الأربعاء 25 سبتمبر 2024

«الإسلام» Made in China

29-1-2017 | 11:06

بقلم – إيمان رسلان

نجحنا فى وضع الإرهاب على أجندة وخريطة العالم، وأن ينتفض العالم فى مواجهته، هذا كان الجزء الأول من العنوان الكبير للمؤتمر الدولى، الذى عقدته مكتبة الإسكندرية الأسبوع الماضى واستمر ثلاثة أيام، ولكن الجزء الثانى من عنوان المؤتمر “متحدون فى مواجهة التطرّف”، أخشى أنه لم يتحقق بعدلأننا نعم نجحنا فى وضع الإرهاب على أجندة العالم، ولكن فشلنا فى وضع مكافحة الإرهاب على خريطة الداخل، فما بالنا بالخارج عالميا.

 

فشلنا فى وضع الخطط لمحاربة الإرهاب، لأننا مازلنا نتحدث فقط فى المنتديات، ويحاضر أناس أو أشخاص فى قاعات مغلقة لأشخاص هم أيضا ضد الإرهاب، وبالتالي تصبح نتيجة الحوار يبقى الوضع على ما هو عليه لأننا نحاور أنفسنا فقط ولا نصل إلى الهدف وهم الأشخاص على حافة التطرّف والإرهاب لأن الإرهاب يبدأ فكرة أولا بمعنى إن التطرف هو المرحلة الأولى الأرضيّة الخصبة لنمو فكرة الإرهاب والفرقة الناجية والحقيقة المطلقة، لأن الأرهاب هو التطبيق العملى للفكرة النطرية «التطرف»، ولذلك أصبح مواجهة لمحاربة الإرهاب أمنيا فرض عين علينا وعلى العالم كله، لأنه يقتل الحياة نفسها، وأقول إن محاربة التطرّف فرض عين أيضا وليس فرض كفاية.

وبما أن ٩٠٪‏من التطرّف والإرهاب الحالى عالميا المتهم فيه هم المسلمون، بل البعض فى الخارج أصبح يُتهم الإسلام نفسه للأسف الشديد، فإن واجبنا أكثر من الآخرين أن ننفض الغبار عن أنفسنا ونشتبك لنشر القيم الإنسانية للإسلام، وأن هناك دينا واحدا ولكن هناك رؤى وقراءات متعددة له، وبما أن الإسلام يصلح لكل زمان ومكان، تصبح الفكرة التى طرحها الباحث الصيني المتخصص فى الحركات الإسلامية لونج دينج فكرة هامة وجديرة بتعميمها وهى فكرة  «صيننة الإسلام»، فقد أشار الباحث إلى أن الصين تتعرض لإرهاب هى أيضا باسم الإسلام، وأن المتطرفين الإسلاميين يريدون تفسير الدين الإسلامى طبقا لأفكارهم وشرح ذلك بأنهم كثيرا ما يعودون فى الاقتباس والاستشهاد بآراء ومقولات ابن تيمية وابن القيم الجوزية، وهى مقولات فضلا عن كونها من القرن الثالث عشر، إلا أنها أيضا خارج السياق الذى يتم الاقتباس منه، ولذلك فإن الإسلام هو دين واحد، ولكن دعا إلى دعم ما قاله الرئيس الصيني من صيننة الإسلام أى التأقلم مع ظروف البلد وثقافتها أى تعدد النموذج وليس فرض نموذج واحد فقط يريده الإرهابيون. 

وهو ما دعا د. مصطفى الفقى إلى مداعبته لأن بالفعل مقولته لاقت الإعجاب من الحضور بالقول إن تاريخنا به أمثلة على ذلك، وهو ما فعله الإمام الشافعى حينما غير فتواه حينما كان فى بغداد عنها فى القاهرة، وهنا لابد من أن نشير إلى مساهمات والحضور الأزهرى، وكانت مساهمات جيدة جدا ومستنيرة، لاسيما كل من إمامى جامع القائد إبراهيم وسيدى جابر وغيرهما، ولكن يظل هؤلاء أقلية فى المسار العام لتجديد الخطاب الدينى وإلا لماذا انتشر التشدد والتطرف السفلى فى الإسكندرية تحديدا وخرج منها حزب النور وبمناسبة حزب النور والسلفيين كان لهم حضور فى المؤتمر، ولا أعرف هل هذا جيد أم لغسل اليد من طرح فكرة التجديد التى مازلت أرى أنها فقط فى الخطاب الإعلامى أى كلام جرايد ولم تصبح تيارا عاما فى المجتمع من الأزهر إلى غيره وهو ما أشار إليه د. نور فرحات من عدم وجود دراسات مصرية وأزهرية فى قضايا هامة مثل العلمانية والإسلام وهو ما تقدمه تونس والمغرب والثقافة العربية الآن بينما لم نجد اهتماماً من الأزهر بقضايا الثقافة المعاصرة . 

وهنا لابد أن نشير إلى أن الإرهاب وداعش غيرت أدواتها فى التجنيد وأنهم يبنون الدولة على الأرض وتجنيد الشباب أصبح اليوم فى شهور قليلة وليس سنوات، وأنهم يركزون فى الاختيار والبيئة، وهو مايجعلنا ننبه إلى أن التجديد يعنى تغيير البيئة، التى يمرح ويترعرع فيها التشدد الابن الشرعى للإرهاب. 

كما نبهت الباحثة التونسية د. بدرة جلول من خطر التهميش وغياب الإحساس بالعدالة وغياب التعليم الجيد ونكرر الجيد  هم أدوات الآن يستخدمها الإرهاب للتجنيد بجانب توفير التمويل من الدول الداعمة ومخابراتها، وإلا كيف نجد التمويل لشراء الأسلحة وسهولة دخولها.

قد تكون داعش وأخواتها ومن قبلهم القاعدة وقبلهم الحرب فى أفغانستان صنيعة أنظمة دول، ولكن يبقى فى النهاية أن هذه التنظيمات وجدت التربة لدينا للترعرع وتنمو وتتكاثر للقضاء علينا، ولولا أن مازال لدينا التربة الصالحة ضد العقلانية والتنمية وغياب أى أدوات للعدالة الاجتماعية بمعناها الشامل، لما ازدهرت هذه التيارات التى تستخدمها دول المافيا. 

ولكن المؤتمر على أهمية عنوانه رغم انعقاده الثالث يطرح قضية هامة اتضحت من المحاور والجلسات هل مازالت عندنا نخبة  مصرية للتطوير والتحديث أم النخبة تتحدث فقط وتستخدم آليات الماضى للعبور للمستقبل، وهل صيغة والمحاضرات هى صيغة المستقبل أم أن ذلك من التراث السلفى فى النهوض والتجديد.