المصطفى صلوات الله وسلامه عليه لنجدد العهد
معه للامتثال بخصاله الشريفة والتأسي بأخلاقه الحميدة، نحتفل بذكرى مولده فلا نكتفى
بأكل الحلوى وبحلقات الذكر والإنشاد، إنما نجعله فرصة لنقتبس من سيرته العطرة بعضاً
من صفاته النبيلة، هو النبي المختار الذي وصفه ربه فقال (إنك لعلى خلق عظيم). وقال
له (لو كنت فظاً غليظ القلب ﻻنفضوا من حولك) وهو الذي قال عن نفسه (أدبني ربي فأحسن
تأديبي ) كانت له صفات اتصف بها قبل البعثة وظل عليها ﻻ يحيد، من أهمها الصدق والأمانة،
كان أهل قريش يلقبون النبى صلى الله عليه
وسلم بالصادق الأمين، إذا اختصموا في أمر طلبوه ليقضي بينهم، ونتذكر الحجر الأسود حين
اختلفوا فيمن يحمله فأشار عليهم بما أرضاهم، وكذلك حين كان يعمل في تجارة خديجة رضي
الله عنها ووجدت أنه أمين على مالها فطلبت الزواج منه، وقد كان بيته مكاناً لحفظ أمانات
قريش يثقون به، وكان أحرص الناس على أداء الأمانات لأهلها، وعندما خرج مهاجراً طلب
من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يؤدي ما عنده من أمانة ووديعة، وليس غريباً على
من حمل الأمانة الكبرى، وهي الرسالة وتحمل في سبيلها المشاق وأذى قريش له ولأنصاره،
إنه الصادق الذي يقول الحق وﻻ يحيد عنه، وهو الزاهد الورع التقيُّ ، أعرض عما تيسر
له من ملك وحكم في الدنيا، وشهد له أصحابه بزهده وعدم تكلفه في لباسه وطعامه وشرابه
ومسكنه، وهو القادر على أن يتخذ كل ما يطيب ويلذ من الدنيا، وكان يقول (مالي وللدنيا،
ما أنا في الدنيا إﻻ كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) وكان يدعو دائماً (اللهم
اجعل رزق آل محمد قوتاً، وفي رواية كفافاً).
وهو المتواضع الذي قال (وما تواضع أحد لله
إﻻ رفعة)، هو الذي أمره ربه في قوله (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) فيقول (ﻻ
يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) إن صور التواضع تتجلى في أن رسالته ليست
دنيوية لم يطلب ملكاً وﻻ حكماً حيث يقول (إنما أنا عبد الله ورسوله) وكان يقول لأصحابه
(أنا محمد بن عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله
عز وجل) وعندما سألوا عائشة رضي الله عنها (كان بشراً ابن بشر، ينظف ثوبه ويحلب شاته،
ويخدم نفسه) ولم يكن يرضى أن يقوم أحد تعظيماً له. أما عن العفو والصفح فليس له شبيه،
فقد كان يقابل أذى قومه بالصفح ويستمر في دعوتهم ونصحهم، ويمتثل لأمر ربه حين قال
(فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون)، وهو من أمره (فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق
العليم)، ولم يكن صفحه وعفوه مقروناً بغضب أو تذمر، إنما كان الصبر والحلم والأناة
سبيله بعد أذى المشركين، حتى قال عنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما (ﻻ
يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح) ولنتذكر قوله (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد
الذي يملك نفسه عند الغضب) وقوله (ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم)، وﻻ ننسى عند فتح
مكة عندما ارتعب الكفار وخافوا من انتقامه، فسألهم، (ماذا تظنون أني فاعل بكم قالوا:
نظن خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء)، هكذا يعفو عند المقدرة
وليت المسلمين جميعاً يتأسون ويتعظون، وقد كان يردد قوله تعالى (ﻻ تثريب عليكم، اليوم
يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) إنه الرسول الكريم الذي استجاب لدعوة ربه حين قال
(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس)، إنه النبي الذي أوصل الرسالة وحفظ عهده مع الله
وكان الإحسان للمسيء طبعه، تعددت صفاته وحسنت أخلاقه، كان يبغض الفاحش من الأمور فيقول
(إن الله يبغض الفاحش البذيء) وهو القائل (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً) إننا الآن
وفي هذه الظروف التي يمر بها العالم من اضطرابات وصراعات للسيطرة والاستحواذ على متاع
وملك زائل، أحوج ما نكون إلى ترسيخ هذه الصفات في النفوس وخاصة الشباب.
