الخميس 2 مايو 2024

يوم أن يبتسم النبي

أخرى2-11-2020 | 19:32

"صباحك نادي.. انخع من الشمخ الجواني ونادي".. شعار يبدو بسيطا لكنه صنعة عصية على التعلم يمتهنها فقط مرتزقو الشهرة وهواة ركوب أمواج التريند وقوائم البحث الإلكتروني .. الذين إن استعرضت سيرتهم فلا تجد لهم كثير عمل بل تغرق في تسونامي ثرثرة من اللي تعجب القلب وتكيف العقل .. اي والله.

 

فالمتابع لموجات الغضب الصارخ كرد فعل حنجوري على الإساءة إلى النبي الأشرف سيد ولد آدم ولا فخر سيدنا "محمد" الرحمة المهداة للعالمين يجد متعة هائلة في التنوع الذي حملته تلك الصرخات لكنها كانت مشحونة بقوة دفع القطيع تندلع شرارتها مع أول موجة "لايكات" لأول مشارك من باب " الأسوة الحسنة"

وهي في الحقيقة صرخات مخلصة في أعمها على الرغم من بعد أصحابها عن منهج النبي وسنته قولا وفعلا وهنا لا أدعي لنفسي قدرا أكبر من هؤلاء لكن هكذا شعرت وأراها مقبولة في إطار وجود ترسبات نقية داخل كل منا مازالت تشغل مساحة من قلب يأكله الصدأ لم ينتفض إلا تحت وطأة صدمة عنيفة من مراهق هنا أو هناك يرى أن الإساة لرمز ما يقرب من 2 مليار مسلم حول العالم نوعا من الحرية أو الرقي الحضاري!! والحقيقة أنه لا يقل جهالة عن ذلك الذي استل سكينا وعاث يقتل من يلقاه في الشارع ردا لكرامة النبي كما يظن.

وهنا تذكرت ذلك اليهودي الذي كان يضع القاذورات يوميا أمام بيت النبي الذي لم يتجاوز رد فعله معه مجرد إزاحتها وذات يوما حين لم يجدها وعلم أن ذلك الجار اليهودي الذي كان يؤذيه مريض عاده وزاره في درس بليغ لكل راغب في استمالة القلوب وتغيير دفتها.. السؤال الأهم لماذا لم يطنعه أحد أصحاب النبي انتقاما.

ذلك اليهودي الآخر الذي جاء يطلب استيداء دينه قبل موعده بيومين استثارة للنبي وكان آنذاك رأس المدينة وأعلي سلطة فيها إلى الحد الذي أخذ فيه بجلباب النبي قائلا "إنكم قوم مطل" وهنا كاد يفتك به عمر بن الخطاب إلى أن نظر إليه النبي الكريم قائلا" كان أولي بك أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن الاقتضاء".. أمثلة كثيرة تؤكد أن تجاوز الفرنسي برسومه المراهقة منهج قديم ومستمر لن ينتهي ولن يتوقف لكن يبدو أننا لم نفهم الدرس منه جيدا.

ما لم نتعلمه من الأولون هو تربية النفس وإخضاعها لمنهج المصطفي فهل سأل أحدنا نفسه يوما أو انتفض غاضبا ليقاطع الفحش في القول والفعل أم ترانا نأكل لحم إخوتنا غيبة ونميمة يوميا دون أدني كراهة أو تشكك؟!

هل قاطعنا يوما الاتكال على الأمم في ملبسنا أو مشربنا وسلاحنا وغضبنا لذلك لتنتج متطلبات حياتنا اليومية لماذا لم ندخل في حملة فيسبوكية نعلن فيها عزمنا على إنتاج قوت يومنا أم أن الغضب المثمر في حياتنا غضب افتراضي سبراني فقط؟!

هل غضبنا يوما من رسوخ ميراث فساد غرقنا فيه فقررنا أن ننتفض ضد الفاسدين ونطردهم أو على الأقل نجبرهم على العدول عن مسارهم المعوج؟! أم ما زلنا نشاركهم مستفيدين من ذلك الفساد تحت دعاوي من قبيل "هو أنا اللي هعدل الكون".

كثيرة هي "هل" بحياتنا تدور على لساني وتؤرق عقلي وهنا فقط يظهر الفارق بين الأولين والمحدثين فقد انشغل الأولون بالبناء وإرساء وجود حقيقي للأمة يهابه الجميع بدلا من أن نتلقى الصفعة وراء الصفعة في انكسار أو ننطلق في موجات إجرام وتخريب ودائرة جهنمية من الفعل ورد الفعل لا يرضى عنها الله ورسوله.

إن الوفاء الحقيقي للنبي هو إعمال نهجه في بناء الإنسان وتشييد البنيان ليشد بعضه بعضا كالبنيان المرصوص .. إن الغضب الحقيقي هو استعادة المساحات الشاسعة من الانتهاكات الواقعة ضد المسلمين حول العالم حتي بلغت النار أقدامهم وأرضهم.

لم ينزعج النبي يوما مما طاله من انتهاكات أو أشار بإهدار دم أو انتهاك ممتلكات بل سبق الجميع لأنه المعلم في الرد على محاربيه بالقول "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" بل ينزعج النبي أشد الانزعاج حين يرى أمته ضعيفة مستباحة لا تقوى على العيش ولا تمتلك أدوات عصرها .

وقد أخبرنا بها مستشرفا المستقبل حين قال "توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فتعجب السامعون وقالوا أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال لا بل أنتم يومئذ كثير لكن كغثاء السيل... أي كثرة ضعيفة مجبورة في قرارها مهزومة في إرادتها عالة في عيشها.

قد يفهم البعض من كلماتي أنني أشيع تشاؤما أو تخذيلا للغاضبين لا والله فالغضب أقل ما يمكن أن نملكه اليوم لكني راغب في أن تتحول طاقة الغضب داخل كل منا إلى قوة دافعة لتغيير واقعنا وامتلاك أدواتنا لنكون أمة تليق بعظمة الرسالة التي حملنا إياها وساعتها فقط سترتسم البسمة على وجه النبي رضا وشكرا لله أن وعت أمته دروسه في تحويل قلوب أعدائه من خانة العداء إلى خانة الولاء.    

 

 

    Dr.Randa
    Dr.Radwa