الجمعة 7 يونيو 2024

"وصال".. قصة من مجموعة "جئتك بالحب" لـ تيسير النجار

فن17-11-2020 | 15:43

"أن يغلق أحدهم هاتفه أو يجعله صامتًا، هذا موقف يبدر من شخص واثق، واثق أن هناك من يريده ويحاول الاتصال به، أنه يعني شيئًا لغيره حتى لو من قبيل المنفعة، أظنه شعور يستحق الحسد ذلك الشخص قد فضل الوحدة واختارها لم يرغم عليها..."

أضحكتني كلماتك الأخيرة وأنتظر اكتمالها، نظرتك للموقف أحادية مثل أي شخص يمر بأزمة، هناك احتمال آخر لم تعره انتباهك، ذلك الشخص الذي فضل الوحدة كما تظن قد يكون غير واثقٍ من ذاته وسيخسر الكثير إن ظهر في موقف ضعف، أو لا يمتلك الطاقة للتواصل، دائمًا هناك وجه آخر لا نرغب في النظر إليه بسبب قصور داخلنا ربما نجهله أو نكره الاعتراف به.

هذا المساء لأول مرة تسمع صرير المزلاج وهو يُغلق من الخارج، ما عاد بإمكانك الانشغال سوى بالمحيطين بك والاهتمام لوجودهم بجوارك، خرج الجميع، الآن صار باستطاعتك الذهاب لقضاء حاجتك وتناول كوب الماء من الثلاجة وإعداد وجبة سريعة إن هاجمك الجوع ولن يحدث، البائسون لا يشعرون بالجوع والمرضى أيضًا، كنت تقول أن الروتين مؤلم فما قولك وقد جاء الألم حقًا ؟

مستلقٍ على فراشك وممسك بالريموت، تدلي الشاشة لسانها في وجهك وتعرض ما شاهدته في الصباح مجددًا، لن تغلقه لأن السكون صار يخيفك، طاغي الألم ويحرضه السكون على المبالغة في جسدك المنهك، مطبق المصحف بجوارك على هداه ورحمته، تقلب الصفحات فلا تجد سوى حروف صماء متلاصقة، أين الإيمان؟ هل نسيت أن الخوف والإيمان لا يجتمعان في قلب واحد؟ تراودك الرغبة في الصلاة، تخرج حجرك الصغير من أسفل السرير وتتيمم، هل ضمدت جروحك وأنت طهور؟ لا تذكر ولا شيء يذكر عدا الألم الطويل والكبير.

تنتظر زيارة من أحد ما، أي حد حتى لو كان من الذين كنت تتهرب منهم، أو تتحاشى الالتقاء بهم،البشر يبدون تعاطفهم في أول الأمر ثم يملون، الإنسان ملول بطبعه ولا طاقة له على الصبر الذي يطالب به دائمًا، التف الكثيرون حولك في بداية الأمر لكنك صرت شيئًا معتادًا، مريض سيشفى لكن بعد وقت طويل، ماذا بك يثير فضولهم؟ وقد عرفوا تفاصيل إصابتك، وحدك لم تعتد مرضك الطارئ ولم تتأقلم بعد، تعاند بنزق طفولي وتعترض على وضعك الحالي بحماقة، لا مثيل لها أودت بك إلى مضاعفات كثيرة، تشعر بأن السرير صار صليبًا، وسادتك أصبحت طوقًا من شوك، هاتفك أصابه الخرس، عانى كثيرًا قبل صمته الأخير، اتصالات متباعدة، قصيرة .. مجاملة .. مدعية.. ثم انتهت.

لم تصمد أمام عجزك، الجسر الذي بنيته لتصل إليهم نخره المرض في غفلة منك، ابتلعك المرض فهو الأكثر ضخامة وترك هاتفك بالخارج منتظرًا، بل أنت منتظره يخرجك، يخبرك بأن هناك من يبحث عنك، يطمئنك أنه لو كان غيابك النهائي ستجد من يلهث وراء نعشك ويبكي فقدانك، لا أدري لماذا نعبأ لمثل هذه الأمور بالرغم من أننا سنكون تغيرنا كثيرًا ولن نحتاج إليهم حقًا؟ أزعجك هذا الخاطر موقن من ذلك، لو علموا أن سؤالهم سيضخ الحياة في جسد تتسلل الروح منه كل مساء، كلماتهم الخط الواصل بين الموت والحياة، البرق الذي سيخترق جدران الوحدة سيضيء روحًا غلفتها العتمة وصُبغت بالسواد، ربما تبدل موقفهم لكنهم لم يعلموا سوى أن فردًا جديدًا أضيف إلى عالم الأموات.