الجمعة 17 مايو 2024

الشيخ الشعراوى والجمال

كنوزنا3-11-2020 | 17:34

تحدث الشيخ الشعراوى عن الجمال حديثاً مطولاً ولم يكن يعاديه بل انصب  على تجسيد روح الجمال وجماليات الحياة والجمال الكونى والمزاج الجمالى.  ورؤيته للجمال ما هى إلا بث البهجة والسعادة للناس، ولذالك فهو حديث كما يجب أن يكون عليه الجمال، فكثيرا ما كان يضرب الأمثال رغبة عميقة عنده فى أن يصل إلى صورة ذهنية واضحة فى خيال المستمع. 

 تعبيرات مشحونة بالصدق والإيمان القوى بما يقوله بحيث وصل للمستمع بسهولة ويسر واستشهاده بالأمثال ليصل بالمعانى المجردة إلى صورة محسوسة وذلك لون من ألوان البلاغة (استعارة ـ  كناية ـ  تشبيه) 

 والبلاغه  فى حقيقتها هى الجمال التعبيرى فى اللغة، فعندما تكلم عن الخلق وضح أن الله خالق وهو صانع متفرد الصنعة وهو الذى خلق الإنسان ومنحه القدرة على أن تكون له صنعة، لكن الإنسان يصنع الكوب فلا الكوب ينمو  ولا يتكاثر ولا يتناسل ولا يمتلئ بالحياة، بينما يخلق الله الإنسان، صنعة الإنسان غير صنعة الأكواب صنعة الله غير صنعة الإنسان. 

 الإنسان ينمو ويتناسل ويتكاثر لكنه خلق فى الإنسان القدرة على أن يصنع  ليعرف أن كل صنعة لها صانع، هذا الكون صنعة ولابد أن له صانعاً بالقدرة المطلقة التى تخلق هذا الإبداع، ومثال آخر عن المدرسة لو أن مدرسة بعد الامتحان نجح جمع تلاميذها الذين ذاكروا والذين لم يذاكروا.. هل هذا عمل جميل؟... لو أن الجميع نجحوا فإن هذا يؤدى إلى الفساد.

الجمال هنا تكون النتائج متفقة مع المقدمات وهذا سر الوجود بأن يكون قانون الله يطبق، فتطبيق قانون الله يؤكد أهمية الجمال الذى يتميز عن القبح.

وظيفة الشر أنه يجعل الناس فى شوق إلى الخير الغائب، والقبح يجعل الناس فى شوق إلى الجمال الغائب عنهم فالقبح مثل التطعيم فالوقاية من الكوليرا  نلجأ إلى تطعيم الإنسان بميكروب الكوليرا نفسه. 

فكل ما فى الكون جمال عند فضيلة الشيخ الشعراوى، إما جمال حقيقى وإما  قبح له وظيفته فى أن يكشف غياب الجمال وينبه الناس على أن شيئا مفقودا فى حياتهم.

ولا يتحقق الجمال إلا بأقصى طاقة من العمل الجاد.

ومن غايات الكون أن نحقق الجمال وكل ما فى الكون يسير بدقة على قوانين  الله التى تحقق الجمال فى الكون، والإنسان بما منح من حرية الاختيار فإن المطلوب منه أن يلتزم بروح الجمال، ولكى يحقق الإنسان هذا الجمال لابد أن يعرف غايته ثم يعرف وسيلته، غاية الإنسان أن يعبد الله والوسيلة هى منهج الله ومنهج الله فى القرآن الكريم ليكون ذاكراً الله.

الذى يذكر الله يكون على المنهج الذى يحقق له الجمال.

وروح الجمال فى أن تعرف الغاية والوسيلة حتى لا تقع فى الخسران ويتحقق هذا بالعمل المخلص، والمنهج أن يلتزم المرء بافعل ولا تفعل وأن تشعر بأنك ترى الله وأن الله يراك أى تذكر الله.

ومن كلمات الشيخ الشعراوى:

ـ إن الجمال فى الكون ليس أن يستطيب الإنسان ما فى الكون فيجد كل شىء جميلاً، فإنه قد يستطيب الشر أو المعصية..لا.. إن الجمال فى الكون أن تكون النتائج متناسقة مع المقدمات.

ـ القبح فى الوجود جمال لأنه سينبه الناس إلى شىء مفقود من منهج الله. 

ـ المحافظة على جمال الكون أن تتفق المقدمات مع النتائج. 

ـ فى المسائل التى ليس لإنسان حرية الحركة الاختيارية فيها فلسوف نجد أن الكون غاية الجمال. 

ـ اتقان العمل ضرورة للحفاظ على انسجام الجمال فى الكون والوجود. 

إن الله سبحانه وتعالى أراد أن يرى فى الإنسان المزاج الجمالى قبل ان يشبع احتياجات الإنسان المادية، ولذلك يعلمنا الله أن ننظر إلى الثمار قبل أن نأكلها فيقول "انظروا إلى ثمره إذا أثمر"

ويقول: "والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال"   

فالجمال مثل كل ما يقول له هدف هو أن يتحول المنهج إلى تطبيق فى حياة الناس يتدارسونه ويبحثون عن تطبيقه. 

وطبق الشيخ الشعراوى المنهج على نفسه وكان طريق المعرفة والعلم هو طريقه إلى الله.

وعشقه للجمال منهج اتبعه منذ صغره، وكان الشيخ حريصاً على الأناقة وهو الذى يقوم بتفصيل طاقيته، وكان يحرص فى أواخر أيامه على أن تكون العباءة مصنوعة من صوف شديد الخصوصية خفيف الوزن. وكان يختار العصى بذوق خاص يتناسب مع شكل ولون الجلباب الذى يرتديه، وكذلك العباءة وكانت العصا لا تفارق يده عندما يخرج من البيت ويقول الشيخ محمد متولى الشعراوى: "عندى معرض من العصى وبعض هذه العصى عندى من سنين طويلة من أيام الدراسة بالأزهر وزمان كانت العصا للعياقة لكنها الآن أصبحت للضرورة".

وعندى أكثر من مائة عصا أتوكأ عليها وليس لى فيها مآرب أخرى وأنا طول عمرى اهتم بهندامى وأحب أن يكون كل ما ارتديه مضبوطا وله ذوق  والاهتمام بالهندام والملابس النظيفة والمظهر الطيب شىء مطلوب" وكتب قصيدة يجسد رؤيته للأناقة:

حسن كل لباس ترتديه 

ما أن العرض تحلى بالشرف

هل مشين فى عيون الناس

إن يلبس اللؤلؤ ثوبا صدف؟


نقلا عن مجلة المصور