تنشر "الهلال اليوم" مختارات من أشعار الشاعر الروسي سيرجي يسينين، من ترجمة الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى.
صديقي، صديقي
مريضٌ أنا، ثمّ جِدُّ مريضٌ.
لستُ أعرفُ منْ
أينَ يعصِفُ بي ألمي
أَمْ هيَ الريحُ
تعوي على ناصياتِ
الحقولِ المُوحِشاتِ المُقفِراتِ،
أَمْ أنّ الكحولَ كما الدُغْل
في شهرِ أيلولَ، ينثُرُ عقلي.
إنّ رأسي بأذنيّ
كجناحَي طيرٍ
لهُ فوقَ رأسي
ساقانِ
بما لا يُطاق، لاهِثاً
الإنسانُ الأسودُ
الأسودُ الأسودُ
الأسودُ الإنسانُ
على محضِ مقرُبةٍ
منّي الآنَ
يقبعُ فوقَ سريري
الإنسانُ الأسودُ
- اللَيْل كلّهُ
لا يهبُ النومَ
عينيّ
الإنسانُ الأسودُ، بأصابعِهِ
يتَتبّعُ في
"الوحيِ" *الفاحشِ
ويُخنْخِنُ فوقي، تمامَاً كما
لو على جثمانِ راهبٍ، يلقّنُنِي حياةَ
أحدٍ ما مدمِنٍ ودنيءٍ.
ثمّ يُلقي على
روحي الكآبةَ والرعبَ.
الإنسانُ الأسودُ
الأسودُ الإنسانُ
إصغِ،
إصغِ، غَمغِمْ بي
لوحُكَ غاصَ
بالرؤى والنوايا الباهراتِ.
هذا الإنسانُ
عمّرَ في بلدِ الأوباشِ الأشدّاءِوالمُشعوذينَ
الكريهينَ.
ثلجُ كانون ذلكَ
البلدِ نظيفٌ حتّى الشيطان
وعواصفُهُ تُديرُ
المغازلَ الجذلي
لكنّ علاماته
فائِقة.
لبِقاً كانَ، وفوقَ هذا شاعرٌ.
الإنسانُ ذاكَ
كانَ أرعنَ .
وليكنْ أنّ إرادتَهُ
ليستْ كما ينبغي، لكنّها
حاذِقَة.
سمّى امرأةً تنوفُ الاربعينَ حسناءَهُ وفتاتَهُ الفاحِشَةْ.
الغِبطةُ، قالَ، تكمُنُ في لباقَةِ الذهنِ واليدِ.
كلّ ارتباكاتِ
الروحِ، أبداً، متعُوسَةٌ.
لا ضير.
وغمَراتُ العذابِ
تولدُ انكساراتٍ خادِعَة.
في البُروقِ، وفي العواصفِ، في الزمهريرِ
الدنيويّ، في الضياعِ الكتيمِ، حيثُ يطمُرُكَ
الحُزنُ
يبقى إبداعُكَ
الفَذّ أن تظلّ مبتسماً
في الكونِ، وبسيطاً.
أيّها الإنسانُ
الأسودُ، أنتَ لا تجرؤُ
على هذا!
وليس َ لزاماً
عليكََ ، طالما لستُ
في خدمتِكَ، أن تحيا غطّاساً
ماذا تعني الحياةُ
ذاتُها حتّى ، لشاعرٍ فضّاحٍ؟
أرجوكَ، قُصّ على غيري، إذنْ، رؤاكَ.
الإنسانُ الأسودُ ثبّتَ عليّ عينينِ
مُتلفّعَتَينِ بقَيىءٍ أزْرَق.
كانتْ بهِ رغبةٌ أن يجْهَرَ
بي: أنتَ مكّارٌ
ولِصّ دونَما محضٍ
من خجلٍ، وبالوقاحَةِ
ذاتِها، سطوت َعلى سيرةِ
أحدٍ ما.