وكذلك من أهم صفاته الرحمة والصبر على الابتلاء
، فحين بكى وحزن قلبه لوفاة ابنيه القاسم وإبراهيم، ومع ذلك كان يفرح بميلاد أحفاده
وأبناء المسلمين رحيم بهم يمسح على رؤوسهم ويقبلهم ويداعبهم يقول (أكرموا أوﻻدكم وأحسنوا
أدبهم) وينفق على أوﻻده ويساوي بينهم يرقيهم بالمعوذات، كانت فاطمة إذا دخلت عليه يأخذ
بيدها ويقبلها ويجلسها في مجلسه، وكان رحيماً حليماً قال (من ﻻ يرحم ﻻ يرحم)، وكان
يؤدب أبناءه. يروى أن الحسن حينما أراد أن يأكل تمرة من الصدقة نهاه، وكان يدربهم على
الأنشطة ويحثهم على الرياضة، ويدعو أوﻻد عمه العباس يتسابقون إليه فيقعون على صدره
وظهره فيقبلهم، وشوهد وهو يصلي حاملاً ابنته زينب، لم يكن يحابي أوﻻده على حساب أوﻻد
المسلمين؛ بل يعلمهم أن يرتبطوا بالحق، فهو خير معين يلطف بهم جميعاً.
تروي صحابية أنها ذهبت مع أبيها إليه فراحت
تتعلق به فنهاها أبوها. فقال له دعها ثم قال (أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي
وأخلقي) لم يتأفف، فهو رسول الله الذي إذا سمع بكاء طفل، خفف في الصلاة كي تنتهي أم
الطفل وتحمله، يُعلم الأم أﻻ تكذب على ابنها (روي عن عبد الله بن عامر أنه ذهب مع الرسول
إلى أمه. فقالت: تعال أعطيك ، فقال الرسول: ماذا تعطيه. قالت تمرة. فقال: أما إنك لم
تعطه شيئاً لكتبت عليك ذنباً). إن الرحمة بزوجاته فقد كانت أساس معاملتهن، تكون بحسن
الخلق يقول (خياركم خياركم لنسائه خلقاً )، ينبه المسلمين لحسن معاملتهن فيقول (إنما
هن عوان عندكم) أي أسيرات، وإذا قال الرسول فهو يفعل، تصفه عائشة رضي الله عنها أنه
كان دائماً في مهنة أهله أي خدمتهن وإعانتهن، فإذا حضرت الصلاة خرج، دعاهن للصلاة بالحسنى،
العناية بهن في المرض، وكن يراجعنه إذا غضبن فلا ينكر عليهن ذلك، وإذا غضب من إحداهن
وضع يده على كتفها. وقال اللهم اغفر لها ذنبها وأذهب غيظ قلبها وأعذها من الفتن، فهل
يوجد أجمل أو ألطف من ردة الفعل هذه، وقد كره أن يفاجئ الرجل زوجته عند قدومه من سفر؛
بل يرسل إليها من يخبرها.
وعن النظافة الواجبة على الزوج سئلت عائشة
عن أول شيء يبدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم عند دخول. قالت: (بالسواك)، وقد أمر
الرجل بقص الشارب والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر، وكان يقول (إن الله جميل يحب
الجمال)، وسمح لزوجاته بالترويح عن أنفسهن حينا بعد حين. روى أن أبا بكر استنكر على
عائشة أن فتاتين يضربن بالدف عندها. فقال له (دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد). وروي
أنه كان يسابق عائشة فتسبقه، وعندما ازداد وزنها سبقها. فقال مازحاً هذه بتلك، وكانت
عائشة تتكئ على كتفه لتشاهد لعب الحبشة بالحراب فيسمح لها، دائما يدعو للإصلاح بين
الأزواج ويحرص على إكرام الزوجة. يقول (ما أهانهن إﻻ لئيم)، ويوصي بالرفق بهن فى المعاملة
وحسن المعاشرة. يقول (وعاشروهن بالمعروف). وكان التواضع خلقه مع زوجاته يقول (ﻻ يدخل
الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، وكان يسأل عائشة أتغارين. فتقول “ومالي أﻻ
يغار مثلي على مثلك” صدقت عائشة، فقد كنتَ يا رسولنا الزوج التقي النقي الوفي، فإنه
لم ير المرأة مجرد أداة لإشباع الرغبة، فكان يقول (الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة
الصالحة).