الإثنين 17 يونيو 2024

الفاتحة لمحمد على.. حريم الباشا

فن2-11-2020 | 19:31

الحديث عن حريم محمد على ، وأفراد أسرته من النساء، كان من المحظورات كما كان من الأمور البعيدة عن متناول الباحثين نظرا للجدران العالية والستار الحديدى الذى أحاط بهن، واعتبار البعض أن الكتابة فيه قد يكون مجانباً للحشمة مما جعله يؤثر السلامة .


بصيصاً من الضوء كان يظهر بين حين وآخر لاكتشاف ذاك المجهول،عبر بعض الأوربيات اللاتى قمن بزيارة نساء وبنات محمد على لكشف خبايا الحريم الشرقى العالى الذى ظل مغلقاً أمام كل من يقترب منه، وكان من هؤلاء المستشرقة الإنجليزية «صوفيا لين» مؤلفة كتاب : " إمرأة إنجليزية فى مصر"  والذى ترجم للعربية بعنوان «حريم محمد على باشا» . 


أثر المرأة فى حياة محمد على يبدو جلياً فى دور والدته: «زينب بنت حسين أغا» تلك السيدة الحازمة توفى زوجها «إبراهيم أغا» والد محمد على وهى فى ريعان شبابها، وأوقفت حياتها على تربية ابنها، ورغّبت إليه الشعور بالطموح والمجد.


حلم المجد


رأت زينب قبل ولادتها لمحمد على حلما فى منامها كان فى نظرها حلم المجد والعظمة، ابنها يعتلى فرساً أبيض مزيناً بغطاء من الفضة، وركابه الفضية تبرق فى الشمس مع كل خطوة يخطوها وهو يصعد به بصعوبة طريقاً وعراً شديد الانحدار، وعندما وصل إلى القمة نزل من على فرسه ليصعد أعلى منصة ثم يجلس على كرسى ضخم مطلى بالذهب ممسكاً سيفه  .


ولما حكت زينب ما رأته لزوجها قال إنها خرافات ونصحها بألا تكثر من الأكل قبل الذهاب إلى الفراش، ومع ذلك. فقد ظلت مقتنعة فى سريرتها بأن لهذا الحلم مغزى خاص ، ولذلك لجأت إلى عرافة ذاع صيتها فى مدينة قولة وطلبت منها تفسير ما يخبئه الزمان لمولودها الجديد، فتنبأت لها بأن ولدها سيكون حاكماً قوياً لأمة كبيرة، وأن السماء بشرتها ، فاغتطبت بهذه النبوءة ولم تكف عن حكايتها لابنها محمد على عندما ترعرع واشتد عوده فأثرت فيه تأثيراً شديداً .


عاش محمد على طفولته تحت جناح أمه الحنون يستمع هو وإخوته إلى قصصها المثيرة عن مشاهير السلاطين وحكايات النبل والشهامة والفروسية وكان أحبها إلى قلبه قصة تلك الرؤيا التى سبقت ولادته ولكن سعادة محمد على لم تدم طويلا فقد قتلت عصابة من اللصوص والده خلال مطاردته لها وشوهت وجهه ورجع جثمانه الى بيته مضرجا بالدماء  .


وعلى الرغم من طلب الكثير من الرجال الاقتران بوالدة محمد على فقد رفضت رفضاً باتاً وباعت كل ماتملك للإنفاق على أولادها .


يتيم الأبوين


ولم يطل المقام بالوالدة وأصيبت بداء خطير انتقلت على أثره إلى الرفيق الأعلى فبات محمد على وحيداً فى الدنيا.

تولى تربية محمد على والإنفاق عليه عمه طوسون غير أن المنية عاجلته هو الآخرفأصبح الغلام يتيماً قاصراً.

وفى مرحلة تالية يظهر دور زوجته الأولى «أمينة بنت على أغا» الأرملة الشابة  التى شجعته على تحقيق طموحه الذى لايتوقف عند حد، وكانت الشخص الوحيد القادرعلى ترويض أحلامه ومواجهته بأخطائه، أنجبت أمينة لمحمد على خمسة أطفال ثلاثة أولاد وبنتين وهم: ابراهيم وأحمد طوسون وإسماعيل كامل وتوحيدة ونازلى . 