صديقي، صديقي
صديقي، صديقي
مريضٌ أنا، وجِدّ مَريض.
لستُ أعرفُ منْ
أبنَ يعصِفُ بي ألمي؟
أمْ هيَ الريحُ تعوي على
ناصياتِ الحقولِ الموحشاتِ المُقفِراتِ.
أمْ أن الكحُولَ، كما الدُغْل
في شهرِ أيلولَ، يَذرّ عقلي.
مُتجمِدةٌ هي
الليلةُ
تقاطعُ شارعينِ
هادىءٌ ومطمئنّ .
ووحدي على النُويفِذَة
.
لستُ على انتظارِ
ضيفٍ ،
أو صديقٍ
السهولُ جميعُها
مُجلّلةٌ بالثلوجِ ،
بالكلسِ الطفيفِ
سريعِ الانهيارِ ،
والأشجارُ كفُرسانٍ
التقوا في بُستانِنا.
وفي مكانٍ ما
يعولُ طيرُ الشؤمِ
بينما ينشرُ
الفرسانُ القرويّونَ وقعَ الحوافرِ.
وهذا الأسودُ
، من جديدٍ ، يحتلّ مقعدي
رافعاٍ قبّعتهُ
العاليةَ للتحيّةِ ،
رامياً ، دونَ
اكتراثٍ ستْرتَهُ.
إصغِ
جشرَ ، مُحملقا
ً في وجهي ،
كلّهُ على مقربةٍ
منّي ، ومالَ عليّ :
لمْ أرَ أحداً
منَ الأخِسّاء،
هكذا ، دونَ
جدوى حمقاءَ ، يَبريْهِ الأرَقُ .
آهِ ، فلأُسَلّمْ
، أخطأتُ.
ها . القمرُ
الآنَ .
مالذي يحتاجُهُ
، بعد ،
الشاعرُ مكتملُ
الاغفاءةِ ؟
ربّما ، على
غفلة ٍ ، تعودُ
هي ذاتُها
، بفخذينِ مُكتنزينِ
،
وتتلو عليها
قصيدتَكَ الخائرةَ الساجية.
كمْ أحبّ الشعراءَ
كائناتُ مسليّةُ
.دائماً
ألتقي فيهم التاريخَ
، قلبَهُ المألوفَ
كطالباتٍ كثيراتِ
البُثورِ ،
بشَعرٍ خنفسائيّ
دميمٍ
يحدّثُ عن عوالمَ
أخرى ،
وباسترخاءٍ
عن النَزفِ الجِنسيّ
لستُ أعرفُ.
لستُ أذكرُ
في قريةٍ
ما ، ربّما ، في "كالوغا " ،
أو ربّما في
"ريزان "
عاشَ فتى في
سلالةِ فلّاحينَ بُسطاء
بشَعرٍ أصفرَ
،
وعينينِ زرقاوينِ
.
وهكذا، راشداً
صارَ ، شاعراً
وليكنْ
بقوى واهنةٍ
، لكنها عصيّةُ على الإنحناءِ .
وامرأةُ ما نافتِ
الأربعينَ ، سمّاها
حسنائي ، وفتاتي
الفاحِشة.
"أيها الإنسانُ
الأسودُ!
أنتَ ضيفُ شؤمٍ
ذائع ُ ، من
قديمٍ ، صِيتُكَ هذا".
وأنا ساخطُ ،
وأغلي بغيظٍ رجيمٍ .
ثم تطيرُ عصايَ
، هاويةً ، على خطمِهِ
وقصبةِ أنفِهِ
.
وعلى نافذتي
يؤرّقُ الشُروق .
آهٍ منك أنتِ
، يا الليلةُ
مابكِ ، أيّتها
الليلةُ ، تهشّمتِ ؟
وأنا واقفٌ تحتَ
قُبّعتي
لاأحدٌ ، سوايَ
معي
وحدي ،
وحطامُ مرايايَ
.
تشرين الثاني
1925