الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

أخرى

حقائق صادمة عن التحرش (2)

  • 23-11-2020 | 11:08
طباعة

ربنا ما يوقعك في ورطة تجد نفسك فيها وجها لوجه مع الاتهام بالتحرش لماذا؟


لأن جريمة التحرش تقع فيها الإدانة بمجرد صدور الاتهام من المجنى عليها على المتهم، أي تصبح مدانا بمجرد الادعاء عليك بها، لا يهم ماذا هو موقفك الحقيقي، ولو بعد أن تخلى سبيلك النيابة العامة أو تحكم المحكمة ببراءتك،  فحتى تصل إلى هاتين المرحلتين ستمر بأسوأ مرحلة في حياتك مع بدء التحقيقات وهي التى سترى فيها كل العالم يدينك بالتحرش.


سبق أن بينا أن التحرش بالقول والإشارة والفعل، أما القول والإشارة فخطبهما هين بجانب الفعل، فحتى لو كان الاتهام في الادعاء بلمسة يد أو احتكاك ولو خفيف، فهنا تحققت أولى جنايات فعل التحرش وهي هتك عرض فقط بدون استخدام قوة التى بينا أنها جناية يعاقب عليها بالسجن.


المصية الكبرى أن الطب الشرعي لن يثبت براءتك إذ أنه يمكن ألا ينتج عن الاحتكاك الذي وقع منك به فعل التحرش، أي أثر يمكن ملاحظته، فضلا عن إثباته، وتبقى طرق إثبات الجريمة بكافة طرق الإثبات من شهود أو تسجيل مصور أو اعترافك بالجريمة، فلا يكفى ـ وهذا حسن الحظ الوحيد ـ أن يستند الاتهام إلى تحريات المباحث دون أن يكون مدعما بالأدلة والقرائن أو شهادة شهود تطمئن إليهم جهات التحقيق أو هيئة المحكمة، لكن يا ويلك ويا سواد ليلك لو توصلت تحريات المباحث إلى سابقة اتهامك أو سوء سمعتك أو تفاخر سيادتك بأن "واد فتك مقطع السمكة وديلها" فإذ ربما تقتنع المحكمة بما ورد من تحريات للمباحث حول سلوكك الشائن مع مناقشة المجنى عليها واطمئنان المحكمة لأقوالها مع تناقض أقوالك ومواجهتك بالشهود ليتواءم ذلك مع تكييف التهمة وسلامة الاستدلال، فالقضاء الجنائي قضاء وجدانى فتحكم المحكمة بما يطمئن وجدانها إليه بالاستناد إلى الأدلة والقرائن والشهود، لكن كما قلت لك: لا تفرح بإخلاء سبيل أو براءة، فالإدانة الاجتماعية أشد وأنكى لأن المجتمع لا يحكم بعقل ووجدان المحكمة وغالبا ما يميل إلى إدانة البريء وتبرئة المدان، وهو سرعان ما يتحول من الشك إلى يقين أشد رسوخا من الجبال الراسيات، ليبنى على الكلمة جملة وعلى الجملة عبارة وعلى العبارة قصة وعلى القصة ملحمة، ففي قضايا اتهام بتحرش؛ عالميا أو محليا؛ صدرت الأحكام من المجتمع قبل صدورها عن القضاء، بل وأحيانا يصدر حكم المجتمع دون أن تصل الواقعة إلى القضاء، فيكفي إثارتها إعلاميا لتبدأ محاكمة عملاقة فيها ملايين القضاة وممثلو الادعاء ولكنك لا تكاد تجد أثرا لمحامين أو حتى شهود نفي.


وفي قضية قريبة العهد بنا، تم إصدار الاتهام بناء على وقوع "دردشة" أو قل بصراحة "ثرثرة" على أحد مواقع التواصل الاجتماعى في مجموعة مغلقة للبنات فقط ولم تقصد إحداهن الإبلاغ ولا التقدم بشكوى لأي جهة رسمية عن واقعة حدثت معها ـ حسب ادعائها المرسل ـ قبل هذه الثرثرة بثلاثة أعوام، حين قررت أنها "زارته" في بيتهم في أحد المنتجعات السكنية وكانا بمفرديهما ولكن ثالثهما الشيطان شخصيا الذي داعب الفتى، فتحرش بالفتاة، لكنها قاومته وسارعت بمغادرة البيت "بعد ما عرفته على حقيقته" ولم تعد تتصل به مرة أخرى، ثم لم تفعل أي شيء طوال ثلاث سنوات حتى جاء ذكر الواقعة ذكرا عارضا في الدردشة فالتقطت واحدة من المهتمات بقضايا المرأة هذه الدردشة وملأت الدنيا ضجيجا حول الفتى وأنه  كان "دون جوان" أغوى العديد من البنات، ومازالت الناشطة النسائية تلح على إحداهن حتى تقدمت ببلاغ عن واقعة عمرها ثلاث سنوات ولكن لأن الفعل يشكل جناية، فلا تسقط الدعوى الجنائية بخصوصه إلا بعد مرور عشر سنوات، وعنها وكركبت على الواد المسكين الذي اعترف في التحقيقات بمنتهى السهولة برغم عدم وجود أي أدلة أو شهود أو قرائن قوية، حتى لاح عليه وكأنه يعانى من مرض نفسي ولا ندري ما سيفعل به خاصة وأنه صار في نظر المجتمع مثال المتحرش المنحط.. متحرش؟

أي نعم.. هو متحرش.. فقد سبق أن قررنا في المقال السابق، أن التحرش عندما يقع في صورة هتك عرض "بدون استخدام قوة" يشترط فيه عدم رضاء المجنى عليها وألا تكون قاصرا، فحينئذ لا جريمة إلا أن تكون في علانية وحينئذ يصبح الفعل مجرد جنحة فعل فاضح، فأى أدلة على توافر إرادة الأنثى ولرضائها وأنها لم تقع تحت أي ضغط مادي أو معنوى وأنها غير قاصر وليست تحت مواد مخدرة أو مسكرة أو مؤثرة على الحالة النفسية، فيمكن إثبات حرية إرادة الأنثى ورضائها وأن ذلك هو الطريق لتبرئتك من هذه الجريمة.. فكيف؟ 

هذا ما سنكمل الحديث فيه في المقال القادم إن شاء الله . 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة