكفيرية ومسلحة وتسير على
نهج "القاعدة", وتكفّر الجيش والشرطة والأحزاب السياسية والصوفية وغيرها
وتقوم بتفجيرات واغتيالات وحرائق.
تاسعاً:
توجه قطاع كبير من شباب الحركة الإسلامية إلى فكر التكفير، ناسين أنهم"دعاة لا
قضاة", وأن الله لن يسأل أحداً من أبناء الحركة الإسلامية وغيرهم من الدعاة
عن تكفير أو تفسيق أو تبديع فلان أو فلان, وأنه سيسأل: هل حبّبنا الناس في الدين
أم نفرناهم منه؟
عاشراً:
توجه قطاع كبير من الشباب الإسلامي إلى التفحش مع خصومهم, ناسين أن هدف رسالة الإسلام
"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق", وأخطر من ذلك شرعنة أو أسلمة التفحش, وهذا لم يحدث في تاريخ
الإسلام كله.
حادي عشر:
غياب الخطاب الإسلامي الوسطى الذي يجمع ولا يفرّق, ويبشر ولا ينفر, وييسر ولا
يعسر, ويقرّب الناس من الدين ولا يبعدهم عنه, ويعين الإنسان على شيطانه لا أن يعين
شيطانه عليه, يدعو إلى المصالحة والعفو والصفح والتسامح, ليحل محله خطاب تنفيري
حربي أو تحريضي أو طائفي أو تكفيري أو انتقامي.
ثاني عشر:
تحويل الصراع السياسي أو الصراع على السلطة إلى صراع ديني وأن مصر فيها فسطاطين, فسطاط
للكفر والعلمانية وفسطاط للإيمان والدين, وهذا يضر الإسلام قبل أن يضر خصومه.
ثالث عشر:
الإصرار على الخلط المعيب بين العمل الدعوى والسياسي, أو الخلط المعيب بين العمل
الاجتماعي والسياسي, وكذلك توظيف العمل الدعوى لخدمة التنظيم والجماعة وربطه
بالدخول فيها والالتحاق بها.
رابع عشر:
والخلط المعيب بين الدعوة إلى الله والدعوة إلى التنظيم والجماعة وعدم التفريق
بينهما إذ أن بينهما "شعرة دقيقة" لا يعرفها إلا أصحاب القلوب النقية
الصافية ذوو العقول والبصائر النافذة, ومحاولة ربط أو استغلال العمل الاجتماعي
بالعمل السياسي أو التنظيمي وهذا يسيء
لمعنى الإحسان إلى الخلائق جميعاً وهو من أعظم معاني الدين والحياة.
والاحتجاج على من يرفض ذلك أن الجميع
يفعله بما فيها الحكومات, مع أن الحكومات وغيرها ليسوا حُجة على الدين, ولكن الدين
حُجة على الجميع.
وقد أدى ربط العمل الدعوي والاجتماعي بالسياسي
والتنظيمي دائماً إلى تعطيل ومصادرة العمل الدعوي والاجتماعي في حالة أي صدام بارد
أو ساخن بين هذه الجماعات وحكوماتها.
خامس عشر:
وجود الجماعات وحالة صدامها المستمر والمتكرر مع حكومات دولها أدى مع أسباب أخرى
إلى عسكرة السلوك الإسلامي، بحيث غلبت عليها عناصر السرية, والسمع والطاعة
المطلقة, وكثرة الشك في الآخرين, والرغبة في حمل السلاح, وتحقيق المشروعات بالقوة
المسلحة, والرغبة في خلق أعداء بين الحين والآخر.
سادس عشر:
التأخر دوماً في مراجعة الأفكار الخاطئة لجماعات الإسلام السياسي حتى يدخل آخر فرد
فيها إلى السجون والمعتقلات, فتضيع جهودها لسنوات طويلة هباءً فلا أرضاً إلا قطعت
ولا ظهراً أبقت.
سابع عشر:
عدم تقدير العلماء ومحاولة هدم الرسميين منهم باستمرار، والتضخيم من هنائهم وتقسيمهم
إلى علماء شرطة وعلماء سلطة, علماء حيض ونفاس وهو تقسيم ما أنزل الله به من سلطان,
فالحق قديم, والحق إن جاء على لسان أي أحد حتى لو كان غير مسلم أو مؤمن أخذ به فما
بالكم لو جاء على لسان العلماء, واقتراب
العلماء من الدولة والحكم لا يقدح فيهم ولا يعيبهم, بل إن اقتران السلطان
بالقرآن قد يكون في مصلحة الاثنين, وافتراق السلطان مع القرآن يضرهما سوياً, والمهم
أن يكون العالم دائراً مع الشريعة حيث دارت ولا يدور مع سواها.
ثامن عشر:
عدم قياس العلماء بعلمهم وحلمهم وقيمهم ولكن بعلاقتهم بالحكومات, فمن يعادي
الحكومة يعتبرونه عالماً ربانياً يسير على نهج ابن حنبل والأئمة, أما العلماء
الذين يتحلون بالحلم والصبر ولا يصطدمون بالحكومة أو يهاجمونها في خطبهم فهم علماء
السلطان الذين لا يصدعون بالحق ولا يواجهون الظلم وهؤلاء لا يؤخذ عنهم العلم حتى
لو كانوا من أعظم العلماء, ويتم اغتيال معظمهم معنوياً.
تاسع عشر: الخلط
المعيب بين الشرعية والشريعة.. مع أن الفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض..
فالشريعة معصومة وهى اختيار الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،
أما الشرعية فهي اختيار البشر.. وهو غير معصوم وقد يخطئ وقد يصيب، والشريعة لا
يمكن التنازل عنها.. أما الشرعية فيمكن التنازل عنها لمصلحة شرعية مثل حقن الدماء،
كما تنازل الحسن بن على، وتلت ذلك مصيبة أكبر من الخلط بين الشريعة والشرعية وهى
إطلاق شعار "الشرعية أو الدماء" بعد عزل مرسى، بدلاً من الاستنان بسنة الحسن بن على
حقناً للدماء.. وهذا الشعار كان سبباً فى إهدار كثير من الدماء دون أن تعود
الشرعية.
عشرون: عندما تقوم الثورات وتقفز هذه الجماعات إلى السلطة أو قريباً منها يتلبسها
الفكر الثورى العاطفي والعشوائي والفوضوي، فتريد هدم الكون والدولة ثم إعادة بنائها
على النمط الذى تريده وترغبه، وعادة ما تنجح في هدم الدول ولكنها لا تستطيع بناءها
علي أي نَسَق.
والهدم أثناء وبعد الثورات سهل ولكن
البناء صعب وشاق وعسير, وحرق المؤسسات ومبانى الإدارات سهل ولكن إعادة بنائها صعب
ويكون عادة من أموال الشعوب.
فضلاً عن رهان الجماعات الخاسر على الحشود
والمليونيات وما يحدث فيها من خطابات عاطفية وحماسية وتهييج للمشاعر وخلط للحقيقة بالخيال
ودغدغة المشاعر، وعدم رهانهم على مؤسسات الدولة السيادية العريقة ومحاولة كسبها
وجذبها إلى صفهم, ولذلك نجحت هذه المؤسسات في البقاء والاستمرار كما نجحت في إزاحة
الإخوان.