وبعد أن حشد الباب العالى جنوده لإخراج الفرنسيين من مصر تم استدعاء محمد على وتعيينه نائبا لقاعد فرقة ألبانية مسافرة إلى مصر  فترك لزوجته حملاً ثقيلاً وهو مسئولية تربية أطفاله الخمسة بعد أن أوصى ابنه الأكبر إبراهيم بأمه وإخوته. ومع أن أمينة عانت منذ سفر زوجها إلى مصر عشر سنوات من الوحدة والخوف والقلق فقد تحملت بشجاعة وبدون شكوى كل ذلك، وكان نصيبها فى هذه الفترة الانتظار كما كانت تتظاهر أمام الناس بأن حياتها هانئة سعيدة وهى ترعى بيتها وأبناءها الخمسة انتظاراً لعودة زوجها الحبيب إلى أن وصلها نبأ توليته نائباً للسلطان على مصر .


الحلم يتحقق


وصل محمد على إلى حكم مصر بناء على رغبة شعبية ،وبايعه زعماء الشعب وهنا تذكر حلم كانت تحكيه والدته مراراً وتكراراً بأنه سيكون عظيما. 


استقرت الأمور لمحمد على فى مصر أرسل إلى زوجته رسالة يأمرها فيها بإرسال نجليه إبراهيم وطوسون إليه فى القاهرة، وأن ترحل هى وابنها الأصغر إسماعيل وبنتاها توحيدة ونازلى إلى استامبول ليتعلموا البروتوكول والايتكيت المتبع فى البلاط السلطانى .


وعلى الرغم من فرحة أمينة بمنصب زوجها كوال على مصر فقد امتلأ بالغيرة قلبها خشية أن تستميله امرأة جميلة وصغيرة من حريمه أو تحط به المحظيات الشركسيات وتحاول كل منهن أن تعطيه ابنا لترتفع به إلى مرتبة «قادن» أى زوجة مما ملكت أيمانهم  .


أدركت أمينة هانم أفندى أنه منذ اللحظة الأولى التى ستطأ قدمها أرض مصر فإن حياتها سوف تتغير تغييرا شاملا فمنصبها الجديد كان يتطلب مسئوليات كبيرة، وكان عليها أن تساند زوجها فى حدود قدرتها. يضاف إلى ذلك أن مركزها كزوجة للوالى سيخرجها من محيط الحياة العادية كزوجة وأم ويجعلها السيدة الأولى أو هانم أفندى، وأن تعطى انطباعا بأنها أسعد سيدة فى مصر .


وصلت أمينة هانم أبواب القاهرة، وكان ابنها إبراهيم فى انتظارها ثم استقبلها الباشا وقادها إلى «الحرملك» محل إقامتها الجديد، بصفتها زوجته الأولى والسيدة الرئيسية فيه.


 دخلت أمينة المكان ورأت صفين من أجمل الفتيات واقفات لتحيتها، فردت أمينة هانم التحية ثم ورفعت الخمار والتفتت لمشاهدة نفسها فى المرآة، وعندئذ أصيبت بصدمة، واختفت الابتسامة من شفتيها عندما رأت آثار الإرهاق من السفر وبداية التجاعيد على وجهها، وخطوط الشيب فى شعرها ، فالتفت إلى الفتيات مرة ثانية بدقة لتجدهن ممتلئات بالصحة والحيوية والجمال أكبرهن لايزيد عمرها على الخامسة والعشرين فأدركت أن منافستهن أمر مستحيل فاتخذت قرارها فى الحال وقالت فى نفسها أنا أمينة بنت على أغا أرفض اقتسام زوجى مع هؤلاء الفتيات مهما كانت عادات وتقاليد هذا البلد، وعلى الفور اقتربت من الباشا وطلبت منه أن تحدثه على انفراد، قالت: 


أرجو أن تفهمنى أفندينا سوف أقوم بكل إمكانياتى وقدراتى بمهام سيدة مصر الأولى، ولكن من الآن فصاعدا أرجوكم أن تنسوا أننا زوج وزوجة ، فنظر إليها محمد على باستغراب دون أن يفهم سبب هذا القرار المفاجىء، ولم ينطق بكلمة . ومنذ ذلك اليوم لم يطأ قدم أمينة هانم جناح الباشا، ولم يدخل هو جناحها قط .


