رُغم ظهوره منذ
أكثر من تسعة أشهر .. إلا أن شبح جائحة «كورونا» لا يزال يحوم فى كل مكان مهدداً صحتنا
وأرواحنا .. وتؤكد المؤشرات أن موجته الثانية التى ظهرت بالفعل فى أوروبا وأمريكا منذ
قرابة الشهر .. بدأت تطرق أبوابنا مع حلول شهر نوفمبر الجارى وربما تستمر حتى أبريل
المقبل.. ووفق توقعات منظمة الصحة العالمية قد تشهد الفترة القادمة دخولنا منعطفاً
يُنذر بالخطر قبل التوصل للقاح المنتظر!
الأرقام الصادرة
عن منظمة الصحة العالمية تقول إن الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر قد شهد تسجيل أكبر عدد
من الإصابات المؤكدة فى منطقة الشرق الأوسط، حيث بلغ نحو ٣ ملايين حالة، وتجاوز عدد
الوفيات خمسةً وسبعين ألف وفاة، ويتوقع أن ترتفع أعداد الحالات بمعدل متزايد بالتزامن
مع قدوم فصل الشتاء.
بكل أسف دعونا
نقر ونعترف أننا فى مصر أصبحنا نعيش حالة من التراخى الشديد والإهمال الصارخ وعدم الالتزام
بالإجراءات أو الضوابط الوقائية والاحترازية وأبسطها ارتداء الكمامة الطبية والحفاظ
على التباعد البدنى، والمواظبة على تنظيف اليدين، واتباع آداب السعال والعطس دائماً،
وكأن جائحة كورونا ذهبت ولن تعود ..الأمر الذى يُضعف من قدرة الحكومة على منع انتشار
المرض، وبالتالى يمكن أن يرفع نسب الإصابة ويثقل العبء المُلقى على كاهل نُظُم الرعاية
الصحية بالدولة.
يبدو فعلاً أن
المواطن المصرى قد أصيب بنقمة نسيان أرقام الإصابة والوفيات جراء ذلك الفيروس الشرس
فى موجته الأولى وقد تتكرر هذه الأرقام فى الموجة الثانية، لذا وجب علينا تذكيره
.. «كورونا» يا سيدى قتلت مليونا ومائة ألف إنسان وأصابت ثلاثين مليونا على مستوى العالم،
و مصر كانت ثانى بلد متأثر بكورونا فى إقليم شرق المتوسط، وبلغ عدد الحالات المصابة
يوميا ذروته أواخر شهر يونيو الماضى “ أكثر من ٣ آلاف حالة “، ثم انخفضت الأعداد بداية
من شهر أغسطس إلى أقل من ٢٠٠ يوميا لكنها عاودت الارتفاع من جديد.
لاشك أن الحكومة
سوف تكون مطالبة بالتعامل بحزم وحسم وصرامة شديدة مع المواطنين المخالفين غير الملتزمين
أو المتراخين فى تطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية خلال الفترة المقبلة حتى لا
تضطر إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الأكثر صرامة والتى قطعاً ستؤثر سلباً على المواطن
قبل الدولة!
أقولها بمنتهى
الثقة إنه لن تلجأ الدولة إلى غلق المدارس أو الجامعات مرة أخرى ولن تطبق فترات حظر
التجوال كما حدث فى الموجة الأولى للجائحة مهما بلغت الذروة .. حتى منظمة الصحة العالمية
لن توصى بهذا الإجراء كما صرح مسئولوها فى مؤتمرات صحفية أو بيانات رسمية جاء فيها
«لكننا بشكل عام لا نعتقد حالياً أن الغلق العام سيكون فعالا إلا فى حالة معينة ..
لا نوصى بشكل عام باتخاذ قرار غلق المدارس والجامعات وسط ارتفاع إصابات كورونا على
مستوى العالم، بل يكون القرار على مستوى كل دولة وبعد إجراء تقييم للمخاطر داخلها،
فالمرض ضعيف عند الأطفال فى عمر المدارس ولا يشكل خطورة عليهم، كما أنه ليس من العوامل
التى تؤثر بشكل كبير على انتشار الفيروس “.
لقد اتخذت الدولة
خطوات جادة ومهمة لمساعدة الطلاب على العودة إلى المدارس بعد فترة طويلة من الإغلاق،
وإعادة الغلق يمكن أن تؤثر سلباً على قدرة الطلاب على التعلم، وقدرة الآباء على العمل،
ومثالية الحل فى ضرورة إمداد الطلاب والمعلمين والموظفين والآباء بمعلومات ورسائل واضحة
عن الوقاية من كورونا، ولا تزال لدينا الفرصة لتغيير مجرى الأمور من خلال استراتيجيات
مُحدَّدة الأهداف لمكافحة انتشار الفيروس ومقاومة حالة التهاون والفتور، ومواصلة إجراء
الاختبارات بلا هوادة!
