مسيرة طويلة ميزتها ملامحه المَشْرَبَة بالزمن والفن والابداع، مضى بها
الفنان السورى المخضرم " خالد تاجا" منذ ثلاثنيات القرن الماضى ما بين
المسرح والسينما والتلفزيون ، فلا أحد يسطيع أن ينسى أدواره الإستثنائية فى مسلسل
" التغريبة الفلسطنية " ، " أيام الولدنة " ، الفصول الأربعة
، الحُصرم الشامى ، أسعد الوراق ، تميز بحضور لافت استطاع أن يجذب الأنظار ،
وبالرغم من أنه لم يكن بطلاً مطلقًا إلا أن كان الورقة الرابحة لأى عمل فنى ، لقبه
الشاعر الفلسطينى "محمود درويش " ب" أنطونى كوين العرب "
ولكنه يحب أن يناديه الناس ب" تاجى الشامى " وأعتُبر أحد أفضل خمسين
ممثلاً في العالم عام 2004 بحسب مجلة التايم الأميركية.
ولد " تاجا " في 6 نوفمبر عام 1939 في حي ركن الدين بدمشق، في
الثامنة من عمره اكتشف أنّه مولع بالرسم وأُغرم بخيال الظل، وفي العاشرة من عمره
بدأ يتردد على مسارح دمشق، وأدى بعد سنوات بطولة عملين مسرحيين من تأليف وإخراج
أحد أساتذته في المرحلة الثانوية.
انتقل "
تاجا " عام 1956 إلى فرقة “المسرح الحر”، وضمت الفرقة نخبة من الفنانين
الكبار أمثال صبري عياد، وحكمت محسن، وأنور البابا وكان يرأسها الفنان الراحل
عبد اللطيف فتحي، ليقدم حينها عدداً من أدواره على الخشبة وينتقل إلى الكتابة والإخراج
المسرحي.
اختار المخرج اليوغسلافي "بوشكو فوتونوفيتش " في عام 1965،
الفنان الراحل لبطولة فيلم “سائق الشاحنة” الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في
دمشق عام 1966.
ابتعد " تاجا " عن العمل الفنى لمدة 12 عامًا وقد أعلن اعتزاله
وذلك بسبب وفاة زوجته الأولى " سحر المقلى " حيث قتلها ضابط فى ميليشيا
سرايا الدفاع التى كان يقودها رفعت الأسد ، فقد كانت " سحر المقلى "
مطربة ، تحيى إحدى السهرات فى فندق " سيمراميس "فى دمشق ، حيث ألقى
قنبلة على المسرح قتلت قرابة 30 شخصًا من بينهم زوجته التى رفضت إغواء الضابط
التابع لميلشيات الأسد ، وهذا كان أحد الأسباب التى جعلت " تاجا "
معارضًا للنظام السورى فى ثورة 2011 ، حيث أعلن معارضته للنظام ، فشارك فى مظاهرة
المثقفين فى دمشق ، التى قمعتها الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد ، كما أن
مرضه بسرطان الرئة بسبب شراهته فى التدخين أدى إلى إعلان اعتزاله إلى جانب وفاة
زوجته.
وفي أواخر السبعينيات، وقف معه الفنان الراحل "طلحت حمدي" ليعود مجدداً إلى العمل، ومنذ ذلك الحين وحتى
وفاته لم ينقطع ظهوره على الشاشة، حيث شارك تاجا خلال مسيرته الفنية في أكثر من
130 مسلسلاً، أبرزها “هجرة القلوب إلى القلوب، أيام شامية، جريمة في الذاكرة،
يوميات مدير عام، أخوة التراب.
إضافة إلى أعمال أخرى تركت له أثراً كبيراً كمسلسل التغريبة الفلسطينية
الذي أدى دوره فيه على أكمل وجه وراح في الشخصية إلى أبعاد إبداعية عميقة، ومن
أعماله الشهيرة ايضاً مسلسل الفصول الأربعة الراسخ في ذاكرة السوريين،قاع المدينة
، زمن العار، لعنة الطين ، وأعماله التاريخية مثل " صلاح الدين الأيوبى
" ، " ملوك الطوائف " ، " الزير سالم " ، "ربيع
قرطبة " ، " صقر قريش ".
ومن أفلامه "رجال تحت الشمس" 1970، "عودة حميدو" 1971،
"الفهد" و"زواج بالإكراه" 1972، "عروس من دمشق"
و"بنات آخر زمن" 1973، "غراميات خاصة" 1974، "أيام في
لندن" 1976، "شيء ما يحترق" 1993، "نصف ملغ نيكوتين"
2007، "دمشق مع حبي" 2010.
نال "تاجا" االعديد من الجوائز منها تكريم في مهرجان بودابست
ببلجيكا عام 2010، والميدالية الذهبية في مهرجان دمشق السينمائي التاسع، والجائزة
الذهبية لأفضل ممثل في مهرجان القاهرة الحادي عشر، ودرع تكريمي عن دوره في مسلسل
التغريبة في أبو ظبي عام 2005، جائزة لجنة التحكيم للدراما السورية أدونيا عام
2005، ودروع مختلفة من جهات عديدة.
حضّر " تاجا" قبره بنفسه
وكتب عليه "مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهاب زرع النور بقلب من رآها، لحظة
ثم مضت"، كما حمل جملة "منزل الفنان محمد خالد بن عمر تاجا من مواليد
عام 1939"
ورحل " تاجا
" عن دنيانا فى 4 أبريل عام 2012 بعد
صراع مع مرض السرطان بعد مسيرة حافلة وأدوار ستبقى عالقة فى الذاكرة مادامت هنا
حياة وفن .وقد كان ذلك الوقت يصور مشاهده في آخر أعماله مسلسل “الأميمي”.