 ومع ذلك ظلت أمينة على وفائها واحترامها لمحمد على،وإن أخذت عليه إرسال أول أولادها إلى الحروب ومواجهة المخاطر للوصول إلى غايته وأهدافه، ومع ذلك فإنها لم تفقد صوابها معه إلا بعد إحراق ابنها اسماعيل خلال حروبه فى السودان حيث انطلقت إلى جناح الباشا تفتح الأبواب بعصبية زائدة، وهى تقذفه بالاتهام الرهيب: أنت المسئول عن موت اسماعيل، قتلتم إبنى سامحكم الله. ومع كل ذلك ظلت أمينةعلى وفائها واحترامها لمحمد على ، وبعد وفاة ابنها طوسون بمرض الطاعون اعتزلت أمينة الحياة الرسمية وعاشت بقية حياتها فى خدمة البؤساء وفى أعمال الخير، فكانت تكثر من الصلاة وقراءة القرآن وقد توفيت أمينة هانم فى عام 1824 بالقاهرة ودفنت فى المدفن الكبير بالإمـــام الشافعى  .


دور أمينة فى حياة محمد على كزوجة أولى لم يتكرر، أما زوجته الثانية «ماه دوران هانم» أو «قمش قادين» فإنها لم تنجب له أطفالاً، كما أن تأثيرها فى حياته لم يكن كبيرا .


وأما بالنسبة لمستولدات ( محظيات ) محمد على فهن:


- أم نعمان وقد رزق منها الأمير نعمان .

- (عين حياة قادين) وقد رزق منها محمد سعيد باشا الذى تولى حكم مصر فى الفترة من 1854 - 1863.

- "ممتاز قادين" وقد رزق منها الأمير حسين بك .

- (ماهوش قادين) وقد رزق منها الأمير على صديق بك .

- (نام شاز قادين) وقد رزق منها الأمير محمد عبدالحليم الذى تنافس على عرش الخديوية مع الخديو توفيق .

- (زيبة خديجة قادين) وقد رزق منها الأمير محمد على الصغير .

- (شمس صفا قادين ) وقد رزق منها بنتين هما الأمير ة فاطمة هانم والأميرة رقية هانم .

- (شمع نور قادين) وقد رزق منها الأميرة زينب هانم .

- (نايلة قادين) ولم يرزق منها بأولاد.

- (كلندان قادين) ولم يرزق منها أولادا .

- (قمر قادين) ولم يرزق منها أولادا .


وإلى جانب كل ذلك فإن محمد على لم يفقد إعجابه بالوجوه الجميلة للفتيات الحسناوات اللاتى لم تتعد بعضهن العاشرة من عمرها التركيات والشركسيات والجورجيات اللاتى عادة لهن بشرة ناصعة البياض  على الرغم من لحيته البيضاء .


ومن هؤلاء الزوجات والمستولدات أنجب محمد على سبعة عشر ولدا وثلاث عشرة بنتاً. وقد ولد آخر طفلين له عندما كان قد تجاوز الثالثة والستين.


ووسط أعباء الحكم أظهر محمد على اهتماما بببناته ، وأمر بتعلميهن وتشجيع المتفوقات منهن ويبدو ذلك واضحاً فى رسالة إلى زوجته يعبر فيها عن سعادته لسماعه أن ابنته الكبرى كانت منكبة على القراءة،وفى رسالة إلى زينب أصغر بناته يمتدح فيها مهارتها فى دروسها. ومع ذلك فلم تنج بناته من التأنيب إذا تجاوزن الحدود المعقولة أو ابتعدن عن الذوق السليم .


نقلا عن مجلة المصور