الإثنين 29 ابريل 2024

أخرى21-11-2020 | 14:23

يَحُثّنا القديس بطرس في رسالته الأولى قائلاً: "فتواضعوا تحت يد الله القوية، لكي يرفعكم في حِينِه.  مُلقين كل هَمِّكُم عليه، لأنه هو يعتني بِكُم" (6:5-7). كانت هناك إحدى السفريات بحراً، في ظروفٍ متقلّبة بسبب سوء الجو، فانزعج الركاب جداً، وهرعوا مسرعين في حالة غضب، طالبين مقابلة قبطان السفينة فوراً. ولكن التقى بهم مساعده وسألهم قائلاً: "لِمَ كل هذا التوتر والانزعاج؟" فأجابوه: "ألا تَرى، السفينة تشق النهر بسرعةٍ شديدة، بينما الضباب الكثيف يُحيط بنا من كل جهة، ويعوق الرؤية تماماً؟" فقال لهم والابتسامة تملأ وجهه: "لا تخافوا قط، لأن مكان قيادة القبطان أعلى بكثير من الضباب، لذلك فهو يرى كل شيءٍ جيداً".

نستطيع أن نضع هذا المثال نُصب أعيننا، عندما تضيق بنا الحياة، كما يجب أن نثق في القبطان الأعظم الذي يقود مسيرة حياتنا، فهو يعلو فوق الضباب، ويرى معالم الطريق جيداً، ويعرف أدق التفاصيل. ومما لا شك فيه أن الله معنا في كل حين بيده الحانية والجبّارة لتسند ضعفنا، وتزيل العقبات من طريقنا، كما أنها تساعدنا على اجتيازها، عندما نستعين به ونعمل معه.

مَنْ يستطيع أن ينكر بأن الله معنا أيضاً بكلامه الذي يُنير عقولنا وقلوبنا، ويشدّد عزائمنا، ويدفعنا إلى عمل الخير والتحلّي بالفضائل؟ كما أن كلامه يعاتبنا حيناً، ويعزّينا حيناً آخر، فالله لا يتركنا أبداً، لأنه معنا دائماً لينظّم ما شوّهناه من أمور حياتنا. لكن للأسف نجد الناس مشغولين عن الله، منهمكين في ارتباطاتهم اليومية، بالرغم من أنه في أتم الاستعداد ليغمرنا ببركاته وعطاياه.

 وما أجمل كلمات الكاتب محمود تيمور عن علاقته بالله: "يا الله! نداء، يا له من نداء! يَصلُك بتلك الروحانية السرمدية، روحانية الله في ملكوته الأعلى! يا الله! متى قلتها في حرارةٍ، شعرتَ بأنك قد اغتسلتَ وتَطهرتَ، فتألّق نور عينيك، وشاع الصفاء بين جنبيك، وكأن قد نبتَ لك جناحان يرفّان، فأنت بهما في خفّة الطير، تُحَلّق في الفضاء الفسيح. يا الله! لا أرهب في الوجود شيئاً، مادام ندائي لك ملء سمعيِ.. يا الله! ما أسعدني بحبي إياك! أنا لا أخشى أعاصير الحياة، لأني في عِصمةٍ منها، بما أجده لك في قلبي من حُبٍ دائمٍ موصول. وأنا لا أضيق ذرعاً بالألم، لأني أجد في نسمة رضاك، ما يمحو الألم ويأسو الجراح. أنام، مطمئناً رَضيّ البال: فاسمك هو آخر ما تلفُظ شفتاي. وأصحو متفائلاً طَلِق الأسارير: فندائي لك، أول ما يلهج به لساني: يا الله!".

هذا هو سر عظمة النفوس الصافية التي تتحد بالله، مصدر كل سلام وصفاء وطمأنينة. فإذا كان الله، رب السماء والأرض هو الحنون؛ فما الذي يخيفنا أو يُنَغّص حياتنا؟! هل يتوانى الله عن إغاثتنا حين ندعوه؟ هل يتركنا وشأننا عندما تساورنا الهموم أو تطغي على قلوبنا الغيوم؟! ويقول داود النبي: "معونتي من عند الله خالق السماء والأرض" (مزمور 2:120). إذاً يجب أن نُسَلّم أنفسنا بين يدي الله خالقنا، في ظل ظروف الحياة ومشاكلها، كما يجب علينا أن نثق بأنه لن يهملنا أبداً، حتى وإن سمح بالصعوبات والهموم؛ فلكي يذكّرنا بأن نلجأ إليه ونحتمي به. للأسف، كثيراً ما ننسى الله، ولا سيما عندما تحلّ بنا المصائب، أو تعصف علينا المخاطر وتقلقنا المشاكل، لكن إذا كنّا نضع الله نصب أعيننا، ونتوسل إليه ليساعدنا، لن يتأخر أبداً أو يهملنا في ظل هذه الظروف، ومِنْ ثَمَّ سنشعر للتو بسعادةٍ وطمأنينة، وشجاعة الثقة به، ونلتمس حنانه ونعتمد على أبوّته. مما لاشك فيه أن الله قادر على تصريف أمورنا أفضل منّا، إذا لجأنا إليه بثقة بنويّة، كما أن الله ليس بحاجةٍ إلى توجيهاتنا أو نصائحنا، ولكن كل ما يطلبه هو أن نعبده بخشوع ونعطيه قلوبنا ونتوكّل عليه.

كم من سعادة تغمرنا، عندما نعتمد على الله الذي يستجيب لنا، وإذا لزم الأمر سيحملنا بين ذراعيه، لنتخطى العقبات التي لا نستطيع التغلّب عليها بقوانا الشخصية. ومادام الله في حياتنا بلا شك، فلا نخاف شيئاً في الدنيا، لأن جميع المخلوقات وكل الأمور بيده، ويستجيب لنا دون توانٍ، لأنه يرأف بحالنا. ونختم بكلمات الكاردينال نيومان: "كثيراً ما نكتشف حضور الله في حياتنا بعد فوات الأوان، عندما ننظر إلى الوراء."

    Dr.Randa
    Dr.Radwa