الخميس 30 مايو 2024

"جناح لنعش التّفاحة".. من كتاب أجنحة لمزاج الذّئب الأبيض للشاعر الجزائري عبدالرّزاق بوكبّة

فن9-11-2020 | 14:51

تنشر "الهلال اليوم" النص الثالث والرابع من كتاب "أجنحة لمزاج الذّئب الأبيض"، للشاعر الجزائري عبدالرزاق بوكبة، وهما بعنوان "جناح لنعش التّفاحة"، و"جناح لعروس البحر"، ونقرأ فيهما.


 جناح لنعش التّفاحة

استلقى نيوتن تحت الشجرة ونام. اختفت العصفورة الخضراء بين الأغصان وقالت: نشترك في اللون.

حطّ النّسر أعلى الأغصان وقال: نشترك في العلوّ.

قالت التفاحة لنفسها: في أيّ شيء يفكّر هذا الإنسان؟

1-  يصطاد العصفورة

2 -  يدجّن النسرَ

3-  يقطفني 

4-  يحْطب الشّجرة.

أخافها المصيرُ

فانتحرت وسقطت على نيوتن!



جناح لعروس البحر

جلستَ قبالةَ جدّتك مريم بنت الجازية:

هي تغزل الصّوفَ 

وأنت تغزل الخيالَ

فظهر لك وشمُ يديها، وهما تُديران المغزل، بحراً يدوخ "من الدّائخ أنت أم البحر يا الولهي؟!".

غزل الخيال: ظهر لك بيتاً جيّداً، كأنّ المعماريَّ دخل رأسَك.

ضحكتَ معه، وهو يسلّم لك المفاتيح:

- لن أدفع لك يا سيّدي. 

- لماذا يا الولهي؟!

- لأنك وجدت الماكيت في رأسي أصلاً.

يضحك معك: بل أمْلتها عليّ الأنثى التي في رأسك. 

انخطفتَ كسائق اكتشف هفوته فجأةً، وكدت أن تسأله: هل تعرف ماريان؟! ثمّ كبحت السّؤال، وقد تذكّرت أنك حكيت له عنها: "أريده بيتاً يسع كلينا، أنا أرى فيه الغرب، وهي ترى فيه الشرق، مثلنا تماماً عندما ننظر إلى بعض، آهِ لو كان ممكناً أن تتحوّل نظرة بين رجل وامرأة إلى بيت، لكان أجملَ البيوت.

 سألك وأنت تطلّ على البحر من الشرفة الصّغيرة:

- هل أعجبك البيت يا الولهي؟

أجبته وأنت تودّعه عند المدخل الكبير:

- تنقصه ماريان، لتكتمل النظرة يا سيّدي.

لكنّ ماريان لن تدخل قبل الصّيف، لو كانت للسّماء شغف بالنساء، لجعلت كلّ الفصول صيفاً، وأنا شغوف بك يا ماريان، كم شغوف!

شغف أوّل: عندما قرأت اسمك في البرنامج المرافق للدّعوة التي وصلتني من معهد الأنتروبولوجيا الثقافية بباريس، قلت: هناك على الأقل امرأة ستشاركنا الكلام.

شغف ثانٍ: عندما التقينا على منصّة الحديث كانت مداخلتك: [الأبعاد الرّوحية للوشم الأنثويّ في شمال أفريقيا]، قلت: على الأقلّ هناك امرأة ستشاركنا الاهتمام.

شغف ثالث: عندما التقينا على طاولة الطّعام في مطعم الشانزيليزيه، ورحت تبادلينني الكلامَ والاهتمامَ، تمنّيت لو كان عمري كتاباً أعطيك تقرئينه لتكتشفي فراغاته. قرأت في مخطوط مهمل من القرن السّادس عشر، للمتصوّف والموسيقي يوسف بن ريّاح: "وفي حديثك مع الإفرنج قوّة لحديثك". 

شغف رابع: حدّثتك عن وشم جدتي، وحدّثتِني عن غربة روحك، فبدت لي زرقة عينيك بحراً يدوخ، "من الدّائخ، أنت أم عيناها يا الولهي؟!".

عدتَ إلى الشرفة، وضِعتَ في أفق البحر: البيت جيّد والصّيف بعيد. ترى هل تأتي ماريان لتقبّل وشم جدّتك، وتدخله في الاهتمام؟ 

انتشلتك جدّتك مريم بنت الجازية من غزل الخيال: أنهيتُ غزل الصّوف، وسيكون البرنس جاهزاً في الصّيف.