إذن سيظل الأمل
فى الخلاص من ذلك الوباء القاتل معقودا على التوصل لمصل يقى من الإصابة .. ولكن حتى
الآن ـ بكل أسف ـ ووفق النتائج الأولية .. لا يوجد لقاح مُحدَّد ضد كوفيد-١٩، ولم تَثبُت
حتى الآن فعالية أى علاج للحالات الوخيمة والحرجة!
نعم .. تتواصل الجهود للانتهاء من تطوير لقاحات ضد
الفيروس، وربما تظهر عشرات بل مئات اللقاحات المرشحة للوقاية منه، بعضها فى الأطوار
النهائية من المرحلة الثالثة للتجارب، وهناك أيضاً أكثر من ١٠٠ شركة وفريق بحثى لتطوير
لقاحات، من بينها ١٧ لقاحاً على الأقل تجرى تجربتها حالياً على البشر، لكن تشير التوقعات
إلى أن الأمر ليس بهذه السهولة، فالتطوير والاختبار السريع جداً للقاحات المحتملة ضد
فيروس كورونا يجريان منذ ستة أشهر فقط وهى مدة غير كافية ، لذا يتوقع الخبراء أن يستغرق
إنتاج لقاح آمن وفعال بين ١٢ و ١٨شهراً من بداية التطوير.
الخطير فى الأمر
أن هناك موجة من التشاؤم تسود العالم الآن بعدما كُشف النقاب عن أن الجيل الأول من
اللقاحات ــ التى لا تزال جميعها قيد التجارب على البشر ــ من المحتمل أن يكون غير
كامل، وفقا لتقرير نشرته صحيفة «ديلى ميل» البريطانية.
فجميع اللقاحات
الحالية لا تمنع العدوى بل تقلل الأعراض، وربما لا تنجح مع الجميع أو لفترة طويلة
“.
يُقال إن هناك
شركات عالمية ستعلن عن إنتاج لقاح لكورونا خلال شهر واحد أو شهرين، عقب اقترابها من
إنهاء تجاربها السريرية والمختبرية” ونحن نأمل ذلك ونتمنى أن يكون حقيقياً لكن تراجع
الاستجابة المناعية لا يزال يمثل أكبر عائق أمام ظهور لقاح كورونا !
لقد خلصت دراسات
أولية أجريت فى الصين وألمانيا وبريطانيا ودول أخرى إلى أن المرضى المصابين بفيروس
كورونا المستجد يطورون أجساماً وقائية مضادة للفيروس كجزء من النظام الدفاعى لجهاز
المناعة فى الجسم، لكن تلك الأجسام لا تظل فعالة سوى لبضعة أشهر فقط ثم تخبو سريعاً
ويقول الخبراء إن الضعف السريع للمناعة يثير مشكلات كبرى أمام مطورى اللقاحات، وأمام
سلطات الصحة العامة كذلك ممن يسعون لنشر تلك اللقاحات لحماية رعاياهم من موجات تفشى
الوباء فى المستقبل.
الحقيقة الأخرى
التى لابد أن ننتبه إليها هى أن المصل أو اللقاح الذى يتطلع إليه العالم سوف يؤخذ على
شكل جرعات وعلى مدى سنوات فجرعة واحدة لا تكفى! الأمر الذى سيمثل عبئاً شديدا يثقل
كاهل الدول والمواطنين فى وقت واحد!
وفى هذا الجانب
هناك تحد رئيسى خطير يكمن فى عدم القدرة على تصنيع كميات هائلة من اللقاحات حتى تكون
كافية إلى حد كبير لمليارات الجرعات المطلوبة! ومن ثم ربما لا يكون هناك لقاح واحد
ناجح، أو دولة واحدة، قادرة على إمداد العالم، وبهذا نكون بحاجة ماسة إلى تعاون دولى
لتجميع المخاطر والتكاليف، ومعالجة العوائق التى تحول دون الوصول، وزيادة القدرة التصنيعية
لإنتاج جرعات كافية لحماية كل شخص معرض لخطر الإصابة بفيروس كورونا على مستوى العالم.”
وحتى نجتاز كل
تلك المصاعب والتحديات علينا أن نتخلص من حالة التراخى والتفاؤل المفرط التى نعيشها
الآن فى مواجهة فيروس كورونا، وعلى الحكومة أن تبادر بتطبيق الإجراءات الاحترازية بمنتهى
الحزم حتى لو تطلب الأمر تغليظ العقوبات لتصل إلى حد الحبس طالما أن الغرامات المالية
وحدها لم تعد رادعة، ونُذكّر الجميع بأن جائحة كورونا لا تزال موجودة فانتبهوا!