الأربعاء 29 مايو 2024

ننشر الحلقة الـ18 من كتاب «خطاب العنف والدم» لـ"حسام الحداد"

فن20-11-2020 | 19:37

تنشر "الهلال اليوم" فصلًا جديدًا من كتاب "خطاب العنف والدم في الفقه الإسلامي"، للكاتب حسام الحداد، الصادر عن دار ابن رشد للنشر والتوزيع، وجاء الفصل بعنوان "عمر عبدالرحمن"، ونقرأ فيه:


عمر عبد الرحمن

عمر عبد الرحمن (1) أزهريٌّ، قضى عقوبة السجن مدى الحياة في كلورادو بالولايات المتحدة بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك 1993، وولد عبد الرحمن في مدينة الجمالية التابعة لمحافظة الدقهلية عام 1938.

فقد البصر بعد عشرة أشهر من ولادته، حصل على الثانوية الأزهرية عام 1960، ثم التحق بكلية أصول الدين بالقاهرة ودرس فيها حتى تخرج منها في 1965 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف وتم تعيينه في وزارة الأوقاف إماماً لمسجد في إحدى قرى الفيوم، ثم حصل على شهادة الماجستير، وعمل معيداً بالكلية مع استمراره بالخطابة متطوعاً.

انضم عبد الرحمن للجماعة الإسلامية وهو طالب، حيث بدأ في نشر أنشطة الجماعة، داخل الحرم الجامعي، وعلى إثر ذلك ومع توسع أنشطته تم إيقافه عن العمل في الكلية عام 1969، وفي أواخر تلك السنة رفعت عنه العقوبة وتم نقله من الجامعة من معيد بها إلى إدارة الأزهر بدون عمل.

تم اعتقاله في 13 أكتوبر 1970 بعد وفاة جمال عبد الناصر، وبعد الإفراج عنه، استمر في نشاطاته، حيث تمكن من الحصول على الدكتوراه، وكان موضوعها؛ "موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة"، وحصل على "رسالة العالمية" بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، لكن تم منعه من التعيين.

استمر المنع حتى صيف 1973 حيث استدعته الجامعة وأخبرته عن وجود وظائف شاغرة بكلية البنات وأصول الدين، واختار أسيوط، ومكث بالكلية أربع سنوات حتى 1977.

واصل عبد الرحمن نشاطه الدعوي متنقلاً بين المحافظات مشاركاً في المؤتمرات والندوات، عارضاً فكرة الجماعة محمسا الشباب للجهاد والخروج على نظام الحكم؛ مما أدى إلى اعتقاله العديد من المرات وتحديد إقامته بمنزله بالفيوم بعد أن اتهم بالتجمهر وتحريض المصلين على التجمهر بعد صلاة الجمعة، لكن محكمة أمن الدولة برأته أيضاً مما نسب إليه وحفظت القضية، وأخيراً استطاع السفر إلى أمريكا ليقيم في ولاية نيوجرسي حيث كثر أتباعه.

كان للجماعة العديد من المواقف السياسية برزت في موقفها من معاهدة كامب ديفيد وزيارة الشاه وبعض وزراء الكيان الصهيوني لمصر، فأقامت المؤتمرات والمسيرات ووزعت المنشورات خارج أسوار الجامعة للتنديد بذلك والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية؛ مما أدى إلى تدخل الحكومة في سياسات الاتحادات الطلابية، فأصدرت لائحة جديدة لاتحادات الطلاب تعرف بلائحة 1979م التي قيدت الحركة الطلابية.

وازداد الضغط الإعلامي والأمني على قيادات الجماعة واشتدت مطاردتهم في جامعات الصعيد بوجه خاص، حيث تم اعتقال بعض قيادتهم وفصلهم من الجامعة.

في عام 1979م التقى كرم زهدي- عضو مجلس شورى الجماعة- بالمهندس محمد عبد السلام فرج العضو في أحد فصائل تنظيم الجهاد وعضو مجلس شورى الجماعة فيما بعد وصاحب كتاب الفريضة الغائبة الذي عرض على كرم زهدي فكر الجهاد، وأن الحاكم قد كفر، وخرج عن الملة فوجب الخروج عليه وخلعه وتغيير النظام، ثم عرض عليه فكرة اشتراكهم مع التنظيم للتخطيط لإقامة الدولة الإسلامية.

عرض كرم زهدي الفكرة على مجلس شورى الجماعة في صعيد مصر الذي كان يرأسه آنذاك ناجح إبراهيم، فوافق المجلس على أن يكون هناك مجلس شورى عام ومجلس شورى القاهرة، على أن يتولى إمارة الجماعة أحد العلماء العاملين الذين لهم مواقفهم الصلبة.

تم اختيار عمر عبد الرحمن أميرًا للجماعة، كما تم إقرار تشكيل الجناح العسكري وجهاز الدعوة والبحث العلمي والتجنيد وتطبيق القوانين الإسلامية وكذلك جهاز الدعم اللازم للحركة في مجالاته المتعددة، ومن هذه اللحظة انفصلت الجماعة عن توجهات التيار السلفي في الدعوة بشكل عام تحت مسمى الجماعة الإسلامية.

في عام 1980 أعير إلى كلية البنات بالرياض حتى سنة 1980، ثم عاد إلى مصر، في سبتمبر 1981 تم اعتقاله ضمن قرارات التحفظ، فتمكن من الهرب، حتى تم القبض عليه في أكتوبر 1981 وتمت محاكمته في قضية اغتيال السادات أمام المحكمة العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا، وحصل على البراءة في القضيتين وخرج من المعتقل في 2 أكتوبر 1984.

دخل الولايات المتحدة في يوليو عام 1990 عن طريق المملكة العربية السعودية، وبيشاور، والسودان، ليقيم في ولاية نيوجرسي.

أصدر فتوى في أمريكا أعلن فيها شرعية الاستيلاء على أموال غير المسلمين، وقتل اليهود في الولايات المتحدة، ودعا المسلمين إلى الهجوم على الغرب.

اعتقل هناك بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك عام 1993، في الوقت الذي كان يُعلن فيه أعلن تأييده لمبادرة وقف العنف التي أعلنتها الجماعة بمصر عام 1997، واتهم عبد الرحمن بأنه زعيم من آل الجماعة الإسلامية، وهي حركة إسلامية متشددة في مصر وتعتبر منظمة إرهابية من قِبل الولايات المتحدة والحكومات المصرية.

واتهم بالتحريض على تفجير مركز التجارة العالمي، والدليل الوحيد هي معلومات مخبر مصري من جهاز أمن الدولة، حيث لعبت وقتها الحكومة المصرية دوراً في إثبات التهم عليه، ورفضت تسلمه رغم عرض واشنطن ذلك عليها أكثر من مرة.

صرحت دولة قطر منذ سابق أنها مستعدة لاستضافة عمر عبد الرحمن، كونه ضريرا وعمره يتجاوز السبعين عاماً، ومصاب بعدة أمراض، من بينها سرطان البنكرياس والسكري، والروماتيزم والصداع المزمن، وأمراض القلب والضغط وعدم القدرة على الحركة إلا علي كرسي متحرك، وفي حبس انفرادي بلا مرافق، مقطوعة اتصالاته الخارجية، جعل المجتمع المدني يتدخل للوقوف معه، وكانت من بينهم المحامية الناشطة الحقوقية إلين ستيورات التي كانت تدافع عنه، والتي تم سجنها بتهمة مساعدته وتوصيل رسائله إلى أسرته وتلاميذه.

وكشفت أسرته، عن تدخل أمير قطر في وساطة رسمية من أجل الإفراج عنه، حيث قال محمد نجل عمر عبدالرحمن: إن يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين احتضن هذه الوساطة وعرضها، منذ أيام، على أمير قطر، الذي أبدى استعداده للوساطة رسمياً، بالتعاون مع شخصيتين أخريين أحدهما مصري والآخر قطري.

وأضاف أن القرضاوي سبق أن قام بوساطة وتحركت قضية عبدالرحمن نحو الانفراج، ولكن الحكومة المصرية أفشلت هذه الوساطة وأنهتها في مهدها؛ مما دفع الأسرة لمواصلة جهودها من خلال تكرار وساطة القرضاوي مرة أخرى، ولفت إلى أن القرضاوي أبدى استعداداً لتجديد وساطته مرة أخرى بعد سقوط النظام المصري.

كان عصام دربالة، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية آنذاك قال: إن الجماعة تنظم عدداً من الفعاليات على المستويين المحلي والدولي من خلال بعض الطلبات والمناشدات لتكوين رأي عام ضاغط للإفراج عن زعيم الجماعة.

وكشف عن رفض الجماعة الإسلامية عروضاً كثيرة من القاعدة بالتدخل من خلال عمليات عسكرية للإفراج عنه؛ لأن الجماعة ترفض أي عمليات عسكرية ولا تدعو لها مهما كان مبررها.

له مجموعة من المصنفات منها "موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة"، وهي رسالة الدكتوراه "كلمة حق"، و"تفسير سورة النجم"، له مجموعة من المقالات "قولوا للظالم لا"، "الشريعة الإسلامية شريعة كاملة"، "وصية إلى أمة الإسلام"، "نظرات في سورة غافر"، له مجموعة من التسجيلات الصوتية منها القرآن الكريم كاملا، صحيح البخاري، تفسير سورة غافر، الدعوة والعقيدة في سورة الكهف، الدين الإسلامي دين شامل، مجموعة من المحاضرات الدعوية في أوروبا وأمريكا.

عقب تولي الرئيس السابق المعزول محمد مرسي حكم مصر، أرسل عبد الرحمن من محبسه في أمريكا رسالة تهنئة للشعب المصري، على فوز جماعة الإخوان بحكم مصر، كما أعلنت الجماعة الإسلامية أنها تلقت تعهدا منه بالسعي للإفراج عن عمر عبد الرحمن من السجون الأمريكية بتقدير بالغ.

وأضافت الجماعة، أنه لا صحة لما ورد عن سمر فرج فودة من أن عمر قتل والدها بالإفتاء بذلك؛ لأنه لا علاقة له بهذه القضية نهائيًا وكان حينها في أمريكا وتم القبض على مرتكبي الحادث في وقتها وتمت محاكمتهم وأعدم عدد منهم.

وأكدت الجماعة أنها تعتقد أن موقف المعارضين لهذا التعهد من بعض الصحفيين الأمريكيين وبعض أعضاء الكونجرس مبني على معلومات مغلوطة يتداولها البعض على خلاف الحقيقة، موضحة أن عمر عبد الرحمن تم الزج به في السجن في أمريكا على خلفية معارضته المعروفة لنظام حسني مبارك، وأنه لم يحاكم في أمريكا على خلفية قتل بعض الأمريكيين في عملية برج مركز التجارة العالمي، ولكن لاتهامه بمحاولة اغتيال الرئيس السابق في مقر الأمم المتحدة.

وأوضحت الجماعة، أنه مما يدل على تلفيق هذه القضية له ما أعلنه فريدريك وايت هورست- العميل الخاص بمكتب التحقيقات الفيدرالي، في حديث صحفي عندما أقر بوقوع ضغوط شديدة عليه من المدعي العام الأمريكي في قضية الدكتور عمر عبد الرحمن لإهمال الإدلاء بالأدلة التي تبرئ عمر.

كانت آخر أخبار وردت عن عمر عبدالرحمن، هو أن حالته الصحية تدهورت داخل السجن الأمريكي، وتم نقله إلى منشأة طبية بعد تدهور حالته الصحية.

وذكر المكتب الفيدرالي للسجناء أن الشيخ الضرير نقل من سجن سوبر ماكس الفيدرالي بولاية كولورادو إلى مركز بونتر الطبي بولاية كارولينا الشمالية، بحسب وكالة أسوشيتيد برس.

ومن جهته قال المدعى العام لولاية نيويورك: إن ابناء الشيخ طلبوا الحصول على معلومات بشأن معاناته الصحية، حيث إنه مريض بالسكري ولديه مشاكل في القلب، كما يعاني من عدة أمراض أخرى.

في مساء يوم السبت الموافق 18 فبراير 2017 أعلنت أسماء عمر عبدالرحمن نجلة منظر الجماعة الإسلامية عبر صفحتها على موقع التواصل "فيسبوك" أن والدها في ذمة الله.


دكتوراه من الأزهر.. تؤسس لفقه داعش واخواتها

رسالة الدكتوراه التي حصل عليها الشيخ من جامعة الأزهر بمرتبة الشرف الأولى، ومن المفارقات أن شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي كان من الذين أجازوا الكتاب للحصول على درجة العالمية، وعنوان الكتاب الأصلي كما طرح كرسالة دكتوراه "موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة". ورغم أن النزعة الأزهرية بادية في معالجة المؤلف للكتاب هناك مصادر معرفية منحت هذه النزعة الأزهرية ذات الطابع التقليدي روحا من الإحيائية ذات الطابع الحركي التي تدعو للإحياء والتجديد والتغيير الشامل في المجتمعات الإسلامية، أهم هذه المصادر التي نقل منها الشيخ في كتابه كانت عن أبو الأعلى المودودي من كتابيه "السلام العالمي في الإسلام" و"الجهاد في سبيل الله"، وكذلك "في ظلال القرآن" لسيد قطب، لكنه لم يشر إليه في المراجع، ما يعني أن الأزهر في هذا الوقت (أواخر العام 1971م وقت اكتمال الرسالة) لم يكن يجيز الإحالة على سيد قطب بسبب الظروف السياسية التي كانت تمر بها مصر في ذلك الوقت.

بل إن هناك إحالة فريدة من الشيخ إلى الميثاق الذي دشن الاشتراكية في مصر، والكتاب تعرض لبيان موقف القرآن من خصومه كما ورد في سورة التوبة في أربعة أبواب كبار، الأول بين الموقف من المشركين العرب، والثاني بين الموقف من أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، والثالث أوضح  الموقف من المنافقين والباب الرابع الأخير أفرده المؤلف للجهاد. (2)

وسورة التوبة هي آخر سورة متصلة بالأحكام نزلت في القرآن، ومن ثم فقد تضمنت الأحكام النهائية في العلاقات بين الأمة المسلمة وسائر الأمم في الأرض، والسورة مدنية ويذهب المؤلف إلي أنها نزلت كلها في السنة التاسعة من الهجرة قبل وأثناء وبعد غزوة تبوك، وسورة التوبة هي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي لم تفتتح بالبسملة، وذلك -على ما ذهب المؤلف- أن السورة نزلت بالسيف ونبذ العهود وليس فيها أمان، فهي "رفعت الأمان الدنيوي عن جماعة المشركين وتسليط المؤمنين عليهم بالقتال.

علاقة المسلمين بالمشركين

في بداية العرض العام للفصل الأول يدخل عمر عبد الرحمن مباشرة الى لب الموضوع والهدف من هذه الرسالة التي أجازها الأزهر وهو تقرير الجهاد وخلق جيل جديد يحمل السيف ليس على العدو الخارجي فقط بل على ابناء البلد الواحد سواء كانوا مسلمين او غير مسلمين ان لم يمتثلوا لتلك الفتاوى الداعية للدماء والقتال، الداعية للموت كارهة الحياة فيقول ".. كذلك يكشف عن حكمة الجهاد وعلته في خاصة الجماعة الاسلامية.. انه ابتلاء وامتحان لكشف الخبيء في الصدور، وتمييز الفئة المؤمنة المجاهدة، وفضح المنافقين الذين يسيرون غير ما يعلنون، ويتخذون لهم دخيلة دون الله ورسوله ودون المؤمنين" (3)

ويشير المؤلف إلى أن العهود المعقودة بين المسلمين وغيرهم الأصل في مشروعيتها ومصدرها هو الأمة وأن الإمام (الدولة) تقوم نيابة عنها بما يراه محققا لمصلحتها، ونبذ العهد إلى من خاف المسلمون منه خيانة هي دلالة على احترام الإسلام للعقود والمعاهدات وأنه لا يقر الغدر ولا الخيانة، ونبذ الإسلام عهود المشركين بعد خبرات طويلة معهم من نقض العهود، بيد أنه لا يعلنها حرب إبادة على كل مشرك بل يفتح أبواب الهداية لمن لا يمثل خطرا على الإسلام وأهله ومن هنا كان تشريعه الأمان والجوار لمن يريد أن يسمع كلام الله، فالإسلام دعوة هداية لا تكره أحدا على الاعتقاد، فهو إعلام لمن لا يعلمون وإجارة لمن يستجيرون حتى من أعدائه الذين شهروا عليه السيف وحاربوه.

ويبيح الإسلام بالأمان التبادل التجاري والصناعي والثقافي وسائر الشؤون مما لا يتصل منها بضرر الدولة، أما المعاهدون الذين يستقيمون على عهدهم فإنه يوفي لهم بعهدهم ويستقام معهم على شروطه، وبلغت رعاية الإسلام للعهود والمواثيق حتى مع الكفار درجة قدمتها على حق الأخوة في الدين "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا علي قوم بينكم وبينهم ميثاق"، ولا يزال الحكم الشرعي إلى اليوم قائما بضرورة الوفاء بالعهود إلى المشركين من الوثنيين ما ظلوا مستقيمين عليها مع المسلمين.