يشهد مجتمعنا في الفترة الأخيرة حالة شديدة من الاستقطاب ليس على المستوى السياسي فقط، ولكن على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الأسرية، فكل شخص يعتقد أن ما يعتنقه من أفكار ومعتقدات هي الحقيقة المطلقة، وغابت فكرة الإيمان بأن التنوع والاختلاف -ليس حتى في الآراء فقط- هو سر الحياة وسر استمراريتها وسر تقدمنا أيضًا.
فالتنوع والاختلاف، أحد مؤشرات النضوج المجتمعي، وعلامة مهمة من علامات التمدّن، وليس المطلوب من الإنسان أن يقتنع بأفكار وقناعات الغير، ولكن يجب احترامها وعدم نسفها، ويمكن البحث عن النقاط المشتركة بيننا، بدلا من القيام بتزكية نقاط الخلاف وتنميتها، والتي أصبحت تنسف العلاقات نسفا، وعلينا أن نؤمن بأن الرأي لا ينحصر في مسار فكري واحد، لذا يأتي التعدد في الرؤى ضمن مشهد الثراء الفكري الضروري والمطلوب لتنمية المجتمعات وتقدمها.
وبالتأكيد ما نعيشه الآن من حالة استقطاب حادة يؤثر وبدرجة كبيرة على استقرار المجتمع، ويهدد السلم الاجتماعي، ويهدر جهود التنمية التي تبذلها الدولة في كل مكان.
وللتخلص من هذه الحالة، لابد من تكاتف كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والأسرة لنشر ثقافة قبول الرأي الآخر، وأن ما تعتقد أنه صواب والحقيقة المطلقة هو أمر نسبي ناتج عن ما تلقيته من معرفة أو ما أتيح لك من علوم.
فهذا الكم الكبير من القضايا التي تعج بها محكمة الأسرة وقضايا السب والقذف والتشهير ماهي إلا مؤشرات لما يمكن أن يصل إليه المجتمع إذا استمرينا على هذه الحالة من استقطاب والتشبث بالآراء وتوزيع الاتهامات والسباب لكل من يختلف معنا .
فلنصل جميعا إلى كلمة سواء، ولنحكم العقل والمنطق، ولنحتكم إلى حكمة الخالق سبحانه وتعالى في ما منحنا، حتى حرية الإيمان أو الكفر "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، ووضع قاعدة التنوع والاختلاف نصب أعيننا "ومن آياته خلق السموات والأرض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين".