السبت 11 مايو 2024

شيخ حارة مصر

كنوزنا20-11-2020 | 13:49

على باب الله: محمود السعدنى


فى مثل هذه الأيام منذ 29 عاما رحل عن دنيانا الزعيم جمال عبد الناصر، مات فى الثانية والخمسين من عمره، فى الوقت الذى عاش فيه المعلم قطب82 عاما مع انه كان ينام على الرصيف فى مواجهة كازينو الحمام بالجيزة، وكان يكتفى فى طعامه بما يجود به الكرماء.

عاش عبدالناصر لمصر ومات من اجلها، وخلال حياته التى مرت كالحلم كان أشهى طعام لديه هو الجبنة البيضاء، وافخر رحلاته الترفيهية إلى برج العرب، وأحلى سهراته فى السينما الملحقة بمنزله، وبعد موته بسنوات طويلة شن بعض الاراذل حملة شعواء ضد البطل فاتهمه أحدهم بأنه حرامى ، واتهمه أحدهم بالإتجار فى العملة الصعبة!

العجيب ان هؤلاء الأشاوس عاشوا فى عهد عبدالناصر يمشون على العجين ميلخبطوهش، وبعضهم أرسل للرجال برقيا التأييد وعرائض النفاق والمديح، وبعض الذين هاجموا البطل كتبوا ونشروا عقب وفاته مباشرة قصائد المدح فى مناقبه، سألت أحدهم مرة لماذا مدحت عبدالناصر فى حياته؟ لماذا هاجمته بعد وفاته؟ أجابنى الأشوس إياه: لأننى كنت خائفا وهو حى، ومن حق الخائف ان يحمى نفسه من باب "التقية".

سألت أحد الأطباء النفسانيين فأجاب: لابد من دراسة كل حالة على حده، لأن الناس تختلف والأسباب أيضاً، ولم أتفق مع الستاذ الطبيب فى الرأى، ربما لأننى اعرف السبب الحقيقي فى مثل هذا التصرف، فهؤلاء السادة الأشاوس الذين قبضوا بأيديهم على سكاكينهم وهات ياتشريح فى جثة عبدالناصر بعدأن مات وشبع موت فى قبره، إنما يفعلون ذلك جميعا لسبب واحد وهو قلة الأصل.

شباب هذه الأيام قد لايعرف شيئا عن نظام شيخ الحاروالذى كان معمولا به فى مصر حتى نهاية الخمسينيات وشيخ الحارة كان واحدا من الرعية،ولكنه يتمتع بسمعة طيبة بين الناس ويحظى أيضاً بالاحترام فى دوائر الشرطة، وكانت المدن المصرية مقسمة إلى حارات، وكل حارة لها شيخ، الجيزة مثلا كان لها أربع حارات، وكانت حارة رابعة هى أشهر الحارات، وهى الحارة التى أنجبت خالد الذكرة المرحومة"سكسكة" أشهر فتوات الجيزة فترة طويلة من الزمان، ولايزال الأحياء من ضباط الشرطة العظام،يتذكرون المرحومة سكسك ويذكرون ماقامت به من أعمال أغرب من الخيال، اللواء الوزير السابق حسن أبو باشا عرف المرحومة سكسكة عندما عمل فى قسم الجيزة فى بداية عمله بالشرطة برتبة "ملازم"، واللواء هجرسي كان بينه وبين سكسكة حوادث وحكايات عندما كان مأمورا لقسم الجيزة، وأيضا اللواء جمال شكرى، الذى عمل مأمورا للجيزة فى فترة الخمسينيات، وإذا كانت حارة رابعة هى أشهر حارات الجيزة، فإن أشهر شيخ حارات الجيزة، كان الحج عوف شيخ حارة أول ولقد تشرفت بمعرفة الحاج عوف، فى آخر أيام حياته، واكتشفت أنه يعرف كل اسرار الجيزة، وأدركت لحظتها ان ليس كل انسان يصلح للمنصب ولكن يصلح له من كان مثل الحاج عوف يعرف أسرار المنازل ويعرف اسرار الناس وكنت أظن أن هذا الطراز من الناس اصبح نادر الوجود الآن غير أننى اكتشفت أن هناك من بين أصدقائى من يصلح لهذا المنصب، ليس شيخا للحارة على مستوى النظام القديم، ولكن شيخ حارة لمصر كلها من مرسي مطروح إلى أسوان الآن هو اللواء الوزير السابق عبدالحليم موسي، وهو زعيم شعبي بكل معنى الكلمة، ويصلح رئيسا لحزب شعبى جماهيري من مستور رفيع، أسأله أحيانا عن شخص فى المنصورة أو الدقهلية أو دمنهور أو أسيوط ويأتينى الجواب على الفور من أبوه؟ من من أمه؟ ومن خالته؟ ومن زوج عمته؟ ومتى وكيف مات جده؟ وعن أى عمر يرحمه الله؟ وعندما ترك منصبه كمحافظ أسيوط وجاء إلى القاهرة ليتولى منصب وزير الداخلية، ترك وراءه على الأقل عدة ألوف من أهالى المحافظة يمكنك ان تصفهم بأنهم أصدقاء شخصيون، رجال سياسةوموظفون وعمد واعيان وخفر وفلاحون وناس على باب الكريم، ذات مرة أمعن النظر فى صورة قديمة التقطت للعبد لله فى حفل أقيم فى أسيوط 1970، وكان يحضر الحفل المرحوم شعراوى جمعة، وعدد من لواءات الشرطة منهم اللواء رأفت البسطويسى واللواء مصطفى الكسار واللواء حسن طلعت، وبعد فترة سألنى قائلا: انت تعرف الجدع ده؟ وتصورت أنه يقصد أحد اللواءات؟ ولكنى اكتشفت أنه يقصد شخصا كان يقف خلف الصفوف يرتدى جلبابا صوفيا وكوفية ويحمل بندقية على كتفه، كنت قد نسيت الرجل ولكنى عدت فتذكرته، فقد كان من ضمن الذين حصلوا على مكافآت مالية فى هذا الحفل بسبب أدائهم المتميز فى خدمة الوطن.

وانطلق اللواء عبدالحليم موسي يقول: إنه خفير نظامى فى مركز درنكة بأسيوط، وهو ابن الرجل الشهير المعروف باسم "الخط" واذا كان والده كان سببا فى اصابة جهاز الأمن بصداع خطير ودائم، فإن ابن الخط خفير نظامى ممتاز وهو شجاع ومقاتل شديد المراس وأدى للأمن خدمات كثيرة، سألت اللواء عبدالحليم موسي هل تعرفه؟ قال بالطبع..وقابلته فى المحافظة عدة مرات ومنحته مكافآت مالية وشهادات تقدير وأحمل له تقديرا كبيرا واحتراما شديدا كرجل يحترم كلمته ويؤدى وظيفته بإخلاص شديد.

شيخ حارة مصر الثانى هو المستشار عبدالحميد يونس، إنه يعرف أصل وفصل 80بالمائة على الأقل من أهل مصر، كتب أخيرا فصلا مدهشا عن شخص ينتحل صفة "المستشار" مع انه لم يصل خلال حياته الوظيفية إلا لدرجة مساعد مستشار، وقد نشأ فى مدينة ريفية ووالده كان يعمل بقالا فى المدينة، وكان له قريب يشغل منصبا كبيرا فى الحكومة، وخلال الحرب العالمية الأخيرة زار قريبه ليتوسط من أجل حصول والده البقال على كمية المواد التموينية المخصصة للمدينة، ولما كان طلب المستشار" غير عادل لأن تحقيقه يعنى حرمان البقالين فى المدينة إياها من حصص التموين، ولذلك رفض الباشا المسؤل طلب المستشار إياه وكان لايزال طالبا فى ذلك الوقت وعلى الفور قام الطالب الذى أصبح مستشارا فيما بعد بشن حملة شعواء على الوزير قريبه وجاءت الحملة على صورة مقالات كان ينشرها فى"الكتلة" لسان حال حزب الكتلة الذى كان يرأسه مكرم عبيد باشا وكان "الباشا" مكرم عبيد يقدم هذه المقلات بعبارة من سطر واحد" وشهد شاهد من أهلها" باعتبار أن كاتب المقال من عائلة الوزير الوفدى الذى كان من أشرف السياسين الذين عرفتهم مصر، وأتحرق شوقا الآن لمقابلة شيخ حارة مصر الثانى، المستشار عبدالحميد يونس  لأسأله عن هذا الشخص الذى ينتحل صفة مستشار مع انه لم يكن مستشارا فى أى وقت، والذى أدت به قلة الأصل إلى شن حملة ظالمة ضد الوزير لأنه رفض منح أخيه البقال كل كميات التموين المخصصة للمدينة الريفية.

ولا ادرى لمذا تذكرت الرئيس الراحل عبدالناصر بعد أن قرأت مقال المستشار عبدالحميد يونس، ربما هى قلة الأصل التى تربط بين المستشار إياه وهؤلاء الذين شنوا حملات عنترية ضد عبدالناصربعد موته، ولكن التاريخ لايرحم هؤلاء الناس ولايحترمهم، لأنهم غالبا جبناء وعديمى الأصل.

ليت المستشار عبدالحميد يونس، بمناسبة ذكرى رحيل عبدالناصر، أن يقدم لنا كتابا يكشف فيه عن أصل وفصل هؤلاء الجبناء الذين هاجموا عبدالناصر بعد أن مات وشبع موتا فى قبره، لعل مثل هذا الكتاب يكون عبرة لهؤلاء الذين نصبوا أنفسهم فتوات على مقابر البساتين والخفير والنخال والإمام الشافعى!.

    Dr.Radwa
    Egypt Air