الإثنين 25 نوفمبر 2024

فن

"لو ألقى أحدكم دلوه في بئر" فصل من رواية "السقوط من ثقب غيمة" لـ"محمود عبدالله تهامي"

  • 13-11-2020 | 14:23

طباعة

تنشر "الهلال اليوم"، فصلًا من رواية "السقوط من ثقب غيمة" للكاتب "محمود عبدالله تهامي"، وجاء الفصل بعنوان  "لو ألقى أحدكم دلوه في بئر" ونقرأ منه:

(1)

الزمن: فجوة تشبه البئر.

وقالت الممثلة التي تشبه الفراشة الملونة فوق مجموعة أزهار برية: توقف عن صب انكساراتك الرتيبة في النهر الجاري تجاه أشباهك البشريين المتألمين، صدقني نحن بصورتنا الآنية لا ينقصنا المزيد من العذاب.. ثم استدارت تنتبه لأشياء أخرى من حولها، حاولتُ جاهدا انتقاء الكلمات التي يمكن أن نختم بها اللقاء لنسجل نهاية محفوفة بالورود، نألفها حين نذكرها، قالت: هل أراك مجددا؟

-       بإمكان القلوب أن تحدد مواقعها بطريقة دقيقة وسديدة.

-       لا تهذي.. هذه مجرد مخدرات لعواطفنا الملتهبة، أنت تحاول إنهاء الظرف بشجاعة ووداد في نفس الوقت.

-       لا أرى منكِ المساعدة.

-       تعال نستعيد اللحظات الأولى التي مهدت لهذا الحال.

-       اللحظات الأولى جديرة بواقع غير القائم، لم تمهد بدورها، ولكن انعطافات إجبارية مفاجئة في سكة السائر حددت نهايات غير مألوفة.

-       في البداية انجذبنا لمواقف عابرة، بسيطة، تَقطع الطريق، تَصل إليَّ لتجدني محتميةً بظل الجسر الرابط بين قارات العالم.

-       جرينا مثل أطفال الروضة وسط السيارات مسرورين، الرجل العجوز أضاء لنا الطريق بابتسامته العريضة وهو يأذن لنا بالمرور.

-       في البداية جلسنا في كافيه عصري وشربنا عصائر باردة ولذيذة.

-       راقبنا سويًا فرحة الناس باحتفالات وطنية وتناقشنا طويلا.

-       في البداية حدثتني عن مدى شبه الوجه لأخريات لكن وجهي يمتاز بكونه يخصني أنا.

-       ضللت طريقا ..

-       كنت تحب الشعر ولم أفضله.

-       لكن شاعرا مجهولا استحوذ على كل الوحدات الخالية ببناء الروح.

-       ألم تعرف السبب؟

-       ربما عرفت!!

(صمت)

(2)

المكان: قاعة فسيحة بها مناضد خشبية راقية.

الزمان: فراغ.

ترتفع السبابة في بطء شديد، تسقط فوق المنضدة محدثة نقرة ضعيفة، يتيمة، متلاشية في الفراغ، في الصمت. تتكرر من جديد بصوت أعلى من الأولى، تتبعها مثيلات متوالية، تستمر الحركة الرتيبة بشكل غير ملحوظ. هل كانت فعلا طاقة خاصة يسكبها في النهر؟ بسهولة حركَّتْ يدها في الفراغ الفاصل بينهما كسحابة عائمة، تتسلل مناطق مجهولة، تحط فوق سبابته الناقرة، يتوقف الأداء الممل، يلتفت إليها مستغربا.

-       توقف.. فعلا لا ينقصنا المزيد من اضطراباتك العصبية تلك.

وأقول: تسلية لا أكثر.

(صمت)

(3)

المكان: البوابة الغربية.

الزمان: عصر يوم غير معروف.

متى تضح الصورة أكثر؟

عصرا، وكان قلب النهار يخفق، خرجتُ ماشيًا تجاه البوابة الغربية للقرية، ثمة مدافن ومسجد جديد بناه الناس للصلاة من أجل منح الموتى مزيدا من الحسنات قبل يوم الدينونة، فوق النخلة المائلة بشكل أفقي وجدت إنسانا، يقعد يقلب في كراسة، اقتربت، لمحت في يده كتابًا قديمًا وباهتا

-       ما عمر هذا الكتاب؟

-       ألف ألف عام.

-       من أنت؟

-       شخص قريب.

-       ما عرفتك!

-       كنت مسافرا في بلاد الله لقد قضيت أعواما مديدة، وعندما رجعت لم أجد أهلي وأقاربي، ربما ماتوا، أو ذهبوا يبحثون عني، سوف أنتظر عودتهم. يتجمع الشمل ويتم الوصل ويحلو اللقاء.

-       كيف حصلت على هذا الكتاب العجوز.

-       بالمصادفة والاتفاقات.. والكتاب في سن الشباب دائما، في كل مرة تقرأ تجد شيئا جديدا لم تلاحظه في السابق.

-       أنت مزعج وملغز.

-       لا تشغل بالك.. قُل لي: مما تشكو؟

-       من المرارة والألم والفشل الدائم والخسارات المتكررة.

-       ادفع الهموم وحقق السعادة.

-       هل هذا ممكن؟

-       أنت بسيط وصغير، سوف تعرف الكثير والكثير عن الألم والفقد، وربما تحقق السعادة المنشودة.

-       ماذا أفعل؟

-       سافر.

-       إلى أين؟

-       إلى الصحراء... السفر حتما يغير المعادلات.

يغلق كتابه المفتوح.. يقف فوق النخلة المائلة.. يثب إلى الأرض.. في ثواني قليلة يمشي متجها ناحية البيوت.. يختفي.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة