الأحد 19 مايو 2024

عيد ميلاد فيروز.. سفيرتنا إلى النجوم (بروفايل)

فن21-11-2020 | 11:10

صوت ألفته الآذان منذ عقود طويلة، يحمل فى طياته ذكريات الطفولة والشباب، الحب الأول، ورونق البدايات، الشتاء والدفء ومشاعر الحنين التى تنسل من بين ثنايا أغانيها، تلك التى عبرت عنا فى كل مكان وفى كل وقت وحين، وذاك الصوت أصبح يرافقنا أينما كنا.

به نهتدى فى طرقات وظلمات الليل الطويل، وبه نبدأ صباحاتنا المشرقة الباسمة، نحتفى اليوم 21 نوفمبر بذكرى ميلاد "جارة القمر"، وسيدة الغناء العربى "فيروز" الـ85، فهى من أشهر الأصوات العربية التى خُلد إسمها بإرث موسيقى مازلنا نعيش فى كنفه حتى الآن ، قدمت "فيروز"لمحبيها  تجربة فنية ثرية امتدت إلى مئات الأغانى والألحان وتغنت لكبار الشعراء أمثال أحمد شوقى، نزار قبانى ، ميخائيل نعمة ، إيليا أبوماضى ، والأخوين رحبانى الذين كانا علامة فارقة فى تاريخها الفنى ،فقد كانت متزوجة ب"عاصى الرحبانى "وكان ييشكل ثنائى فريد مع أخيه"منصور الرحبانى".

ولدت "جارة القمر" فى 21 نوفمبر عام 1935فى حارة زقاق البلاط فى مدينة بيروت فى لبنان لعائلة مسحية "كاثوليكية" فقيرة الحال ، كان والدها يعمل فى مطبعة الجريدة اللبنانية "لوريون" التى تصدر حتى يومنا هذا باللغة الفرنسية، كانت والدتها تدعى "ليزا البستانى" مسحية مارونية، واسمها الحقيقى " نهاد رزق وديع حداد "والمعروفة بالاسم الفنى.


"فيروز"والذى أطلقه عليه "حليم الرومانى " الذى وجد فيها موهبة حقيقية وصوت إستثنائى ، كانت "فيروز" تحب الغناء منذ صغرها ، وبسبب الحالة المادية المتواضعة لأسرتها فكان لا يتثنى لهم شراء الراديو التى كانت تحب أن تسمع من خلال صوته السحرى "أم كلثوم"،"أسمهان"،"محمد عبدالوهاب"، فكانت تنصت آذانها إلى راديو الجيران وتغنى كثيرًا حتى اشتكى منها بعض جيرانها.


قام "محمد فليفل" بإكتشاف ذلك الصوت الشجى الذى لم تكمل صاحبتة ال6 أعوام وقدمها فى حفل المدرسة لتغنى لتكون بداية إنطلاقها ، وبالرغم من تحفظ والدها فى بداية الأمر ،إلا أنه يرضخ لإستمالات"فليفل" الإقناعية وموهبة إبنته التى قل أن يجود الزمان بواحدة مثلها ، فتنضم "فيروز" إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية ، فغنت فى البداية فى عام 1940 فى كورال الفرقة الإذاعية ، ثم ألف لها مدير الإذاعة اللبنانية "حليم الرومى " أولى أغنياتها.


بدأت " فيروز" الظهور وبزغ نجمها عندما تعاونت مع "الأخوين رحبانى " والذى تزوجت إحداهما وهو "عاصى الرحبانى " وأنجبت منه أربعة أبناء هم "زياد"،"هالى"،"ليال"،"ريما"،وقد كان هذا التعاون مثمرًا أيضًا على المستوى الفنى حيث أحدث روحًا جديدًا ومرحلة جديدة فى تاريخ الموسيقى العربية فالمزج بين الإيقاعات الشرقية والغربية أضفى للأغنية حيوية فقد أسبغها بروح العصر، مما ضمن ذلك لها عدم التكرار وخوض التجارب دون خوف وهذا إنعكس جليًا على إرثها الفنى الذى إنتقل ما بين الغناء باللهجة المحكية وغناء قصائد كبار الشعر العربى القديم والحديث ، فكتبت بصوتها الخلود لتلك الكلمات والأبيات الشعرية ، فغنت قصيدة"سكن الليل"و"أعطنى الناى وغنى " لجبران خليل جبران ،وقصيدة "يانثرى"لميخائيل نعمة،وقصيدة "يا جارة الوادى " لأمير الشعراء "أحمد شوقى" ،ولنزار قبانى غنت له"لا تسألونى ما سمه حبيبى"،وللمتنبى أبيات من قصيدة"أرق على أرق"،وللأخطل الصغير"يا عاقد الجاحبين"،و"من قلبى سلام لبيروت".

فى عام 1986 مات زوجها "عاصى الرحبانى" ومنذ ذلك الحين بدأت مرحلة جديدة فى حياة "فيروز" فبدأت تتعاون مع إبنها "زياد الرحبانى " وقدم معها مجموعة كبيرة من الأغانى التى أبرزت موهبته وخلدت اسمه فى مسيرة "أرزة لبنان " الفنية ، فلم تخش التعاون مع صغار الملحنين والكُتاب الشباب ولم تخف من التجربة والمغامرة.


أنتجت "فيروز"ما يقرب من 62 ألبوما، كان الأول "القدس فى البال"،وجاء مكونًا من 8 أغانى ،ثم توالت إنتاجاتها حلال مسيرتها الفنية الأولى فأصدرت فيها أليوم"أنا وسهرانة"،"أندلسيات"،"أيام فخرالدين"،"أغانى الميلاد"،"الليل والقنديل"،"بياغ الخواتم"،"تغنى زكى ناصيف"،"جسر القمر"،"كيفك أنت"،"ميس الريم"،"هموم الحب"،وجاء آخر إنتاجاتها فى عام 2010 من خلال ألبوم "إيه فى أمل" وجاء مكونًا من 12 أغنية، ثم لحقت به فى عام 2017 ألبوم"ببالى" ومكونًا من 10 أغانى ،وقد رأى بعض النقاد أنه لم يرتقى لإنتاجات فيروز السابقة ، ووجد البعض الآخر أن صوت فيروز النقى يغطى على أى عيوب واجهت أغانى الألبوم من سوء إختيار الكلمات أو الألحان.


شاركت "فيروز" على خشبة المسرح 14 مسرحية كانت الأولى "جسر القمر"فى عام 1962، و"بياع الخواتم"فى 1964 ، "جبال الصوان" فى 1969،"صح النوم" فى 1971 وقد أعادت عرضها فى "البيال"ببيروت فى ديسمبر 2006 وفى عدة حفلات كان آخرها فى دار الأوبرا بدمشق عام 2008 واستمر عرضها أكثر من إسبوع ،"ميس الريم"فى عام 1975.

أما فى السينما شاركت "فيروز" فى بطولة ثلاثة أفلام هم "بياع الخواتم "فى عام 1965 وكان يقامسها البطولة أختها"هدى حداد "،"نصرى شمس الدين"،"فيلمون وهبى"، وفى عام 1967 شاركت فى فيلم "سفر برلك" وكتن الفيلم من بطولة "نصرى شمس الدين"،"عاصى الرحبانى "،"رفيق سبيعى" ،"هدى حداد"، وفى فيلم "بنت الحارس" الذى تم صدوره فى عام 1968 وشاركها البطولة أيضًا كل من " نصرى شمي الدين"،"رفيق سبيعى" ،" وابنتها "ريما الرحبانى "، "إلياس رزق".


غنت "فيروز" مئات الأغانى الوطنية والتى لم تغن فيها قط للأمراء والحكام والملوك كما يفعل المطربون، فعاشت أغانيها عمرًا أكثر من عمرها، فغنت للسلام والحرية وناصرت القضية الفلسطنية فى عدة أغانى منها "زهرة المدائن "،"القدس العتيقة"،"أنا لا أنساك فلسطين"،"وغيرها الكثير، كما غنت لجميع دول الوطن العربى بصوتها الملائكى ومن أشهر تلك الأغنيات "غنيت مكة"،"يا هوى بيروت"،"احكيلى عن بلدى "،"بتلوح الدنى"، طسلامى لكم يا أهل الأرض المحتلة"،"سنرجع يومًا"،"إلى دمشق"،"عمان فى القلب"،"بغداد والشعراء"،" العيد يروى الكويت"،"بيت صغير بكندا".



حازت "فيروز" على مئات الجوائز والتكريمات ،فحارزت على وسام الشرف الذى منحها إيام الرئيس اللبانى "كميل شمعون"فى عام 1957 ،وميدالية الكرامة ووسام النهضة الأردنى من الدرجة الأولى من  "الملك حسين"ملك الأردن ف عام 1963 ،حصلت على مفتاح مدينة" القدس" فى عام 1968 ، وتم إصدار طوابع بريدية تذكارية عليها صورتها كنوع من التكريم ،وفى عام 1988 كُرمت فى فرنسا وحصلت على وسام قائد الفنون والآداب التى منحها لها الرئيس الفرنسى "فرانسوا ميتران " ويعتبر من أرفع الأوسمة فى فرنسا.

وفى عام 1988 حازت مرة أخرى على فارس وسام جوقة الشرف وو من أرفع الأوسمة فى فرنسا التى منحها إياه الرئيس الفرنسى "جاك جيراك" وتوالت الجوائز والتكريمات إلى أن احتفى بها الرئيس الفرنسى "إيمانويل ماكرون" هذا العام بزيارتها بمنزلها بلنان ومنحها وسام جوقة شرف والذى يعد من أهم الأوسمة فى أوروبا.


لم تنته رحلة "جارة القمر" وستظل خالدة إلى أن يفنى العالم، فصوتها  سيظل يصدح فى جنبات البيوت والطرقات والشوارع ويظللنا بدفئه أينما كنا، فهى قيثارة الحياة وأيقونة استثنائية ظلت متربعة على عرش القمة دون أن بديل أومنافس، فظلت عصية على التكرار أو الاستنساخ مرة أخرى.