على عكس الفيلم السينمائي نجد المؤلف في رواية "الأرض" أعطى لكل شخصية من شخصيات الرواية مساحتها الكاملة لتعبر عمّا بها من شجون، أحزان وأفراح، وأن تكشف عمّا بداخلها من مخاوف وأمنيات. لتكشف عمّا تصبو نفسها إليه.
ونجح عبد الرحمن الشرقاوي، في عرض الهواجس داخل كل شخصية، وموقفها تجاه مجتمعها المتمثل في القرية، سواء من خلال حكي الراوي عن كل تفاصيلها الشخصية، مميزاتها وعيوبها، أو من خلال أفعال الشخصية وردودها خلال الحوار والذي يكشف عن حالتها التنافسية وصراعاتها الداخلية، والتي تتباين من موقف لأخر.
ومن خلال تواتر السرد تتكشف جوانب الشخصيات مع المواقف المختلفة، وهو الأمر الذي اختلف بعض الشيء في الفيلم السينمائي، الذي قدم الشخصيات أحادية الجانب لا سيما الشخصيات الرئيسية، ومن هذه الشخصيات نستعرض شخصية "محمد أفندي".
قام الراوي بتسليط الضوء على مكانة المعلم لدى القرية، من خلال الحديث عن احترام محمد أفندي لخاله "الشيخ حسونة"، فهو الذي يميل على يده ليقبلها، وهو ما لم يكن يفعله مع والده، وذلك نظرًا لأن الشيخ حسونة أو الناظر كما يطلق عليه أهل القرية هو من علمه منذ المرحلة الابتدائية وكان محمد أفندي يعتبره مثله الأعلى، ومازال يخشاه حتى بعدما كبر وأصبح "أفندي"، كما أن الشيخ حسونة لا يتورع عن توبيخه في أي وقت وأي مكان بغض النظر عن الحضور طالما صدر منه فعل غير مقبول.
وهو الأمر الذي أصبحنا نفتقده الأن ولا سيما بعد الألفية الجديدة وثورة الاتصالات والأنترنت والأفلام التي حطت من قدر المعلم فأصبح الطالب يتعامل معه بأسلوب خالٍ من التقدير والاحترام، وهو ذات الأمر الذي قدمه الفيلم في علاقة محمد أفندي بخاله.
ويتميز الفلاح في رواية "الأرض" للشرقاوي بحالة من الوعي لا تقل عن تلك التي لدى طلاب الجامعة ودارسي القانون والفلسفة وغيرها من العلوم رغم طبيعة القرية النائية التي لا تمتلك أي وسيلة اتصال تربطهم بأخبار العالم الخارجي، اللهم بعض المتعلمين الذين يجلسون ليتحدثوا عن ما يدور في العاصمة أو في البلدان المجاورة وكذا ما يحدث من خلال الحركات السياسية الكبرى، وكان محمد أفندي واحدًا من هؤلاء المتعلمين الذين يحكون لأهل القرية ما يقرأه، ومن قبله خاله الناظر حسونة.
كما تناول الشرقاوي رجل القرية الذي كان يلبي نداء الواجب دون أن يعرف إلى أين هو ذاهب، وهذا ما حدث مع محمد أبو سويلم، الرجل الذي سلّم نفسه للجهادية ليشارك في حرب لا يعرف عنها شيء فيقول أبو سويلم: "وأنتو شفتوا أي من اللي شفاه أحنا يا عبد الهادي؟! أنتو يا دوبك شفتوا العساكر بياخدوا الرجالة والجمال والحمير والبهايم.. لكن أحنا شفنا الويل يا عبدالهادي! كان معايا أيامها الشيخ حسونة وكان لسه مدرس.. خدونا مع بعض وحطوا الحديد في أيدينا ولبسونا عساكر، وقالوا علينا متطوعين! لكن هو وقف لهم قاموا حطوه في الحبس، وبعتونا إحنا على الشام، رحت أنا في بلاد الشام، وفي بر الشام ده شفت الموت بعيني دي ألف مرة".
روى أيضًا محمد أبو سويلم هذه التفاصيل في الفيلم ولكنها بشكل مختلف حينما تحدث عن الحروب التي شارك بها، وسفره للشام وقت الحرب، مرردًا جملته الشهيرة: "علشان كنّا رجالة، ووقفنا وقفة رجالة".